الاثنين، 28 أبريل 2008

محطات من أنفال به هدينان - المحطة الخامسة


محطات من أنفال به هدينان

ناظم ختاري
(المحطة الخامسة )
وفي لحظات معينة وبعد دخولنا مقر مه رانى مباشرة شعرنا برهبة شديدة هرعنا اثر ذلك صعودا مسرعين مرتبكين نحو مواقع مضاداتنا الجوية ( الدوشكه) المتواجدة في قمة قريبة في مواجهة المقر وهي تسيطر بعلوها على كافة أرجاء المنطقة وتحمي المقر من غارات الطيران الغادرة وجدنا رفيقين لنا ينحدران نزولا من نفس تلك المواقع وهما ينتظران وصولنا بعد أن قررت قيادة المحلية الانسحاب في عصر يوم الرابع والعشرون من أب أي قبل وصولنا بليلة واحدة ، وخففا في الحال من مخاوفنا بعد أن قالا أن هذه الرائحة الكريهة والتي تملأ الوادي هي لبقايا عجل تعفنت كان يعود للنصير(عبد مام أحمد)* ذبحه استعدادا للانسحاب والتزود بلحمه والاستفادة منه في الطريق ، وليس لأي أسلحة كيماوية لأننا لم نتلقى أية ضربة بواسطة هذه الأسلحة لحد انسحاب رفاقنا عصر البارحة وإلى هذا اليوم ، وفي الحقيقة كان قد تولد لدينا شعور جماعي عند دخولنا المقر وسط هذه الروائح الكريهة التي شقت طريقها سريعا إلى أنوفنا ، بأن قوات النظام ربما نالت من كل رفاقنا وعوائل أنصارنا بواسطة أسلحة كيماوية ، والذين يبلغ عددهم أكثر من ثلاثمائة شخص مع العوائل ماعدا مجموعتنا التي دخلت المقر للتو ، وقالا لكن الطائرات العراقية استخدمت هذه الأسلحة وألقت بها قبل أيام قليلة بالقرب من آفوكى وعلى الطريق بينها وقرية سوارى وقتلت إمرأة من أهالي هذه الأخيرة وألحقت أضرارا بقطيع غنم كان هناك فأنفقت العديد منها علاوة على نفوق أعداد من الطيور البرية تساقطت على الأرض في المنطقة نفسها ، وقالا أن رفاقنا الأطباء ذهبوا إلى هنالك لمعاينة الوضع بعد ساعات من القصف وأكدوا أن كل ما يحصل هناك يدل وبشكل قاطع كون هذه القنابل التي سقطت في هذه المنطقة كانت عبارة عن مواد كيماوية وغازات سامة أدت إلى إحداث هذه الخسائر ، وقيل إضافة إلى ذلك ان رجلا من سكان قرية سوارى حاول استخدام بعض القطع من هذه الصواريخ المتفجرة لحاجة ما فأصيب بورم غير إعتيادي لونه أحمر في عيناه الاثنتان ، عولج وعلى حد قول أحد أنصارنا في مقر مه رانى . وذكر فيما بعد أن أسلحة كيماوية استخدمت في وادي كانيا باسكا والتي مررنا فيها (القرية) ليلا ، وفي الواقع مرا من هناك أيضا بعد القصف بعدة ساعات رفيقين لنا في نفس يوم انسحابنا ولكننا لم نلتقي بهما وكانا متوجهان إلى الداخل أحدهم إلى بغداد والآخر إلى أحدى أقضية محافظة نينوى وهما أكدا قصف الطائرات العراقية لهذه المنطقة بالأسلحة الكيماوية .
زالت مخاوفنا وشعرنا بارتياح إلى حد ما وتوجهنا نحو النهر الذي كان يتوسط المقر للاغتسال والشرب وعلى بعد عدة أمتار من منبعه ، لم يكن هناك ما يوازي مياه هذه العين من جهة صفاءها وبردوتها وكان الجميع يقول وبشهادة أهالي قرى المنطقة بأنها تساعد على صرف الطعام الذي يتناوله المرء في الحال فكنت تشعر وأنت تشرب قليلا منها بعد تناول الطعام بالجوع مرة أخرى مباشرة ويتحدث الناس على أن هذه العين بين كل عدة سنوات يصيبها الجفاف مرة واحدة وهذا ما أشعرنا بالقلق ولكن لحسن الحظ فأن كل السنوات التي قضيناها هناك على هذه العين كانت معطاءة وظلت المياه تتدفق منها دون توقف وأحيانا كثيرة كانت تتعدد الينابيع من على المصدر الرئيسي لها وخصوصا في السنوات التي كانت تكثر فيها الأمطار والثلوج .. جرى تبادل الأحاديث كثيرا تركزت على سرعة تطور الأحداث التي أدت إلى هذه النتيجة والتي مفادها الانسحاب دون معرفة نتائجه بسبب عدم احتساب الوقت المناسب له وذلك لأسباب عديدة منها وقبل كل شئ عدم التوصل إلى حقيقة ما كانت تريده قوات النظام من تقدمها بهذه الأعداد الكبيرة من قبل مجموع الأحزاب العاملة على الساحة الكوردستانية إذ لم يجر الاستعداد لاحتمال أن تكون هذه الحملة على هذا القدر من الشدة وعواقبها الكارثية على المنطقة وقدرتها على دفع الحركة المسلحة في كوردستان إلى خارج الحدود وتدمير الريف الكوردستاني بعد أن يلحق بسكانها أفدح الأضرار من قتل وتهجير ،هذا من جانب أما من الجانب الآخر كان هناك ضعف واضح في التنسيق بين الفصائل التابعة لهذه الأحزاب وكانت قوات كل حزب تتصرف دون الآخرين أو قوات الأحزاب الأخرى وهذا ما حدث عندنا على مستوى العلاقة بين المجاميع التابعة للحزبين الشيوعي والديمقراطي الكوردستاني حتى في ظل هذه الأوضاع الصعبة ، ففي الوقت الذي كان أنصارنا يتوجهون إلى القرى لشحذ همم السكان وتشجيعهم على المقاومة كنت تجد في الجانب الآخر عدم وضوح في الموقف إزاء هذه القضية وعدم وجود أية رغبة في التنسيق مع قواتنا وخصوصا في اليومين الأخيرين قبل الانسحاب بالرغم من اللقاءات التي سبقت هذا الانسحاب والتي أختلف وتناقض التعامل الحقيقي مع ما كانت تصدرها هذه اللقاءات من قرارات تدعو إلى المقاومة كما حصل في منطقة خواكورك على سبيل المثال حيث قاوم الأنصار والبيشمه ركه في معارك تلك المنطقة لما يقارب شهرا كاملا . ولم يجر تدارك هذا الأمر إلا عندما أصبحت المنطقة فارغة تماما من السكان والقوات أي بعد ما ظهر كل شئ جليا أما الأعين ، فالجيش بعديده وعدته يتقدم والقرار هو عدم المقاومة والانسحاب أو النزوح جماعيا صوب الحدود.
أن التنسيق الجيد والعمل معا بين أحزاب الجبهة الكوردستانية على مختلف المستويات والوحدات العسكرية التابعة لها في جميع مناطق تواجدها كان من شأنهما أن يؤديا إلى نتائج أخرى غير التي نتحدث عنها والتقليل من هذه الخسائر المهولة التي أصبحت ثمنا لوحشية النظام وتصميمه على إنهاء وجود الحركة المسلحة في كوردستان من خلال أتباع سياسة الجينوسايد هذا أولا و ضعف أو انعدام التنسيق المطلوب بين أحزاب الجبهة الكوردستانية وعدم القدرة على التوصل لنوايا السلطة وفهمها التي أعدت لمثل هذه الحملة على ما يبدو منذ فترة غير قصيرة وهذا ثانيا ، ناهيك عن عدم التأني في توقيت اتخاذ قرار النزوح الجماعي وخطأ التقدير بشأنه بالرغم من أهميته إزاء هذا الجنون التي تقدمت به قوات النظام .
وبعد وصول المجموعة الثانية من مفرزتنا إلى مه رانى كان ينبغي أن يتركز الحديث حول الوجهة التالية وكيفية اللحاق برفاقنا المتوجهين صوب الحدود عن طريق قرية كافيا التي كان يوجد فيها المقر القيادي للجنة أقليم كوردستان للحزب الشيوعي ، ثم باتجاه منطقة بارزان وهي الطريق الوحيدة التي من المفترض أن تكون مفتوحة أمام انسحاب الآلاف من أبناء هذه المناطق والأنصار والبيشمه ركه ، بينما كان أحد هذين الرفيقين يحمل رسالة من اللجنة القيادية إلى الرفيق الذي ألتحق بنا من تنظيمات قضاء الشيخان في بير موس في الساعة الأخيرة من وقت انسحابنا تؤكد على ضرورة عودته إلى نفس منطقة عمله مرة أخرى ومتابعة الأوضاع برفقة حامل الرسالة ، في الواقع كان الأمر في غاية الصعوبة بسبب إغلاق كافة المنافذ التي تؤدي إلى هناك بقوات الجيش والجحوش المتقدمة ، وكيف سيتصرفان في هذه المنطقة في حال الوصول إليها بسلام وبمعزل عن تواجد قوات الحزب أو حتى قيادته التنظيمية وفي الوقت الذي أصبح فيه عملية إيواء أنصار أو كوادر تنظيمية من قبل الشيوعيين وعوائلهم في هذه المناطق عبئا ثقيلا ومخيفا جدا ..؟ ورغم كل هذا لم يتردد الرفيقان في قبول المهمة واستعدا لاختراق هذه القوات والوصول إلى الده شت ومعايشة هذه الخطورة الأنفة الذكر ومصاعبها كما كان الأمر بالنسبة إلى مجاميع أخرى كانت تعيش هناك وتعاني الملاحقة المستمرة ومنقطعة الصلات بالحزب ، بعضها قاومت بكل جرأة ولها ألف حكاية وحكاية أرجو أن يستطيع أبطالها روايتها في ظل ظروف أفضل ، و كانت هناك مجاميع أخرى لم تفلح في مقاومة شراسة الأجهزة الهمجية القمعية للنظام .
كان علينا أن نستعد لسفر لم يستطع أحدنا التكهن بنتائجه أو في الواقع لم تكن هناك معلومات حول الأعداد الكبيرة التي توجهت إلى تلك المنطقة لغرض العبور ، وهل استطاعت العبور أم لا..؟ . وبسبب عدم معرفتنا التامة بمدى تقدم قوات الجيش والجحوش و إلى أي المناطق القريبة من مقراتنا وصلت ..! ، عموما تأكد لنا بشكل قاطع أن هذه القوات أصبحت على مقربة من مقراتنا وهي تطوقنا من جميع الجهات وكنا نتأكد من ذلك بسبب تزايد اقتراب أصوات الإنفجارات من كل جهة ولذا تقرر أن يبدأ تحركنا مساءا عبر مقر (سى ده را) للحزب الديمقراطي الكوردستاني – لجنة الشيخان وهي الطريق الوحيدة التي يجب علينا اتخاذها ، ولكن ليس عبر قرية (أطوش)*، وعادة ما يكون الظلام في مثل هذه الحالات أفضل صديق للبيشمه ركه ولذلك كان علينا أن نجتاز (سى ده را ) أثناء الظلام ...
واستعدادا لهذه الجولة من الانسحاب تقرر الإبقاء على عدد من الأنصار لإعداد كمية من الخبز وخصوصا أن مخازن المقر كانت مليئة بكل أنواع الأرزاق لأن موسم تساقط الأمطار والثلوج أصبح قريبا و كان لابد من تجهيز المقر بهذه الأرزاق لشتاء كامل كالمعتاد . وهكذا ذهب بقية الأنصار إلى وادي آخر يقع في منطقة قريبة من الجهة الشمالية للمقر لأن البقاء في المقر بهذا العدد لم يعد أمينا ، وذلك انتظارا لانقضاء هذا اليوم ولحين حلول الظلام . وهناك قمنا مرة أخرى بإخفاء بعض الأسلحة الزائدة عن الحاجة وثم كان لابد لنا ننام بعض الوقت كي نتمكن من مواصلة المسير ليلا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- (عبد مام أحمد)* من أكبر أبناء مام أحمد سوارى كان له ضمن مفارز أنصارنا ثلاث أشقاء آخرين بينهم جمال وهو على قيد الحياة و استشهد منهم اثنان ( جاسم على يد الغادرين بين سوارى و آفوكى ) و(هلال في عملية غادرة قامت بها الطائرات السمتية على أحدى مفارزنا بالقرب من بير موس اثر معلومات إستخبارية حصلت عليها السلطة من أحد عملاءها في المنطقة راح ضحيتها 9 شهداء من الأنصار أبطال وعدد كبير من الجرحى ) .
- (أطوش)* من القرى التي قدمت الكثير للحركة كانت تتكون من عدة بيوت نصفها مسيحيون والنصف الآخر مسلمون كانوا يعيشون بوئام وسلام وحلت عليهم العديد من عوائل أنصارنا من الأيزيدية وجميعهم عاشوا في ظل علاقات طيبة جدا وتولدت بينهم علاقات ( الكرافة ) التي زادت من أواصر الصداقة بينهم أكثر ، حتى لقب بعض أنصارنا بفلان الآطوشي . وتقع هذه القرية على الطريق بين مه رانى و سى ده را .


يتبع

محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة


محطات من أنفال به هدينان

ناظم ختاري
(المحطة الرابعة )
تحركت مجموعتنا في موعدها المحدد ، ووجدت جميع القرى التي في طريقها خالية من السكان ، فلا أتذكر إننا التقينا بشرا في كل هذا المشوار إلا عندما وصلنا إلى مه رانى ، وكان ذلك في الواقع أمرا غريبا رغم معرفتنا به قبل هذا الوقت ولكننا كنا نتصور أن نجد ناسا في القرى الخلفية وهذا لم يحصل أبدا ، فكما كانت (جه مانكى وباله ته وبازيركى ودزى)* والقرى القريبة منها (قرى منطقة عملنا ) خالية من السكان كانت القرى الأخرى أيضا خالية والتي تقع على طريقنا وحواليها باتجاه المقر مثل (بينارينكى وكاني باسكا وكابنيركى وخوربينيا وباك باكى وسوارى وسبيندارى وميزى وبانيا ته علا وجه مانى ) *و(القرى البديلة)* عنها التي جرى بناؤها للتمويه وتجنب الهجمات الكيماوية أو القصف العادي الذي أصبح أمرا شبه يومي ، وكان عادة يجري بناء هذه القرى بطريقة يصبح الجزء الغالب من حيطانها مطمورا في عمق الأرض لمقاومة شدة انفجار القذائف وشظاياها وكان يجري اختيار بناء هذه القرى في مناطق حسب اعتقاد الأهالي بأنها غير معروفة للسلطة وهي تقع في وديان تتميز بصعوبة الوصول إليها من قبل مشاة الجيش العراقي بسبب وعورتها وعلى اعتبارها أهدافا غير قابلة للإصابة بقذائف المدفعية والهاونات .
وقبل حلول الظلام وصلنا إلى قرية بينارينكى البديلة والتي تبعد عن القرية الأصلية مسافة عدة كيلومترات قليلة لا تتجاوز 3 أو 4 منها ، فكان علينا أن نأخذ قسطا من الراحة والانتظار لتقريب المسافة بيننا وبين المجموعة التي تتبعنا وخصوصا أن الظلام سيحل قريبا و علينا أن نواصل المسير ونكون على معرفة ببعضنا الآخر نحن المجموعتان وأين وصلنا.. لمواجهة الاحتمالات الطارئة لأن وقوعها أصبح واردا بسبب بدء التقدم العملي في المناطق التي كنا ننسحب منها وعبر المنافذ الأخرى للوصول إلى قرى المنطقة وثم مقراتنا فكانت أصوات الإنفجارات المتتالية تشق السكون المخيم على هذه المنطقة في كل صوب واتجاه معلنة حربا شرسة عليها .
كانت هناك حاجة لأن نستغل هذا الوقت لإعداد طعام ما لنا وللمجموعة الثانية ، نتناوله نحن لحد ملأ بطوننا تحسبا لاحتمالات القادمة الجوع ونترك حصة المجموعة الثانية ونتركهم عندما يصلون حتى يشبعوا بطعام شهي والذي سنشتاق إليه كثيرا عندما تصبح كسرة خبز حسرة كبيرة للآلاف من الناس المحصورين من أهالي هذه القرى في قمم ووديان جبل كارة ، وهكذا صعد أحدنا إلى الشجرة التي كان عليها عددا من الديوك الرومية والتي تركها أهل القرية مع كل أشياءهم وحاجياتهم الأخرى واخترنا واحدا منهم بعد أن نزل سربهم طائرا مفزوعا.
وبسرعة شديدة أكتمل كل شئ بعد أن كانت جميع مستلزمات الطبخ متوفرة في كل بيت تذهب إليه وتجده مفتوحا وأصبح القدر الكبير والذي يحمل الكثير من اللحم والرز وأشياء أخرى على موقد تشتعل فيه النيران الملتهبة من حطب البلوط . وانتظارا لإنضاج وجبة الطعام هذه بحثنا عن طعام آخر نكسر بها جوعنا الشديد فتذكرت أن العائلة التي كنت أزورها في هذه القرية وفي ظل الظروف الطبيعية لا تبقى بدون عسل جبلي قط يجمعونه من خلايا النحل الجبلية المنتشرة في مناطق وعرة جدا ولما كانت كوردستان غنية بخضرة وديانها وجبالها فأن العسل الذي تنتجه هذه الخلايا عادة ما يكون من أفخر أنواعه ... فقلت لأحد الرفاق لابد أن يكون هناك في هذا البيت عسلا . فقال وكيف تعرف ذلك .؟ شرحت له علاقتي الطيبة بهذه العائلة وغيرها من العوائل التي لم تعز أي شئ إلا وقدمت للأنصار والبيشمه ركه طيلة السنوات التي كنا نعمل فيها ضمن منطقتهم وقبلنا الآخرون منذ سنوات طويلة ، ليس هذا فقط بل يرفدون الحركة بدماء أبناءهم ، فأية عائلة ليس لديها شهيدا أو مقاتلا في صفوف البيشمه ركه في كل هذه المنطقة ، فكيف تريدني أن أنسى ما كانت تقدمه لي والدتهم ..؟ وتقول لي كل يا بني فأن طريقا طويلة أمامكم !.. فلازمنا صمت مطبق شابه الكثير من الحزن ونحن نتذكر هذه العوائل الفلاحية الطيبة التي كانت بمثابة أهالي حقيقية لنا نحن البيشمه ركه .. ولما انشغلت بتوزيع النار في الموقد وتحت القدر لكي ينضج الطعام الذي يحتويه بشكل متساوي أبلغني الرفيق بأنه لم يجد العسل الذي تحدثت عنه فأسرعت إلى حيث مكان المؤن المتروكة لهذه العائلة وفتحت أول علبة نيدو للحليب سعة 5 لترات التي عادة ما كانت تستخدم هذه العلب لحفظ بعض المواد الغذائية فيها في مختلف مناطق كوردستان بسبب مقاومتها للرطوبة وعملية إحكامها بشكل جيد ، وجدتها مليئة بالعسل تناولنا منها شيئا وملأنا منها علبة (كيكوز)* صغيرة لأخذها معنا لأننا سنحتاجها في مقاومة الجوع المنتظر وتركنا ما تبقى في مكانها الأصلي .
بعد أن وصلت المجموعة الثانية واستلمت حصتها من وجبة الطعام بدأ أفراد مجموعتنا بمواصلة المسير نحو (كه لي مه رانى ) وهي المحطة التي ستحدد وجهتنا ما بعد الوصول واللقاء ببقية الرفاق وما ستؤول إليه الأحداث .
اتفقنا مرة أخرى على أن لا نتوقف إلا في المقر عدا في الحالات الطارئة التي ربما تواجهنا ، فاستمر المسير إلى الصباح وسط قلق بالغ في الساعات الأخيرة منه بسبب تزايد أصوات الإنفجارات واقترابها أواستهدافها رفاقنا في المجموعة الثانية ولكنها لما كانت تطلق من مدافع قصيرة المدى والظلام لم يكن قد انقشع تماما فإنها لم تصب أهدافها وهكذا تبين أن طليعة قوات العدو بدأت تصل إلى مسافات قريبة من مقراتنا في( كه لي مه رانى ) حيث مقر لجنة محلية نينوى لحزبنا الشيوعي ومقر (سى ده را ) العائد للجنة الشيخان للحزب الديمقراطي الكوردستاني عبر منافذ (سوارى وسبيندارى ) وهما قريتان تابعتان إداريا لناحية سرسنك وتقعان إلى الغرب من مقراتنا و(كانيكا ) وهي قرية تابعة إلى ناحية أتروش وتقع إلى الجهة الجنوبية من مقراتنا .
وكان تقدم هذه القوات يتواصل عبر منافذ أخرى لتصفية القرى التابعة إلى ناحية زاويتة و سواره توكه وبعض القرى الأخرى التابعة إلى ناحية أتروش من جهتها الغربية إضافة إلى التقدم الواسع لقوات الجحوش في منطقة نهلة عبر باكرمان ودينارته في الجهة الشمالية من قضاء عقرة والتي تقع في جبالها ووديانها العديد من القرى التي تتصل في نهايتها بمناطق تواجدنا .
أما من الجهة الشمالية فإن قوات النظام كانت تتقدم جنوبا نحونا منطلقة من سرسنك ومعسكرات بامرنى والعمادية وديرالوك ، كل هذه القوات التي كانت تتقدم كانت تستهدف إضافة إلى القرى التي أشرنا إليها منطقة ( به رى كاره (*وقراها مع مقراتنا التي كانت تقع ضمن هذا الجبل من جهته الجنوبية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- (جه مانكى وباله ته وبازيركى ودزى)*هذه القرى كانت تقع على الطريق التي توصلنا إلى منطقة به روارى زيرى وكانت قريبة إلى مقرنا في بير موس.
- (بينارينكى وكاني باسكا وكابنيركى وخوربينيا وباك باكى وسوارى وسبيندارى وميزى وبانيا ته علا وجه مانى ) *مجموعة قرى تعود إلى منطقة به روارى زيرى وأيضا تقع على الطريق إلى مه رانى .
- (القرى البديلة )*عاشت الغالبية العظمى من سكان قرى مناطق به هدينان في مثل هذه القرى ، ولكنها كانت أصغر من القرى الأصلية وأقل كثافة سكانية لأن كل مجموعة عوائل كانت تبني لها مساكن في واد ما بالقرب من مزارع الفاكهة التابعة لهم ( ربما يقول محامو الدفاع عن الطاغية إذن كانوا في أصطياف ) على ( وزن إذن كانت رائحة الثوم التي كانت تشتريه من السوق وتستخدمه في البيت ) ، في الواقع لم يكن الأمر كذلك فكانت هذه القرى تعاني من نقص شديد في مستلزمات الحياة الضرورية ، وأقيمت لتجنب عمليات القصف المستمرة ويمكننا القول بأنها كانت متحركة ، فعند تعرض أحداها للقصف ينتقل أهلها إلى واد آخر لبناء قرية أخرى وكانت تحمي هذه البيوتات صخور كبيرة يجري السكن تحتها ، فعلى الإنسان أن يتصور كم كان حجم معانات الناس في ريف كوردستان أثناء حملة الأنفال القذرة هذه ...!!؟
- ( به رى كاره (* حوض جبل كارة ، وكم عظيما كان هذا الجبل وأهله ، استطاع في أحلك الظروف حماية الأنصار والبيشمه ركه ، وقدم سكان قرى هذا الحوض للثوار ما عجز عنه الآخرون عندما كان نظام صدام في أوج قوته ، كانت ضمن هذا الحوض القرى التالية ( ئيكماله – زيوكا شيخا – شيرانه – ردينيا - بهى - كووزى- به لووتى- زيوه – كارة – به ر كارة ) إضافة إلى قرى كانت تقع في وديان تشق هذا الحوض . وتشتهر هذه القرى بطيبة أهلها وكرمهم ومساندتهم للثوار . ولا ننسى أنها تنتج أفضل أنواع التبوغ وخصوصا قرية به لووتى .

يتبع

محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثالثة


محطات من أنفال به هدينان

ناظم ختاري
(المحطة الثالثة )
إذن قوام لجنة غير مكتمل من الأنصار البيشمه ركه تشكلت منذ أيام معدودات يتواجدون في مقر (بير موس) والمنطقة كلها لوحدهم يراقبون أو ينتظرون تطورات الوضع وما ستؤول إليه الأحداث وينتظرون كذلك قرارا يصدر من اللجنة القيادية لمحلية نينوى يقرر مصيرهم أما البقاء لخوض معركة غير متكافئة مع قوات النظام التي يكفي قوامها لخوض معركة مع جيوش دولة أخرى بكامل عدتها وعددها وبهذا تكون أخطأت التقدير أو الانسحاب إلى الخطوط الخلفية وعندها يتقرر مصيرهم مع مصير بقية القوات المتواجدة في (مه رانى) وهذا ما كنا ننتظره في ظل وضع معقد وصعب جدا من الناحية العسكرية والسياسية أصبح كل شئ فيه لصالح النظام . إن لم تفاجأ هم هذه القوات المتقدمة في استغلال الفرصة وتوجيه ضربة كيماوية مميتة تبيدهم عن بكرة أبيهم قبل الانسحاب أو الدخول في أية معركة .
ورغم ذلك انشغل الرفاق في حياتهم الأنصارية اليومية ولكنه بحذر شديد وأضيفت إليها مهام أخرى ، و لم تغادرهم الشجاعة والعزم فيما لو قررت اللجنة القيادية الدخول في المعركة والتصدي كما في باقي المعارك لقوات النظام رغم الإدراك التام وكما قلت من أن هذه المعركة ستكون نهاية هذه المجموعة من الأنصار فيما لو دخلتها .. فكنت تجد من ينظف بندقيته أو من يحصن موقعه للقتال أو من يقرأ لعبد الرحمن منيف روايته مدن الملح أو غيرها من الروايات والأشعار لكتاب معروفين استزاد الأنصار منهم حبا لوطنهم وشجاعة للدفاع عن قضيتهم أمثال لوركا و همنغواي وطاهر الوطار وماركيز وتشيخوف والعشرات غيرهم من عمالقة الأدب العالمي ، وانشغل بعضنا أيضا في إخفاء بعض الأشياء التي كان ينبغي إخفاءها وآخرون في البحث وتقصي الأخبار ومعرفة ما كان يدور في هذه القرى القريبة من المقر وتيقنا بشكل قطعي إنها أصبحت فارغة تماما وتوجه سكانها صوب الحدود التركية أو الإيرانية وتيقنا إننا فعلا وحدنا هنا لا نجد بشرا غيرنا إلا نادرا عندما يمر شخصا عبر هذه القرى متخلفا عن أهله وهو يسرع اللحاق بهم وآخر يبحث عن وجهة أخرى تنقذه من مصير مجهول ، وعادة ما كانوا مرتبكين مذعورين ويؤكدون أن حملة إبادة فعلية بدأت في كوردستان وينقلون لنا أخبارا غير مترابطة حول قتال دار في كذا منطقة أو المنطقة الفلانية تعرضت لضربة بالأسلحة الكيماوية وما إلى ذلك .
و كانت تتخلل جميع أوقاتنا الكثير من النقاش وحول مختلف المواضيع فوجد بعض الأنصار عدم وجود أية حاجة لمثل هذا الاستعدادات وعلق أحدهم قائلا ونحن نخبئ هذه الحاجيات سنعود بعد فترة قصيرة فلماذا هذا الإخفاء المحكم لهذه الأشياء التي سنحتاجها بعد أن تتقهقر هذه القوات وتعود إلى مواقعها ثانية ؟ وآخرون تنبؤا وعبروا بوضوح عن قناعتهم بعدم وجود أية أمكانية للعودة إلى بير موس ثانية وممارسة الحرب البارتيزانية والعمل الحزبي في عمق الأراضي العراقية بما فيها بغداد التي كان يتحرك إليها رفاقنا من بير موس لإعادة بناء منظمات الحزب المدمرة أثناء الحملة التي قامت بها اجهزة القمع التابعة للنظام في سنة 1978. فتحققت نبوءة الطرف الثاني عندما قتل الفاشيست كل أنواع الحياة في ريف كوردستان مما حال دون القدرة على خوض مثل هذا الأسلوب النضالي إلا في مناطق محدودة وبصعوبة بالغة جدا ، و في نفس الوقت تحقق حلم الرفيق بالعودة إلى هذا المكان بعد أيام من مغادرته له ولكنه (حلمه) كان هذه المرة محفوفا بمخاطر جمة أقلها خطورة هو خوض معركة خاسرة ومواجهة خطر الموت ، و كانت هذه العودة في هذه المرة لأجل التسلل و اختراق مواقع العدو و تحصيناته وإيجاد منافذ للعبور إلى سوريا ، فلم يتسنى له أو لغيره من الأنصار البحث عن الأشياء التي جرى إخفاءها بل حتى المكوث في هذا المكان لأكثر من نصف ساعة من الوقت وذلك للتزود بالماء أو عدة ثمرات من الطماطم والباذنجان والشجر أو غيرها من مزرعتهم التي حرثوها بآلات يدوية بدائية وزرعوها لكي تساهم في أغناء وجباتهم الغذائية وهم يؤدون مهامهم الحزبية والعسكرية . وذلك لأن وحدات الجيش العراقي التي انتشرت بكثافة في عموم المنطقة كثيرا ما كانت تتردد إلى هذا المقر لغرض تفجير كل ما له علاقة بالبيشمه ركه. وتدمر حاجياتهم كالأرزاق و الأفرشة إضافة إلى الأسلحة و الأعتدة في حالة العثور عليها في مخابئها .
خلال هذه الأيام وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة كان لنا رفاق آخرون يتواجدون في قرى وقصبات المنطقة كالشيخان وألقوش و(دوغات)* وبعشيقة وبحزانى وغيرها ، كان بعضهم مرتبطا بمواعيد العودة إلى المقر وكنا ننتظر عودتهم متمنين أن تكون مواعيد عودتهم متقدمة وأما الآخرون فلم تكن لديهم أية مواعيد للعودة وتوقعنا أن تدفع تطورات الأحداث بهم للمجيء والالتحاق بنا لأن بقاءهم في قرى وقصبات تخضع للمراقبة الشديدة من قبل أجهزة السلطة القمعية أمر محفوف بالمخاطر ويعرض الركائز الحزبية إلى الكشف وهذا يشكل كارثة كبيرة لأنه في مثل هذه الحالات لا تتوانى السلطة في استخدام أقسى وأبشع الوسائل ضدهم .
في صبيحة يوم الرابع والعشرين من آب أغسطس استلمنا برقية قصيرة من اللجنة المحلية تقول فيها ( تقرر انسحابكم فورا ) إذن كان هذا هو القرار الصحيح رغم تأخره بعض والشئ ولكنه أنقذنا من مصاعب و إرباكات جمة إن لم يكن سببا لخلاصنا من الموت المحقق ، وهكذا بدأنا نستعد للانسحاب رغم وجود رأي آخر هناك مفاده أن يتأجل الانسحاب إلى وقت مبكر من فجر اليوم التالي ولكن هذا الرأي لم يؤخذ به بسبب إدراك الغالبية أن الوقت أصبح متأخرا جدا وفي الوقت نفسه واجهتنا مشكلة أخرى في هذه المرة وهي موعد عودة أحد رفاقنا من ألقوش ففي حالة ترك المقر والانسحاب قبل وصوله سيصبح وضعه حرجا عندما لا يجدنا هناك . ومع هذا عملنا كل جهدنا من أجل أن نكون على أتم الاستعداد بعد الظهر من نفس اليوم لتنفيذ الانسحاب منتظرين على أمل أن يصل رفيقنا ومنشغلين ثانية بإخفاء ما لا نستطيع أخذه معنا بما فيه الأعتدة الزائدة وخصوصا كانت لدينا دابة واحدة نحمل على ظهرها كل ما نحتاجه .
هذه الصورة مأخوذة في قرية خورزان بعد أيام قليلة من تدميرها وتهجير سكانها
وكل شئ كان يسير بسرعة فمع استعدادنا للانسحاب أكمل الرفيق أبو فلاح استعداده للذهاب إلى الده شت والبقاء هناك وجرى الاتفاق بيننا على كلمة سر في حالة الاتصال به عند الحاجة وجرى تسمية الأماكن التي ينبغي أن يتواجد فيها وكذلك الأشخاص الوسطاء بيننا . وجرى الاتفاق أيضا على ضرورة الاتصال بالرفيق أبو ليلى الذي كان يتواجد في قرية (دوغات) كان برفقته الرفيق سامي وضرورة التنسيق معا في الحالات الطارئة وجرى تكليف الرفيق حميد لمرافقة أبو فلاح وعاش حميد بعدها قصة مثيرة استمرت لعدة أيام بعدما أضطر للتوجه إلى جبل (خورزان وكرسافا)* بعد أن تركه أبو فلاح مسلما نفسه للسلطة عبر وساطات من وجهاء المنطقة مقابل الحفاظ على حياته .
وضعنا خطة الانسحاب وأسرع عدد من الأنصار لإعداد وجبة غداء وكمية من الخبز تساعدنا في الطريق ، وتقرر ضمن الخطة أن ننقسم إلى مجموعتين تتحرك الأولى في تمام الساعة الثانية بعد الظهر وهي مجموعة صغيرة تتكون من 7 أو 8 أنصار كنت من بينهم وكان من مهام هذه المجموعة استطلاع الطريق والتأكد من سلامتها وكان على المجموعة الثانية و التي تتكون من مجموع الرفاق الباقيين وهم ملاك لجنة تلكيف الذين التحقوا بها قبل أن تكتمل بشكل نهائي ، أن تتحرك بعدها بعدة ساعات .
بينما كانت كل الاستعدادات تتم بشكل منتظم وصل رفيقنا القادم من ألقوش وبهذا فأن مشكلته لم تعد تواجهنا ، ودون أن يكون له موعدا وفي آخر ساعة وصل أحد رفاقنا العاملين في تنظيمات قضاء الشيخان إلى المقر منظما إلينا يحمل معه الكثير من الأنباء عن التحشدات العسكرية في الشيخان وأتروش .
- (دوغات)* قرية تابعة إداريا لناحية ألقوش - تلكيف سكانها أيزيديون ، انخرط العديد من أبناء القرية في صفوف الحزب الشيوعي منذ عقود طويلة ، والتحق العديد من أبناءها بصفوف الأنصار وقدمت العديد من الشهداء الأبطال وراحت العديد من عوائلها ضمن حملة الأنفال التي نتحدث عنها عبر هذه المحطات وسيجري الحديث عن كل ذلك بمزيد من التفاصيل . ومن الجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من جماهير هذه القرية لازالت تلتف حول منظمة الحزب الشيوعي الكوردستاني العاملة هناك .
- (خورزان وكرسافا)* قريتان تابعتان أيضا لناحية ألقوش يفصلهما واد صغير ، في عام 1987 جرى ترحيل سكانها بشكل قسري إلى مجمعات شيخكة ونسيرية وسويت القريتان إلى جانب قرى طفطيان وكابارا وملاجه برا مع الأرض . وذلك بسبب تعاون سكان هذه القرى مع الحركة المسلحة في كوردستان من الأنصار والبيشمه ركه ومساهمتهم فيها بكل مباشر وقدمت هذه القرى بدورها العديد من الشهداء بينهم عدة عوائل ضمن حملة الأنفال كنت على معرفة مباشرة بهم مع وجود علاقات عائلية وثيقة بيننا ، وقبلها تعرضت هذه القرى في العديد من المرات إلى التدمير والغارات المتكررة لقوات النظام البائد .

محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثانية


محطات من أنفال به هدينان

ناظم ختاري
(المحطة الثانية )
إذن كان علي أن أعود بسرعة والالتحاق برفاقي لأن الجميع تيقن وأنا كنت معهم في هذا اليقين من أن العمليات العسكرية الفعلية بدأت في مناطقنا وإنها تختلف هذه المرة عن سابقاتها التي كان يتقدم فيها الجيش والجحوش لغرض تحقيق أهداف محددة عبارة عن الاعتداء على بعض القرى أو المقرات أو ملاحقة مفارز البيشمه ركه ،أما هذه المرة فان الحرب التي أنهت عامها الثامن وضعت أوزارها وتوقفت بعد أن أشغلت العالم وأحرجت القوى السياسية العراقية عندما أرتبكت في رسم سياساتها وأهدافها ووضع شعاراتها إزاءها ، فعملت بعضها في مراحل معينة مباشرة مع القوات الإيرانية في عمق الأراضي العراقية وحددت الأخرى موقفا مناهضا للحرب كما كان الحال عندنا في الحزب الشيوعي الذي رفع شعار إنهاء الحرب وإسقاط الدكتاتورية ، وبالرغم من أن إنهاء الحرب أو استمرارها لا يتوقفان على شعار يرفعه الحزب ، كونها كانت أكبر من أن تكون حرب صدام ضد دولة جارة فأن الموقف منها كان ينبغي أن يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة النظام العدوانية والتي أوصلت الأوضاع في البلاد إلى ما هي عليها الآن وهي تتوغل في حرب طائفية غير معلومة النتائج ونيرانها أصبحت تتصاعد مشتعلة وهي تطحن بالعراقيين في طاحونتها و تحرق وتدمر ثروات البلاد بشكل جنوني ، فأن قاعدة الحزب وخصوصا الأنصار وأزعم إن منظمات الحزب في الداخل هي الأخرى ارتبكت ووجدت عدم دقة هذا الشعار كون وقوفها (الحرب) سيعطي للنظام الفرصة الكافية للقضاء على المعارضة بنفس تلك القوة القادمة من جبهات الحرب ، وفي نفس الوقت فأن استمرارها يعني استنزاف المزيد من الطاقات البشرية إلى جانب ثروات البلاد وبنيتها التحتية . ولذلك كانت تدور نقاشات حامية في الهيئات الحزبية المختلفة وفي الاجتماعات العامة ترفض فيها قاعدة الحزب وجماهