الاثنين، 28 أبريل 2008

الأيزيديزن.. وإشكاليات التمثيل السياسي والتنمية والإعمار .. وقضايا أخرى . في خمس حلقات


الأيزيديون .. وإشكاليات التمثيل السياسي والتنمية والإعمار في مناطقهم .. وقضايا أخرى ..
1- 5
ناظم ختاري
- العملية السياسية تتواصل و مخاوف المجتمع الأيزيدي تزداد ومعاناته تتعمق .
أثارت العملية الإنتخابية التي نحن بصددها بإعتبارها من أهم محطات العملية السياسية في البلاد التي يعد لها كل العراقيين من أجل أختيار ممثليهم للجمعية الوطنية بإعتبارها اعلى سلطة تشريعية في البلاد تستمر للسنوات الأربعة القادمة وتتمخض عنها تشكيل حكومة تدير أمور البلاد خلال هذه السنوات ، أثارت كباقي المحطات الأخرى التي أبتدأت بها هذه العملية السياسية بعد سقوط النظام الدكتاتوري ، الكثير من قلق أبناء المجتمع الأيزيدي وخشيتهم بسبب عدم تضمين قائمة التحالف الكوردستاني والقوائم الأخرى لمرشحين منهم بما يتناسب ونسبتهم ، هذا المجتمع الذي تعرض ويتعرض إلى تهميش متعمد وعدم إشراكه في العملية السياسية وحرمانه من مشاريع خدمية وتنموية منذ البداية وإلى حد يومنا هذا ، وإذا كانت الظروف القاسية التي أوجدتها دكتاتورية صدام لاتترك مجالا لتوثيق أو الحديث عن أية خروقات حتى ولو كانت بسيطة من سلب الحقوق وتهميش مجتمعنا، فأن ما يحصل من خروقات بحق هذا المجتمع ومن تهميش في الظروف الحالية بالرغم من قساوتها لا يمكن التسترعليها وكأن شيئا لم يحصل، حيث يجرى تدوين القسم الأعظم من هذا الغبن الواقع على المجتمع الأيزيدي من قبل العديد من الكتاب ويجري توثيقه في صفحات العديد من الصحف والمواقع الألكترونية التي تهتم بالشأن الأيزيدي وكذلك فأن ذاكرة الأيزيدي أصبحت قادرة على إختزانها بشكل دقيق ، ومن يراجع هذه الصحف والمواقع ويشاهد الواقع الذي يعيشه أبناء مناطقنا سيلاحظ بأن الواقع أشد قسوة عليهم مما كتب ويكتب وسيشعر المرء عند ذلك بالغثيان بسبب ذلك التدني في مستوى المعيشة وتدني الخدمات التي تقدم لهم والتمثيل الهامشي في مؤسسات الدولة و ما يعانونه من خيبات أمل بمجمل العملية السياسية وإنكسارات نفسية تتطلب وقتا ليس بقصير لمعالجتها وفي ظل حكومة تقدر ما يحيط بهذا المجتمع وتكون جدية لإيجاد سبل لمعالجتها ، وقد يمتد هذا الغبن وما يرافقه إلى فترات أخرى طويلة أو المحطات التالية من نفس العملية السياسية يخسر فيها هذا المجتمع الكثير من إستحقاقاته كان ينبغي أن يتمتع بها ضمن مسيرتها أي في هذه العملية السياسية بعد سقوط أعتى دكتاتورية تسلطت على رقاب الشعب بالحديد والنار لفترة تجاوزت ثلاثة عقود ونيف. لأن ما يجري التأسيس له في الظروف الحالية سيصبح قاعدة ثابتة يجري التعامل معها في الغد قانونيا وبذلك ستضع المجتمع الأيزيدي أمام مهمات صعبة وغاية في التعقيد في المراحل القادمة ، بعد أن لم تجد مشاكلهم طريقا للحل ولم يجري تلبية حاجاتهم قط . وبالرغم من كل ذلك لا زلنا عاجزين لا نستطيع تشخيص أوتفسير الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الحالات الغريبة والمثيرة للشكوك والخوف بالنسبة إلى أبناء المجتمع الأيزيدي.
سأحاول في هذه السطور تسليط بعض الضوء للعوامل التي تحول دون إشراك المجتمع الأيزيدي في العملية السياسية وتهميش دورهم وعدم إعارة الإهتمام بإعمار مناطقهم وتنميتها أسوة بباقي المناطق وخصوصا الكوردستانية .
من الواضح أن أكثر من 35 سنة من حكم البعث والعنف الغير معهود الذي مارسه طيلة هذه السنوات والحروب التي خاضها على الجبهات المختلفة ، الخارجية منها والداخلية والحصار الذي فرض على الشعب العراقي وأخيرا حرب الإطاحة بهذ النظام كان لكل ذلك تأثيرا قاسيا إلى أبعد الحدود على الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في البلاد ، الأمرالذي أدى إلى نموعلاقات إجتماعية مشوهة ، كان طابعها الأساسي تكريس التخلف وتغليب العنف بدلا عن التسامح الذي كان يتميز به المجتمع العراقي في أوقاته الهادئة والمتميزة بشئ من الرفاه والأستقرار ، وبالتالي تأثير هذا الأمرعلى البناء السياسي وعلاقاته في المجتمع ، التي أتخذت مسارا غير صائب خلال هذه الفترة ، امتدت ضغوطاته وتأثيراته السلبية إلى هذه السنوات التي أعقبت عملية السقوط وكذلك لسلوك الأحزاب السياسية بشكل عام والحاكمة بشكل خاص التي ورثت الكثير للأسف الشديد من النظام البائد، ولاشك أن هذه الضغوطات والتأثيرات ستستمر لسنوات طويلة لايمكن معالجتها إلا بتوفير المزيد من الحقوق والحريات الديمقراطية للمجتمع العراقي بكافة مجموعاته وأطيافه الدينية والقومية والسياسية والفكرية وأقرارآليات تنفيذها قانونيا بعد ما وردت في الدستور الدائم للدولة .
ولما كان الأمر كذلك ، فأنه من الناحية العملية كانت السمة الغالبة بعد السقوط في علاقة الأحزاب السياسية المتنفذة والغير متنفذة أيضا مع المجتمع ، كمجموعات وكأفراد وكمناطق ، كانت تتميز بإبراز العنف وإستخدامه عندما دخلت العراق عبر أبوابه الغير منتظمة التي فتحتها حرب الأطاحة بالنظام ومارست العمل السياسي بين صفوف الناس على هذا الأساس وعندما تعاملت وقسمت المجتمع العراقي إلى طوائف ومجاميع عرقية كل واحدة منها تابعة إلى حزب معين شاءت ذلك أم أبت ، إضافة إلى تقسيم مناطق النفوذ فيما بينها بعيدا عن مصلحة الشعوب العراقية التي كانت تحتاج إلى المزيد من التماسك ودون مراعاة قواعدالسلوك الديمقراطي في التعامل والعلاقة مع المجتمع مستخدمة أسلوب الترهيب والترغيب ، نفس ذلك الأسلوب الذي أستخدمه نظام العهد البائد في التعامل مع المجتمع والقوى السياسية ، والإختلاف البسيط بين تلك الفترة والفترة الحالية يكمن في ترهيب الناس وترغيب القيادات المختلفة للمجتمع من خلال شراء الذمم والإعتماد تماما على خدمة النظام السابق في تولي المسؤوليات في الدولة والمجتمع وكذلك الحزب ، جاعلين من قانون إجتثاث البعث قانونا هزيلا غير قابل للتحقيق بسبب تهافت الأحزاب المختلفة على بقايا البعث بإعتبارها مكاسب ومصادر مالية هامة ، وبذا أصبح القانون يحكىعنه فقط من أجل الإستهلاك المحلي وذر للرماد في عيون الشعب .
وما يحصل في كوردستان لا يختلف عن باقي مناطق العراق للأسف الشديد وخصوصا في التعامل مع المجتمع الأيزيدي الذي يعاني المزيد من التهميش في الجوانب المختلفة من حياته والتعامل معه وفق مبدأ (الغنيمة المشروعة ) للحزبين الكبيرين دون غيرهما ودخولهما على هذا ألأساس في صراع لإقتسام هذه الغنيمة دون مقابل أو دون قيمة إجتماعية تعيد له حقوقه المغتصبة منذ سنوات طوال ، بعكس إدعاءات العديد من الكتاب الذين يصورون بؤس المجتمع الأيزيدي على إعتباره مكارم ومكاسب وإنجازات تاريخية يحصل عليها بفضل هذه الأحزاب ، وغالبا ما تأتي هذه الكتابات على شاكلة ردود فعل تصدر من مسؤولين أيزيديين في الحزبين وهي مليئة بتهديدات مباشرة إلى الكتاب الذين يطالبون بحقوق أبناء مجتمعهم الأيزيدي أوإلى الصحافة الألكترونية التي يديرها أيزيديون أوإلى أناس بسطاء من أبناء هذا المجتمع يعبرون عن آلام الناس في المنابر الحرة في هذه الصحف والمواقع .
في الواقع هذا الأمر يخالف تماما ما كان يتطلع إليه أبناء هذا المجتمع المغلوب على أمره بعد سقوط النظام البائد حيث كانوا يثقون بأن هذه المرحلة ستحمل لهم ما يكفل مساواتهم بالآخرين وإعادة حقوقهم المسلوبة وتوفير المزيد من مستلزمات إعادة الإعمار والتنمية في مناطقهم وإشراكهم دون تمييز في العملية السياسية في البلاد. ومن المؤكد أن تحقيق هذه الأمور للمجتمع الأيزيدي وبالشكل الذي يتناسب مع ما يقدم لبقية أطياف المجتمع العراقي وبقية المناطق العراقية هوالتعويض الحقيقي والضروري لمواطنتهم و لما قدمه من مساهمات ومن تضحيات في العملية النضالية ضمن صفوف الحركة الكوردية والحزب الشيوعي العراقي والتصدي للنظام الدكتاتوري . ولكنه في واقع الحال أختلف الأمر كثيرا ، وتعقدت إلى مستويات كبيرة مختلف جوانب حياة أبناء هذا المجتمع ، فأصبحوا أو يصبحون بشكل مستمر ضحية العوامل التالية والتي سنتحدث عنها تباعا في الحلقات القامة.
الأيزيديون .. وإشكاليات التمثيل السياسي والتنمية والإعمار في مناطقهم .. وقضايا أخرى ..
2- 5
ناظم ختاري

- الإنتقال من العمل الثوري إلى ممارسة السلطة السياسية
لم يكن الفارق بين ما قاله غاندي وماو تسي تونغ كبيرا في التعبيرعن الثورات ونتائجها ، فكلاهما يريان أن الثورة يخطط لها العباقرة .. لكن أحدهما يقول أن من ينفذها هم المجانين .. والثاني يقول إنهم الشجعان .. ويختلفان في تسمية من يستفيد من نتائجها عندما يقول غاندي إنهم الجبناء ويقول ماو إنهم الإنتهازيون ... على أية لايمكننا أن نجد أي إنتهازي دون أن يكون جبانا بكل معاني الجبن .. ولكنه يمكننا أن نفرق بين الشجاع والمجنون ببساطة .. وتجارب الحركة السياسية العراقية بما فيها الكوردستانية مليئة بالأمثلة والشواهد عندما أصبح هؤلاء الشجعان سببا لنهوض هذه الحركة ثانية بعد ما قام هؤلاء بالتنفيذ على أكمل وجه وبأكثر أشكالها بطولة .
من المعروف أن الأحزاب التي تقود السلطة في كوردستان منذ أن انسحبت قوات وإدارات العهد البائد أثر إنتفاضة آذار المجيدة في العام 1990 ولحد الآن كانت تقود عملا ثوريا مسلحا أمتد لعقود طويلة ، من أجل حقوق الشعب الكوردي المشروعة والديمقراطية للعراق ، قدمت خلاله بسخاء مع كل فئات المجتمع الكوردي تضحيات غالية قلما قدمتها حركات تحرر أخرى في بلدان أخرى من العالم ، وقلما كانت هنالك حركات تحرر تعاني من الغبن وضعف المساندة مثلما كانت تعانيه حركة التحرر الكوردية . وما تعرض له الشعب الكوردي خلال هذه العقود الطويلة من مظالم على يد الحكومات المتعاقبة من التدمير العام لكوردستان وإلى القتل العام بأبشع صوره مثلما حصل في حلبجة . قلما تعرض له شعب آخر .
وبالرغم من هذا كله فأن الشعب الكوردي واصل نضاله المتفاني من أجل حقوقه المشروعة والظفر بها وعمل على شحذ همم الأحزاب في فترات خذلانها وتراجعها ، ورفدها بخيرة أبناءه من الكادحين وأبناء الفقراء الذين كانوا أكثر تضررا من الفئات الإجتماعية الأخرى والتي كانت بعضها تساهم في توجيه ضربات موجعة للحركة الكوردية من خلال تجنيد نفسها لخدمة مخططات الحكومات العراقية المتعاقبة والأعداد الكبيرة من الأفواج التي كانت تسمى بالخفيفة( الجحوش) في زمن الدكتاتور صدام حسين إلى جانب تشكيلات المرتزقة الأخرى والمتعددة التسميات خير دليل على صحة ما أقوله .
ولما كان وقود ثورات الشعب الكوردي في العراق من الكادحين وأبناء الفقراء . فأن لكادحي وفقراء المجتمع الأيزيدي حصة متميزة في النضال سواءا ضمن هذه الأحزاب أو الحزب الشيوعي العراقي الذي كان ينشط معها في عملية الكفاح المسلح ضد النظام الدكتاتوري إنطلاقا من كوردستان ، حيث أنخرط في صفوفها مجتمعة خيرة أبناء المجتمع الأيزيدي ولعبوا أدوارا متميزة في عملية الكفاح وبرز من بينهم قادة عسكريين وسياسيين لامعين قدموا خلالها خدمات كبيرة لمصلحة حركة التحررالكوردية والحركة الديمقراطية العراقية. وإلى جانب هذا قدم هؤلاء قرابين غالية ، ثمنا لهذا النضال الثوري في سبيل الحقوق المشروعة للشعب الكوردي وتحقيق الديمقراطية في العراق . وكان من بين هذه القرابين العديد من الشهداء الذين سقطوا في معارك الشعب البطولية ضد الدكتاتورية ومن الأحزاب المختلفة علاوة على ضحايا كارثة الأنفال الذين بلغوا ما يقارب 200 شخص .
ولا شك أن إنخراط هؤلاء في صفوف الحركة الكوردية والقوى السياسية المناضلة ضد الدكتاتورية كان يجيئ بسبب قناعتهم التامة بأن هذا النظام يتوغل يوما بعد يوم في المزيد من ممارسة القمع وفرض دكتاتوريته على المجتمع وإنه ليس أهلا لقيادة العراق ومعالجة معضلاته ، ويجيئ كذلك بسبب قناعتهم التامة بالقضية العراقية بشكل عام والقضية الكوردية بشكل خاص أي تحقيق البديل الديمقراطي الذي يحقق للشعب الكوردي كل طموحاته المشروعة وتطلعه إلى الحرية ، وأيضا بسبب قناعتهم بالبرامج السياسية والفكرية التي كانت تطرحها هذه الأحزاب ، عندما كانت تدير العملية النضالية المريرة ، تلك البرامج التي كانت توصف باليسارية والماركسية.
ولما تحولت هذه الأحزاب إلى أحزاب للسلطة بعد هزيمة النظام من كوردستان كان ينبغي عليها ان تواصل نهجها بثبات لمصلحة الكادحين وأبناء الفقراء من الشعب الكوردي الأكثر دفاعا عن الإنجازات ومكاسب الشعبى التي تحققت منذ الإنتفاضة وخصوصا بعد إنهيار النظام ، ولكن يبدو بوضوح إنحراف هذه الأحزاب وأقصد أحزاب السلطة عن الكثير الذي كانت تتطلع إليه الجماهير الشعبية.
وهذا أثرويؤثر بشكل كبير على مرالأيام على بنية هذه الأحزاب الجماهيرية ونفورأوساط واسعة منها ، وخصوصا عندما اعتمدت أولازالت تعتمد على العناصر التي لم تستطع أن تقدم أية خدمات للحركة في مراحلها السابقة أي مراحل الكفاح المسلح . وبشكل عام يمكننا القول أن هذه الأحزاب بانتقالها من أحزاب تقود فعلا ثوريا إلى أحزاب تقود السلطة السياسية فقدت مواقعها الإجتماعية السابقة وأحتلت مواقع إجتماعية أخرى لاتتفق مع مصالح المجتمع الكوردي ومن ضمنه المجتمع الأيزيدي ، فعندما كانت العلاقات العشائرية البالية والسائدة في هذه الأحزاب تتراجع شيئا فشيئا أيام الكفاح المسلح ضد النظام السابق أصبحت تتخذ أشكالا أخرى وتعشعش في مراكزالسلطة ممهدة الطريق لنشوء نموذج مشوه من البرجوازية، متسلقة على أكتاف الجماهير الشعبية التي ألتفت حول الوضع الكوردستاني الجديد وعلى حساب المصلحة القومية للشعب الكوردستاني، يحمل أي هذا النموذج من هذه العلاقات العشائرية المتخلفة ما يتناقض تماما مع مصالح الكادحين من أبناء كوردستان وما يحد من تطور العملية السياسية فيها بشكل سليم وتوجيهها نحو المؤسساتية والإدارة الديمقراطية. وهذا ما أدى إلى صراع تناحري بين هذه المراكز في الحزبين كانت نتائجه بالغة التأثيرعلى القضايا المصيرية التي واجهت الشعب الكوردستاني والكثير من دماء شعبنا ، وكان من بين أهم تلك التأثيرات توقف إجراء الإنتخابات البرلمانية لمدة 13 سنة الأمر الذي أدى إلى استمرار بقاء وجود البرلمان ، لاحول له ولاقوة له ولا شرعية له وهذا يعني توقف الحياة الدستورية في الأقليم ، علاوة على إنقسام السلطة السياسية والإدارية أو تقسيمها في الأقليم بين الحزبين أثر تطاحن مسلح معروف للجميع أزهق المزيد من الأرواح الكوردية وأثقل كاهل الشعب الكوردي إقتصاديا بعد أن أصبحت الموارد المالية التي كانت تصل إلى كوردستان عبر جباية الضرائب ورسومها والتي كانت أحد أسباب ذلك التطاحن ،إلى جانب المصادر المالية الأخرى وقودا لتأجيج وإذكاء نار ذه المعركة في الوقت الذي كان الشعب الكوردي في أمس الحاجة إليها ، هذا الإنقسام الذي يمتد إلى الوقت الحالي وهو يعتبر وقتا طويلا من شأنه أن يخلق المزيد من الصعوبات الجدية أمام توحيد الإدارتين وكل المعطيات وممارسات الحزبين على الساحة تشير إلى ذلك أي إلى صعوبات حقيقية تعيق توحيد الإدارتين ، واصبح وجود إمارتين في كوردستان العراق أمرا واقعا ، وهذا أقصى ما أستطاع الحزبان تقديمه للشعب الكوردي مقابل تضحياته الجسيمة . ولاشك أن هذا ألأمر يفقد الأدارتين الشرعية المطلوبة، وسوف يعرضهما إلى ضغوط متزايدة من الجماهير الكوردستانية وخصوصا إذا ما ظهرت قوى سياسية كوردستانية تستطيع تعبئة هذه الجماهير وتتبني مصالحها القومية ، وقد تكون هذه القوى ذات توجهات يمينية متشددة مرتبطة بمحيطنا المتسخ والمعادي لتطلعات الشعب ، مما سيهدد مجيئها مكتسبات الشعب الكوردي إلى جانب تهديدها لفرص الحزبين في الإستمرار بهذه الصيغة من ممارسة السلطة .
وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذا الشكل من العلاقة لم يتبلور في المجتمع الأيزيدي لكي يكون طرفا مقبولا ومعتمدا عليه في سلطة الحزبين. فإن أعضاء الحزبين من أبناء المجتمع الأيزيدي والذين ناضلو بقوة وإندفاع في زمن النظام البائد وحملوا السلاح ضده واصلو نضالهم من أجل المصلحة القومية للشعب الكوردي دون الإنجرار وراء السلطة والمال والبحث عن النفوذ ، ولاشك أن هؤلاء لازالوا موضع ثقة وإحترام الجماهير الأيزيدية . ولكن في واقع الحال لم يستطيعوا لف هذه الجماهير حول أحزابهم بشكل حاسم بحكم عدم إدراكهم لأهمية الدفاع عن قضايا وخصوصيات هذ الجماهير أو عدم الإعتراف بها وخصوصا من قبل أحزابهم وتغليب الجانب القومي على كل الخصوصيات الأخرى ، وأن هزيمة النظام في كوردستان اثر إنتفاضة آذار في 1990 فتحت الأبواب واسعة أمام العديد من الإنتهازيين والعناصر الرجعية والموالية للسلطة في بغداد من أبناء المجتمع الأيزيدي للإنخراط في صفوف الحزبين كما كان الحال في مجمل مناطق كوردستان وإغتنام الفرصة لإستلام بعض المناصب الهامشية في المؤسسات الحكومية الكوردستاية عن طريق الحزبين والذين سرقوا من كل مناضل حقيقي ساهم بشكل مباشر في العملية النضالية أحلامه في إقامة كوردستان المساوات والمحبة والرفاه ، سرقوا دماء شهداء المعارك الأسطورية للبيشمه ركه الأبطال وقصصهم البطولية وحتى قصص حبهم ونسبوها إلى أنفسهم بكل صلافة ، وسرقوا تعب الباقين منهم وأيامهم المليئة مشاريعا لما بعد السقوط وسرقوا دماء أطفال الأنفال وذويهم ، ولكن في كل الأحوال عجز هؤلاء عن أن يكونوا مراكز ثقل تلتف حولها الجماهير الأيزيدية بسبب الماضي السئ لهؤلاء وكذلك الإستمرار في إستغلال الأيزيدية من موقعهم الجديد وبشكل سافر، والوعي الكافي لدى المجتمع الأيزيدي. ولاأستطاع من جاء من بعدهم ومن أمثالهم الذين أنخرطو في صفوف القوى السياسية بعد سقوط النظام أن يلعبوا دورا أكثر قدرة وفاعلية وأنظف من الدفعة الأولى لكي يلعبوا بإمتيازويحققوا ما عجزت عن تحقيقه تلك المجموعة الأولى ، وأن تكون ركيزة إجتماعية لمراكز السلطة في الإدارتين ، وأن تلتف حولها الجماهير الأيزيدية .
ولذلك ومما يؤسف له أصبح الحزبان يستخدمان المجتمع الأيزيدي كورقة ضغط سياسية وليس كقوة إجتماعية فاعلة قدمت ما عليها وما فوق طاقتها من أجل نصرت القضية الكوردية والقضية العراقية بإعتبارها قضيتهم التي تحقق لهم ما يطمحون إليه بعد سقوط النظام .
ولأجل تحقيق هذا الهدف كانا الحزبان يصرفان ولا يزال المزيد من الأموال لشراء قوى بشرية من هذا المجتمع وشراء ذمم قياداته بما فيها الدينية على حساب الحق الطبيعي له في المشاركة الفعالة ضمن العملية السياسية وتهميشه وكذلك على حساب الحق الطبيعي للكادحين من أبناء هذا المجتمع في الحصول على الخدمات وإعادة إعمار مناطقهم وتنميتها .
وعندما كنا نناقش قبل عدة أيام أنا مع أحد الأصدقاء قال علينا أن نتحمل قدرنا وما يقع علينا من واجب قومي وما يحصل للمجتمع الأيزيدي إنه مؤقت ، لأنه أمام القوى الكوردستانية العديد من المسائل المصيرية ، منها قضية الإنتخابات ومنها قضية توحيد الإدارتين وإستعادة كركوك وخانقين والشيخان وسنجار وضمها إلى كوردستان . في الواقع أثار هذا الأمر تساؤلات عديدة في داخلي أطرحها الآن .. ألم يكن للحزبان دور في إبعاد الأيزيدية عن الإنتخابات الماضية لإرضاء القوى الدينية المحافظة وتحجيم تمثيلهم إلى تمثيل شكلي في المجالس البلدية لمحافظة نينوى ..؟ ألم يكن الحزبان هما سبب هذا التقسيم الإداري والسياسي في كوردستان كما أسلفنا ويصران بقوة من أجل الحفاظ على هذا التقسيم الذي يجسد مصالحهما الطبقية ..؟ وإذا كان الأمر كذلك وهو بالتأكيد كذلك فأن كركوك والمناطق الأخرى من كوردستان التي يناضل من أجلها الشعب الكوردي لاتهم الحزبين على إعتبارها قضية قومية ومصلحة عليا للشعب الكوردي ، بل تهمها بإعتبارها مناطق نفوذ وقوة إقتصادية هائلة تساهم إلى حدود بعيدة وحاسمة على ترسيخ سلطة الحزبين السياسية وتعزيز مواقعهما الطبقية ..!!! وألا يشعر الجميع بأنه كيف يمكن للأيزيدي أن يستمر في تقديم تضحياته من أجل المصلحة القومية في الوقت الذي لا تتحقق لامصلحته الخاصة التي دائما ما تكون حافزا لتبني المصلحة الجماعية ولا كذلك حاجات ومصلحة أبناء جلدته من (الكورد الأيزيديين ) ، والآخرون من أخوته في القومية يحصلون على ما لذ وطاب من نتائج ثورتهم المشتركة .. وهنا لابد من القول أن المصلحة القومية دون تحقيق مصالح المجتمع الأيزيدي الأخرى وخصوصياته والمصلحة الخاصة للأفراد، لن تكون وحدها العامل الحاسم والوحيد في إشراك المجتمع والأفراد في عملية نضالية معينة.. والحديث يجري بشأن المجتمع الأيزيدي ..!! وله بقية وسنطرق الباب ثانية على هذه الجوانب في الحلقات القادمة من هذه السطور .
الأيزيديون .. وإشكاليات التمثيل السياسي والتنمية والإعمار في مناطقهم .. وقضايا أخرى ..
3- 5
ناظم ختاري
- أسلمة الكوردايتي والعملية السياسية و الخدمات والتنمية والإعمار .
لا شك أن من يتابع الشأن الأيزيدي سيجد أن هذه المجموعة البشرية تعاني المزيد من الحرمان ومن ما لاتعانيه االأطياف الأخرى من المجتمع العراقي بعدما تعرضت إلىالمزيد من المظالم عبرالتاريخ ، كادت أن تفنيها من على وجه البسيطة بعد أن أزهقت أرواح مئات الألوف منها في حملات الإبادة التي تعرضت لها في تاريخها، لولا تمسك وبسالة أبناءها بالوجود وتقاليدهم الأجتماعية وإنتماءهم الديني ، ولازالت أثارها أي آثار هذه المظالم ، الإجتماعية والنفسية باقية تفعل فعلها بقساوة على أبناء هذا المجتمع ، ولازال الحرمان من الحقوق المدنية والسياسية وتوفير الخدمات وإعادة الإعمار وغير ذلك حصتهم الرئيسية دون غيرهم ، بعد ما عانوا في زمن الدكتاتورية البائدة قسطا وافرا من الإضطهاد الديني والقومي والإجتماعي . ولذلك فإنه من الواجب الدفاع عن هذا المجتمع وأن هذا الدفاع هو مهمة كل الذين يرفضون قانون القوة والتمييز الديني والفكري وما إلى ذلك.
ولما كان التعامل في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد سقوط النظام الدكتاتوري في الواقع يجري على أساس إستخدام المجتمع الأيزيدي على مستوى العراق بشكل عام وكوردستان بشكل خاص ، كمجموعة من البشر يشغلون مساحات من الأرض يتطلب حسم أمرها بين أن تبقى ضمن المناطق العربية إداريا أو أن تعود إلى كوردستان ، أو كقوى عددية فقط تحتاجها هذه الأحزاب في فترات الإنتخابات والمزايدات السياسية الأخرى ، فإنه أصبح يعاني بشدة من التهميش وعدم المشاركة في العملية السياسية ومن قلة الخدمات أوعدمها في الواقع وفقدان الخصوصية التي لم يحسب لها أي حساب في قواميس مجموع القوى السياسية العراقية للأسف الشديد .
ولذلك فلو نظرنا إلى الكوردايتي والعملية السياسية التي أبتدأت بعد سقوط النظام كما أشرت إليها سابقا سنجد أن الجانب الكوردستاني وهو الذي يهمنا في هذا النقاش بإعتبارالمجتمع الأيزيدي جزءا من المجتمع الكوردستاني مارس الكوردايتي قبل سقوط النظام وفي أيام التصدي له بنفس لايخلو من التحييز لصالح صفتها الإسلامية وإبعاد الأخرين وبشكل خاص المناضلين من أبناء الأيزيدية من المواقع القيادية للأحزاب الكوردستانية أي قيادة الكوردايتي بالرغم من التظاهر على إعتبارها أحزاب علمانية ، وبالرغم من بروز العديد من القادة المحنكين عسكريا وسياسيا من بين هؤلاء وكما أشرت إلى ذلك في الحلقة السابقة ، ولكن العامل الديني كان يقف على الدوام أمام تقدمهم لهذه المراكز القيادية في الكوردايتي ، ولذلك ليس مصادفة أن لايكون هنالك أيزيدي واحد يشغل مثلا عضوية اللجنة المركزية في أي حزب من الأحزاب الكورستانية المتنفذة ، ولا كذلك رجلا متنفذا على مستوى منطقة غالبيتها من الكورد المسلمين .
وهنا ثمة حاجة للتذكير من أن القيادة الكوردستانية عندما دخلت العملية السياسية على مستوى العراق بعد سقوط النظام ، فإنها دخلتها بطاقم كوردي مسلم تماما دون أن تأخذ في الحسبان وجود الأيزيديين على الساحة يتطلب إشراكهم في هذه العملية بإعتبارهم أكرادا وجزا من الشعب الكوردستاني ، هذا أولا ، وثانيا بإعتبارهم أصحاب خصوصية يتميزون بها عن الكورد الآخرين .
وبهذأ يبدو إن القيادة الكوردستانية أغفلت جانبين مهمين في هذه العملية ، حقيقة كون الأيزيدية أكرادا ، وحقيقة المساحة الجغرافية التي يشغلونها وكورديتها ، هذان الأمران أو الجانبان مهمان لأخذهما في الحسبان في أية فعالية كانت إقتصادية أوإجتماعية أوسياسية الآن وفي المستقبل وإلا ستنعكس نتائجها بشكل سلبي على الطرفين كما يحصل الأن فالأحزاب تتمادى في التعامل بشكله المشكوك فيه والمرفوض من قبل المجتمع الأيزيدي ، وهو أي المجتمع يزداد نفوره من هذه الأحزاب مقابل ذلك . فمثلا لو تعاملت القيادة الكوردستانية صادقة مع كوردية الأيزيدية ، لتطابقت تماما مع كل المقولات التي تحكى عن الأصالة الكوردية للأيزيديين ، ولتطابقت أيضا مع الكوردايتي كانتماء قومي دون ولاء ديني ، وبالتالي لوقع الإختيار حتى لو كان عن طريق الخطا علىعدد من الأيزيديين لمواقع المسؤولية في الإمارتين الكورديتين في أربيل والسليمانية أو للمساهمة في العملية السياسية على مستوى العراق بحكم نسبتهم التي تؤهلهم لهذه المشاركة وهي حق طبيعي. او لكان وجرى إختيار ،عددا من المواطنين الكورد (دون صفة الكورد الايزيديون ) من هذه المنطقة الجغرافية التي قلما يجري التشدد في الدعوة إلى إعادتها إلى الأقليم بإعتبارها مناطق كوردستانية أو في الحقيقة لم يجر إتخاذ أي إجراءات عملية بهذا الخصوص ، نعم لجرى إختيارهم على أحد هذين الأساسين وضمهم إلى هذا الطاقم الكوردستاني المشارك في العملية السياسية على مستوى العراق أوعلى مستوى الإمارتين ضمن الفيدرالية الكوردستانية . ولما كنت أتحدث عن عدم أهمية مناطقنا بالنسبة إلى القيادة الكوردستانية فأرى من المناسب أن أتذكر قريتي التي ولدت فيها وهي قرية ديرستون والتي لما تزل مغتصبة وسلطة الأحزاب الكوردستانية تصل إلى بغداد من فوقها وتغتصب في طريقها دوشفان .. دون أن تفعل من أجلنا ومن أجل ديرستون أي شئ .
وأعود إلى موضوعي ففي واقع الحال هذا لم يحصل أي إشراك الأيزيدية في العملية السياسية لا أثناء مجلس الحكم كما هو معروف ولا في الحكومتين اللتين تشكلتا بعد هذا المجلس أو مؤسساتها الأخرى ، سوى تعيين وزير واحد لم يجر تعيينه ثانية بعد الإنتخابات التي جرت في يناير من العام الحالي والتي أنبثقت عنها حكومة كرست المزيد من المحاصصة وجلبت الويلات للعراق أضافتها إلى ويلات صدام .
وما يصيب المجتمع الأيزيدي من إهمال في الجانب السياسي ، فهو يصيبه في الجوانب الأخرى ، حيث يعاني الحرمان التام من كل الخدمات فشوارع وأزقة بلداتهم تخلو من التبليط و ربما تستطيع إخفاء خنزير في كل حفرة من حفر هذه الشوارع والأزقة وقد لايستطيع الخروج منها بسهولة في فصل الشتاء إذا كان ممطرا ، وجميعها تعاني من شحة مياه الشرب والغسيل معا ، وتفتقر إلى مراكز صحية بصورة عامة وإن وجدت هذه المراكز فإنها دون ملاكات طبية وفي أحسن الأحوال يكون فيها طبيب واحد وفراش يفتح باب المركز متأخرا ويغلقه مبكرا ، ومدارسها لاتستوعب طلبتها ونظام الدراسة فيها يعاني من الفوضى بسبب التداخل فيما بين الدراسة باللغة الكوردية والعربية وفيما بين تربية الموصل ودهوك.
عموما أن من يريد أن يعرف المزيد في هذا الجانب يمكنه أن يقارن بين ما كتبته قبل ما يقارب السنتين وهو منشور في صحيفة بحزانى ومحفوظ في أرشيفها حول معانات المجتمع الأيزيدي ومجالات حرمانه آنذاك وما يكتبه الأخوة الآخرون عن نفس هذه المعانات وبين الواقع سيجد أنه لم يتغير بالرغم من تغيير الأوضاع ولم يتحقق لأبناء هذه المناطق ما يذكر وربما أزدادت معاناتهم بشكل مضاعف لأن مستلزمات ومتطلبات الحياة ضمن هذه الظروف تعقدت وتضاعفت إلى حدود بعيدة مقابل تدني مستوى الدخل الذي يحصل عليه المواطن . وإن تحقق شئ فهو لايرتبط بالجوانب الضرورية والحيوية في حياتهم ومتطلباتهم ولم يغيير شيئا من واقعهم المأساوي والمليئ بالفقر المدقع للغالبية العظمى من أبناء هذه الملة وخصوصا أن البطالة تنتشر بشكل رهيب بين شبيبة هذه المناطق التي لاتملك فرصة عمل واحدة ، ومجالات العمل المتوفرة بشكل مكثف في بقية مناطق كوردستان لاتريد أن تستوعبهم فمجال الخدمات وخصوصا محلات تناول الخمور هو المجال الوحيد الذي يستوعبهم بحكم تحريم هذا العمل بالنسبة إلى المسلم وأن العمل أوإمتلاك مطعم خاص للمأكولات فقط ، قد يكون مجازفة بالنسبة إلى الأيزيدي لأنه عليه أن يرمي بطعامه الذي أعده في أقرب مزبلة حتى يعلن إفلاسه فيما بعد . ومعروف أن المجال الآخر والمستدحث والذي يستوعب العمالة الأيزيدية هو مجال الموت في وحدات الحرس الوطني لكي تعيش عائلته ...!
كل هذا يحصل ونحن أبنا ء دولة النفط والنخيل وأم الرافدين ، دولة يكثر فيها الخامات المختلفة والفوسفات والغاز الطبيعي دولة تملك كل مقومات إزدهار الزراعة بشقيها النباتي والحيواني لكي تكون مصدرا مهما من مصادر تكوين الثروة ، دولة تملك مقومات سياحية هائلة ، دولة تملك ثروة بشرية هائلة .
و دولة يكثر فيها أيضا اللصوص ومضطهدي الشعب ودعاة التمييز والمحاصصات الطائفية والعرقية والولاءات الدينية .
ولاشك أن أية فكرة تستجد وتبحث إمكانية مساوات المجتمع الأيزيدي بالآخرين تصطدم بألف عقبة وعقبة . وأما المحاولات من أجل ذلك فإنها لازالت في جيوب معطف الفكرة المتعثرة أصلا. ومن يرى غير ذلك فإنه لاشك لايرىغير جيوبه. وللحديث بقية في الحلقات القادمة .
الأيزيديون .. وإشكاليات التمثيل السياسي والتنمية والإعمار في مناطقهم .. وقضايا أخرى ..
4-5
ناظم ختاري
- حقوق المجتمع والأفراد ومرجعيتها .
يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلمه النطق ، وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت !
أحلام مستغانمي ( شاعرة وكاتبة جزائرية)
من كتاب الدكتور كاظم حبيب .. المآساة... والمهزلة في عراق اليوم .
أن أية مجموعة بشرية تغفل تنظيم نفسها بقاعدة قانونية حتى ولوكانت بسيطة وتهمل تطبيقها لأسباب مختلفة ، ستصطدم بمآزق كبيرة وتتفرق وتعصى على التطور وتلجأ إلى تقرير مصير أفرادها بشكل قسري .
وهذا ما يحصل للعراقيين منذ نشأت الدولة العراقية الحديثة وإلى يومنا هذا . فالدولة العراقية إن اعتمدت دستورا دائما كانت أسيرة إرادة الفرد في ظل كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة خلال هذه الفترة الطويلة والتي تعرض فيها الشعب العراقي إلى أقصى درجات الإنتهاك والحرمان من كل الحقوق وإقصاءه بشكل كامل من حق تقرير مصيره وحق المشاركة الطبيعية في صنع القرارالسياسي لبلده بعد ما كانت تجري في بعض الأحيان إنتخابات صورية يتم فيها سلب حرية الفرد العراقي في أختيار ممثليه وحرية تقرير المصير.
وأكثر الفترات التي تدهورت فيها حقوق المجتمع والأفراد في العراق وصودرت حرياته كانت الفترة التي حكم فيها حزب البعث من سنة 1968ولغاية أنهيار حكمهم تحت ضربات الجيوش الأجنبية بعدما عجز الشعب العراقي عن إنزال الضربة القاضية فيه عبر القوى السياسية المناهضة له ، هذا النظام الذي حكم الشعب من خلال دستور مؤقت لم يحترمه بل كان القانون ومفهومه بالنسبة إلى هذا النظام جرة قلم لقائدهم الدكتاتورالمجرم الذي يحاكم الآن لكي ينال جزاءه جراء ما أرتكبه من جرائم بشعة ، وإنه أي هذا النظام لم يحاول تجريد الإنسان العراقي من ممارسة حياته وفق القوانين وفي ظل دولة دستورية فحسب وإنما ربط مصيره بشكل مباشر بين يدي الدكتاتور الفرد ،علاوة على مصير البلد المحصور بين يديه كليا ،الأمر الذي أدى إلى الكوارث التي نعاني منها لحد هذا اليوم .
ولما كانت أمامنا تجربة قاسية من حكم اللاقانون ،عواقبها تلقي بظلالها القاتمة على كل فعالية سياسية كانت أم إقتصادية أو إجتماعية ستبقى تفعل فعلها لسنوات طويلة قادمة .. يحق لنا أن نخشى كل خطوة لا تستند على القانون مهما كان مصدرها والجهة التي تقوم بذلك وتحت أية مسميات كانت .
ومن هنا وكما أرى أن المجتمع العراقي بكل أطيافه بما فيه لأيزيديون لم يفعل ما فيه الكفاية من أجل ضمان مستقبله دستوريا منذ البداية ، وأقصد بعد سقوط النظام الدكتاتوري ، ولا كذلك عملت الأحزاب العراقية من أجل ذلك التي تراجعت عن وعودها التي قطعتها على نفسها عندما كانت في المعارضة ، فبدل أن يربطوا مصير المجتمع والفرد العراقيين بالقانون وضمان حقهما وفقه وإقامة دولة القانون تراعي هذا المصير وكل ما يرتبط به من حقوق ، أصبحت تتعامل معهما بإعتبارهما كل في منطقته من حصة الحزب الذي يحظى بالنفوذ والسيطرة على نفس المنطقة ، وهذا ما يجري في طول البلاد وعرضها ولايستثنى حزب من الأحزاب المتنفذة في السلطة عن هذه القاعدة ولايتخلص أي طيف من أطياف المجتمع العراقي من هذه العلاقة المشوهة مع دولة (الأحزاب) واللا قانون ، بالرغم من أقرار قانون إدارة الدولة للفترة الإنتقالية ، هذا القانون الذي جرى إغفال المواد الواردة فيه والمتعلقة بمصير المجتمع والأفراد ، والإبقاء على علاقتهما قسرا محصورة بين يدي الأحزاب التي تعاملت معهما بشكل قاسي .
ولم يكن مجتمعنا الأيزيدي إستثناءا عن هذه القاعدة بل هو الأكثرا تضررا منها خلال هذ ه الفترة التي جرى فيها إعتماد قانون إدارة الدولة للفترة الإنتقالية بمثابة دستور للدولة العراقية ، ومن ألمعروف أن العمل بهذا القانون يشرف على الأنتهاء بعدما أنجزت الإستحقاقات السياسية الواردة في نفس القانون ( عدا تلك التي ترتبط بمصير المجتمع والأفراد وحقوقه وحرياته ) وإقتراب موعد آخر هذه الإستحقاقات ، وهو الإستحقاق الإنتخابي والذي سيجري وفقه انتخاب مجلس نواب يعتمد الدستور الدائم للدولة العراقية الجديدة في أول جلسة له ، والذي جرى إقراره عبر أستفتاء شعبي في الفترة القريبة الماضية .
فقد كان المجتمع الأيزيدي خلال هذه الفترة ضحية لجملة من الخروقات الواضحة لقانون إدارة الدولة ، وهذه الخروقات ستنسحب على ما سيعقبه أي على الدستور الدائم للدولة ، وبذلك فأن ما يجري له من خرق لحقوقه وحرياته سيصبح أمرا طبيعيا لا يحاسب عليه القانون ويتحول إلى عرف إجتماعي في ظل هذا الدستور وفي الجوانب التالية .
- *عندما يكون عدد مرشحيه في القوائم الإنتخابية لايتناسب مع نسبته إلى الشعب العراقي وكذلك مع نسبته إلى الشعب الكوردي، هذا يعني أن تمثيله في مجلس النواب القادم وفي المجلس الوطني الكوردستاني سيكون ضعيفا ولايتناسب مع هذه النسبة وهذا يعد عدم إنصاف وإغفال لأهم حق من حقوقه القانونية ، وعندما كان الأمر كذلك فهذا يعني أن المجلس القادم لايمثل بصورة حقيقية هذا الطيف العراقي الأصيل و لابد من القول إن هذه الحقيقة تشكل مأساة جدية تقلق المجتمع الأيزيدي ولايمكن معالجتها حتى بتعويضه بمواقع إدارية وسياسية متقدمة في الدولة العراقية أو في الفيدرالية الكوردستانية (هذا ما طرح من قبل بعض الإخوة في معرض تصديهم للمشكلة الأيزيدية وبعد ما حلت كارثة تمثيلهم الضعيف والهامشي) حيث أقترحوا في كتاباتهم ضرورة إسناد بعض الحقائب الوزارية كتعويض لما لحق به من ضرر، ولاشك أن كل هذا جاء بشكل قسري وخصوصا عندما أصرت قائمة التحالف الكوردستاني على هذا التمثيل الضعيف وكذلك عدم قدرة المجتمع الأيزيدي على التعامل مع العملية السياسية بالشكل الذي يؤدي إلى تقوية شأنه وإستقلالية قراره المتعلق بمصيره عن الأحزاب وفي نفس الوقت الحفاظ على إنتماءه القومي الكوردي وعدم فسح المجال للأحزاب التي تتدعي للإستهلاك السياسي أصالة هذا الإنتماء قولا والتشكيك به فعلا .
- *السنة الثالثة بعد سقوط النظام تقترب من نهايتها ولا زالت أغلبية المناطق التي يسكنها أبناء هذه الديانة مجهولة التبعية الإدارية ،لايعرف سكانها أين يمكن لهم بالتحديد أن يكونوا ، ولاشك أن لعدم تنفيذ أو تطبيق المادة 58 من قانون إدارة الدولة تأثيراته وأضراره على ذلك ، وهذا يعني بشكل واضح أن الخدمات والإعمار والتنمية في هذه المناطق أو في غالبيتها مؤجلة إلى حين تنفيذ هذه المادة التي ستصر قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية والقوى القومية العربية الشوفينية على عدم الشروع بتنفيذها إذا ما وصلت إلى السلطة بالقوة التي تؤهلها إلى القيام بذلك.
ربما تطول سنوات خرق هذه المادة القانونية ، ولايتم التوصل إلى إتفاق على ضرورة تنفيذ هذه المادة ، فهذا يعني من الناحية العملية أن حرمان هذه المناطق سيتواصل إلى سنوات أخرى ، وعلى أبناءها تحمل ما لم يعد يطيقونه من حرمان قاسي . وأن الحكومة المركزية في بغداد من جهتها تصر على نسيان أن في الحدود الجغرافية للمادة 58 مناطق عدا كركوك يعيش أهلها في ظل الفقر والحرمان أوفي الواقع تريد بشكل سافر أن يتواصل حرمانهم بإعتبارهم أكرادا . وفي نفس الوقت فأن السلطات الكوردستانية لاتقدر هذه المعانات ولاتلتفت إليها خشية أن تخسرحصتها من الأموال على أكراد ربما مشكوكين في ولاءهم إلىهذه الأحزاب . هذا من جانب ومن الجانب الآخر فأن الصراع المتواصل بين الحزبين من أجل كسب النفوذ والمناطق يؤدي بشكل مباشر إلى حرمان مناطقنا وسكانها من الخدمات والإعمار والتنمية .
وبلا شك هذا يأتي بسبب عدم وجود مرجعية قانونية يرتبط بها المجتمع والأفراد ، بالرغم وكما قلت من وجود قانون إدارة الدولة يجري الإعتماد عليه في كافة أنحاء العراق . فقد تتعامل الأحزاب مع المجتمع والأفراد بإعتبارها المرجعية الأساسية في كل شئ دون الرجوع إلى القانون ، ويقينا لايمكن أن يكون هذه حلا ناجعا لمشاكل الناس ، فأن مصائرها تتأثر بشكل مباشر بالموقف السياسي الذي يتغير وفقا لطبيعة الصراع الجار ي في كل فترة من الفترات وعلى هذا الأساس تتخذ الناس مواقفها من الأحزاب أوتنحاز إلى هذا الحزب أوذاك وبذلك تخسر مواطنتها التي هي فوق كل شئ آخر ، وبالتالي تفقد حقوقها المختلفة أثناء كل تغيير سياسي .
ولذلك ينبغي أن نعمل من أجل أن يكون الدستور الدائم للدولة هوالمرجعية الأولى والأخيرة التي يرتبط بها مصير المجتمع والأفراد وفصل مصيرهما عن الأحزاب ومنع تسييس القانون .
وعليه لابد من توفير كل الفرص الحياتية أمام الجميع وإلغاء التزكية الحزبية أوالأمنية وشروط الإنتماء إلى هذا الحزب أوذاك للحصول على فرصة من فرص الحياة . وحصر كل ذلك في يد القانون .
- *الإعتمادعلى سلطة الحزب دون العودة إلى سيادة القانون أو تطبيقه في المناطق الكوردستانية المختلفة ومنها مناطق الأيزيدية أدى إلى جملة الأمور التالية .
1- إنتهاك حقوق الإنسان وكرامته وتعرضه إلى الإهانة والتعذيب النفسي والجسدي .
2- حرمان المواطنين من فرص العمل والوظيفة دون تزكية هذه الجهة أو تلك وإكراههم على الإنتماء لهذا الطرف السياسي أو ذاك .
3- حرمان مواطني مناطقنا من المساوات مع الآخرين في كافة نواحي الحياة .
4- تخوين المخالفين بالرأي مع الأطراف السياسية الحاكمة .
5- حصرحريات التعبيرعن الرأي في مجالات ضيقة جدا .
6- التمييز بين الأفراد في مختلف المجالات على أساس إنتماءهم الديني.

الأيزيديون .. وإشكاليات التمثيل السياسي والتنمية والإعمار في مناطقهم .. وقضايا أخرى ..

5- 5
ناظم ختاري
- عدم قدرة المجتمع الأيزيدي على إيجاد آلية لبلورة مطاليبه وتطلعاته والتخبط في البحث عنها ...
لأسباب فنية لم أستطع نشر هذه الحلقة بعد كتابتها مباشرة ، لذا نشرتها الآن .
أن ما جرى الحديث عنه في الحلقات السابقة من هذه السطورالتي وضعتها بين أيدي القراء ، بأعتبارها من العوامل الجدية التي تؤثر بشكل مباشرعلى تطلعات المجتمع الأيزيدي في العراق الجديد وتعرقل مشاركته الفعالة في العملية السياسية وتجرده من حقوقه وحرياته ، لن تكون حاسمة في كل ما يحصل من الأمور المشارة إليها لولا ضعف العامل الأيزيدي الذاتي وعدم قدرته إيجاد آلية تعمل على بلورة مطاليبه وتطلعاته وخياراته السياسية ولولا تخبطه في البحث عنها.
فمن الناحية العملية هناك عدم وضوح في الرؤى إلى تطلعات هذا المجتمع إلى جانب التشتت الواضح أيضا بين هياكل المجتمع التقليدية الموجودة وأقصد بذلك المرجعية الدينية والدنيوية التي تعاني من التخلف وعدم القدرة على مواكبة العراق الجديد والقوى التي تتدعي تمثيل هذا المجتمع في المحافل والأحزاب والمنظمات السياسية العراقية والكوردستانية ومجموعات المثقفين الذين ينتمون إلى منظمات المجتمع المدني الأيزيدية التي ظهرت إلى الوجود بعد سقوط النظام الدكتاتوري والتي أتخذت من الليبرالية منهجا يتحركون وفقه ويحاولون تطبيقه على الواقع الأيزيدي ، فأذا كانت المجموعات التي تعمل ضمن القوى السياسية الكوردية هي نفسها جزءا من العوامل لتي جرى الحديث عنها في الحلقات السابقة ، فأن المجموعات الأخرى ونواقصها تعد أيضا من العوامل السلبية بعضها تتأثر بشكل مباشر بمواقف المجموعة الأولى والبعض الأخر تخطأ حساباتها في أغلب الأحيان ، سأحاول التطرق إلى هذا وذاك بشكل سريع في هذه الحلقة التي أكتبها والعراقيون يبدأون بالتوجه إلى صناديق الإقتراع المهددة بعوامل الأموال المسروقة من الشعب وسلاح الميليشيا الطائفية المقيت وضغوطات قوى الإرهاب والفتاوي الدينية . وبالرغم من كل ذلك فأن لكل قائمة من القوائم المشاركة جماهيرها التي تتطلع إلى ممثليها لتحقيق مطاليبها في شكل النظام الذي يقيمونه فمثلا حتى نساء القوائم المتحجبة وقوائم الفتاوي يرفضن دعوة العلمانيين لحقوقهن ومساواتهن في المجتمع العراقي ويدافعن عن أهداف هذه القوائم لسلب حقوقهن أكثر ، وحده المجتمع الأيزيدي لامطاليب خاصة له للعراق القادم غيرالتمنيات ولا قائمة له في هذه الإتتخابات غيرالقوائم العامة ، ومن أجل أن لايساء فهم ما أقصده فأنه ثمة حاجة لتوضيح ما ذهبت إليه ، وهو أن العراق الديمقراطي والفيدرالي ، عراق التعددية وعراق القانون والمؤسسات بالتأكيد سيكون عراقنا ومن يتبنى هكذا عراق للمستقبل فأنه يتبنى مصالح المجتمع الأيزيدي العامة دون شك . ولكن هل يمكن بناء هكذا عراق دون أن يكون لكل أطياف المجتمع فرص متكافئة لبناءه ، كي يتمكن تحديد مكانه وترتيب بيته ويجد خصوصيته ضمن هذا البناء الكبير ..؟ وهل يمكن لمرشحي هذه القوائم من غير أبناء هذه الأطياف تبني طموحاتها وخصوصياتها بعد أن يرفضوا مشاركة أبناءها المباشرة في هذه العملية أي عملية البناء ..؟
ولكن ثمة حاجة إلى القول أيضا من أن أبناء هذا المجتمع سيشاركون بكل قوة في التصويت وبكل تأكيد أن أصواتهم ستذهب إلى القوائم التي تؤمن بالديمقراطية وتنبذ الطائفية وسياسة الإقصاء بحق الآخرين والقوائم المتصدية للإرهاب الأسود الذي يلف عراقنا الحبيب، مع إن المشاركة هذه لاتعني قطعا أن هذه القوائم أنصفت أبناء هذا المجتمع وضمت منهم عددا من الأفراد يتناسب ونسبتهم إلى المجتمع العراقي والكوردستاني ، أواختارت من بينهم عناصر نظيفة مؤهلة لتمثيلهم في مجلس النواب القادم ، اوتبنت خصوصياتهم ضمن البرامج التي طرحوها . ولكن يقينا إنها تأتي حرصا منهم لبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي القادرعلى تحقيق طموح الجميع وعراق آمن يتمتع الشعوب العراقية فيه بمستقبل مزدهر .
ولغرض التعرف على العوامل التي تحد من قدرة المجتمع الأيزيدي سأعود مرة أخرى إلى تقسيماته السياسية والحديث عنها إلى جانب الحديث عن المرجعية الدينية والدنيوية ، بإعتبار ما يكمن فيها من عيوب ونواقص هي نفسها تلك العوامل التي تحد حركة المجتمع بإتجاه تحقيق طموحاته ضمن خصوصيته .
ومن أولى هذه العوامل هي عامل المرجعية الدينية والدنيوية المتمثلة بقيادة الإمارة . وما من شك إنها تتحمل أسباب غالبية أزمات المجتمع الأيزيدي ، بسبب عدم قدرتها على فهم مشاكل هذا المجتمع أو في الواقع عدم آهليتها على قيادته ، فهذه القيادة المتمثلة بالعائلة الأميرية لم تستطع تجاوز كونها أداة قمع بيد كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في البلاد ،علاوة على إنها دائما كانت الطرف الأضعف في علاقاتها مع العشائر الكوردية والعربية على حد سواء ودائما على حساب أبناء هذا المجتمع الذين عادة ما كانوا يتعرضون لشتى صنوف الإضطهاد من قبل الأجهزة القمعية لهذه السلطات وكذلك من قبل هذه العشائر علاوة على ماكان يتعرضون له على يد رجالات هذه العائلة بوصفها ليست فقط مرجعية دينية بل مرجعية دنيوية وسلطة محلية تقرر مصير أبناء هذا المجتمع على أساس من التفرقة والتمييز وممارسة الضغوطات والإضطهاد ، فكانت سيطرتها وفق كل ذلك تزداد توسعا واستغلالا على المزيد من الأراضي الزراعية والأملاك . وتقوم بالفصل في مشاكل الناس وفق مصلحتها ومعيار الفائدة من كل طرف وفي أغلب الأحيان على حساب الطرف الضعيف إقتصاديا ،وتعمل وسيطا في العلاقة بين السلطات وخصوصا القمعية وأبناء المجتمع على نفس المعيار الآنف الذكر. وعادة ما كانت تعمل في هذا المجال على إهمال مصائر الناس المهددة من قبل السلطات العراقية مقابل الإستفادة من بعض المكاسب وخصوصا المادية وتعزيز سلطتها في مناطقنا من خلال تجنيد الناس في قوات عسكرية غير نظامية لصالح هذه السلطات وفرض إرادتهم على المجتمع . والأمر ينطبق على الظروف الحالية التي لا ترى فيها قيادة الإمارة في هذه المرة أيضا مصلحة أبناء هذا المجتمع إلا عبر مصلحتها الخاصة ، ولهذا نجد أن رموزها يتسارعون في اللحاق بهذا الحزب أو ذاك لتحقيق هذا الغرض على حساب مشتركاتها مع أبناء مجتمعهم، ولا شك أن هذه المشتركات في ظل هذه الظروف عديدة ، كان ينبغي البحث عن آلية لتحقيقها( سأحاول مناقشة هذه المشتركات وآلية البحث عنها في اوقات أخرى ) . وهنا أنا لا أقصد قطعا ما يطرح من قبل العديد من الإخوة بخصوص هذه الآلية التي عادة ما يربطونها بمرجعية دينية وحتى الذين يريدون غير ذلك لايعملون كثيرا من أجل تجاوز الدور الأساسي لهذه العائلة ، ولذلك نجد أن كل التيارات التي تتدعي هذا الإتجاه الفكري أوذاك لاتستطيع الخروج من هذه الدائرة وتعتبر أن مشاركة قيادة الإمارة في العملية السياسية وعلى أن تكون هي القائدة لها هي مسألة قدرية لايمكن تجاوزها . وهذا الأمر يعد في الواقع تجريد المجتمع الأيزيدي من حق إيجاد أداة سياسية فعالة للدفاع عن مصالحه و خصوصياته ، وهوما يصطدم بضرورات هذه المرحلة وأهمية إنجازها للمجتمع الأيزيدي ، والعمل على تحريف هذه الضرورات لصالح مجاميع مختلفة تتميز بقصر النظر للواقع المعاش في عراق اليوم وكذلك لدورها المطلوب في المجتمع الأيزيدي . وهنا انا لا أعتقد من الصواب مثلا المطالبة بتشكيل مرجعية دينية وهي موجودة منذ مئات السنين ولم تحقق ما هو جدير بالذكر ، والآن تواجهنا مهام مثل حماية حقوقنا دستوريا والبحث عن خصوصيتنا والمشاركة في العملية السياسية وعدالة تمثيل مجتمعنا في المحافل السياسية العراقية والكوردستانية ، وضرورة إعمار مناطقنا وتنميتها وما شابه ذلك . وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه ، من يحقق لنا هذه المهام والأهداف ..؟ وهي تعتبر في الواقع مشتركات لكافة شرائح المجتمع بما فيها المرجعية .. قطعا لن تكون المرجعية الدينية الموجودة حاليا ولا كذلك المنشودة هي التي ستحقق للمجتمع هذه الأهداف ولا كذلك المرجعية السياسية االتي يطرحها أحد هنا وآخر هناك وتطرحها عدة تيارات سياسية أو فكرية أيزيدية بشكل مشوش تتدعي الإستقلالية ولاتعمل إلا بموافقة قيادة الإمارة ووفق إرادة هذا الحزب أو ذاك .
في الواقع أن المجتمع الأيزيدي مطالب بالبحث الجدي عن مرجعية سياسية قديرة ومؤهلة لاتساوم على حساب مصلحة أبناءه .
ولو عدنا إلى الأطراف أوالتيارات السياسية العاملة على الساحة وفي الوسط الأيزيدي سنجدها تتوزع على إتجاهات فكرية مختلفة جميعها لم تحسن العمل من أجل مصلحة أبناء المجتمع الأيزيدي ، وتحدثت في الحلقات السابقة عن بعض هذه الإتجاهات أي العاملة في الأحزاب الكوردستانية وأشرت إلى ادوارها المؤثرة بشكل سلبي على مشاركة هذا المجتمع في العملية السياسية إلى جانب الإشادة بالأدوار الإيجابية للعديد من العناصر المناضلة ضمن هذه الأحزاب ونظافتها ولكنها بقيت خارج الخصوصية الأيزيدية .
وسأتحدث في نهاية هذه الحلقة الأخيرة بشكل سريع حول أدوار الأطراف الأخرى والتي تعتبر بحكم تحركها أطرافا أو مجموعات مؤثرة على الوضع الأيزيدي وأولى هذه المجموعات تلك المتأثرة بالأفكاراليسارية والتي تتصورإنها تتعامل مع الأحداث وفق هذه الرؤية ولاشك إنها قدمت الكثير من الخدمات الجليلة لهذا المجتمع من خلال طبيعة عملها في مجال البحث العلمي والتاريخي وقدموا ثمارهذا الجهد بسخاء لأبناء مجتمعهم علاوة على تعريف العديد من الشعوب بالديانة الأيزيدية وكسب المزيد من الأصدقاء لها وخصوصا في دول المهجر ، والجدير بالقول هو أنني لست بصدد الحديث عن نشوء هذه المجموعة أو تطورها ولكنني أود الإشارة إلى أنه عندما عملت هذه المجموعة في السياسة لم تستطع الإستقرار أوالثبات في مواقفها أزاء جملة القضايا التي كانت تواجهها وخصوصا القومية ، فالإنتقال من مواقع سياسية إلى أخرى ومن موقع فكري إلى آخرأصبح سمة واضحة وبارزة لديها ، ولاشك أن هذا يجيئ بسبب الصعوبات الناشئة من فترة النضال ضد الدكتاتورية وصعوبات وتعقيدات الحياة السياسية الحالية وتأثيراتها حتى على أبسط الأمورالشخصية ، ولذلك فليس هناك ما يذكرلهذه المجموعة في هذا المجال غير السلبيات والمواقف المشوشة التي وقفت في ظل الظروف الراهنة بإعتبارها عوائق جدية في وجه طموحات المجتمع الأيزيدي ، في الوقت الذي كانت مشاركتهم مع أبناء مجتمعهم أوالوقوف في طليعتهم لبلورة آلية فاعلة لتحقيق طموحاتهم ومطاليبهم ضرورية جدا ، ولكنها كانت تحتاج إلى ثبات ونكران ذات ووضع مصلحة أبناء هذا المجتمع فوق أي اعتبار مصلحي وشخصي آخر ، الأمر الذي يعانيه مجتمعنا بمرارة في هذه المرحلة ، فكل من يمثل الأيزيدية في عراق اليوم أو كوردستان اليوم أصبح يستلم مقابل ذلك مكاسب وغنائم شخصية والمطالبة حول حقوق مجتمعهم في المجالات المختلفة تتأجل منتظرة ظهور أو بروز مجموعة أخرى كردة فعل على هذا وذاك والدخول من جديد في مساومات على حساب هذه الحقوق المشروعة والطبيعية . وهذا ما ينبغي أن يدركه أبناء مجتمعنا فمن جانب لايمكن أن تتحقق مطاليبه دون أن تكون هنالك آلية لصياغة أولويات هذه المطاليب ووسائل النضال من أجلها . ودون تحقيق عراق ديمقراطي قائم على العدل والمساوات ، ولذلك فأن نشوء أي كيان سياسي للأيزيدية في مقبل الأيام ينبغي أن يأخذ هذه القضية بنظر الإعتبار .
ولما كنت أتحدث عن العوامل التي تحد من حركة المجتمع الأيزيدي ، لابد من الإشارة إلى وجود إتجاه فكري ليبرالي يتبناه العديد من المثقفين ومنظمات المجتمع المدني الأيزيدية ولكنه بحاجة إلى أن يتبلور سياسيا بالرغم من وجود بعض هذه العناصر المثقفة التي تتدعي تمثيل هذا التيار سياسيا ، ولكنه واقع ألحال أثبت ضعف هذا الإتجاه وخضوعه هوالآخر لتأثيرات هذه الجهة السياسية أو تلك في كوردستان ومراكز القوى الموجودة في المجتمع الأيزيدي، في الوقت الذي كان يعتقد إنه يشكل ثقلا نوعيا كبيرا ومؤثرا في العملية السياسية على مستوى المجتمع الأيزيدي على الأقل ويحمل من الإستقلالية ما يؤهله لنيل ثقة الفرد الأيزيدي وبالتالي تبني قضايا مجتمعه بعيدا عن المساومة على حساب مطاليبه العادلة ، وهذا ما يتطلب الإستفادة منه أيضا إلى جانب العوامل الأخرى عند الحديث عن الكيان السياسي أو على الأقل إيجاد آلية معينة لمتابعة قضايا أبناء مجتمعنا ومستقبلهم في الفترة المقبلة ، وخصوصا يمكن لهذا التيار لملمة نفسه بعدما أصيب بخيبة أمل نتيجة التعامل السلبي للأحزاب الكوردسانية مع المجتمع الأيزيدي منذ سقوط النظام البائد وتهميش دوره وعدم إشراكه في العملية السياسية إلى جانب الكثير من الأمور الأخرى ، الأمر الذي أدى إلى إحباط شديد لدى أبناء المجتمع الأيزيدي ، ينبغي أن تتداركه القوى الحية في هذا المجتمع وترص صفوفها والتعامل بموضوعية وأن تتفاعل كل تيارات المجتمع الأيزيدي بغض النظرعن إعتقاد هذا التيار أو ذاك وقناعاته بخصوص بعض الأمور التي تتعلق بالموقف من القوىالسياسية العراقية أوالعمل ضمن إحدى هذه القوى أو الموقف من الإنتماء القومي للأيزيدية أو ما شابه ذلك لأن كل ذلك في نهاية المطاف يعود إلى المجتمع الأيزيدي الذي سيقرره عندما يضع صوته في صناديق الإقتراع في هذه الإنتخابات أوغيرها ، سواءا كان إختيارها على سبيل المثال فقط التحالف الكوردستاني أو القائمة العراقية أوالحركة الأيزيدية من أجل الإصلاح والتقدم التي تدخل الإتنخابات في قائمة مستقلة للمرة الثانية وهذا ما يسجل لها إيجابيا .
هذه العوامل والعوائق التي تقف في وجه المجتمع الأيزيدي ينبغي أن تضع كل حريص من أبناء هذا المجتمع أمام مسؤولياته والعمل جديا من أجل إزالتها ، على أن يجد هذا المجتمع نفسه فاعلا ضمن المسيرة السياسية للدولة العراقية الجديدة وخصوصا في كوردستان .










ليست هناك تعليقات: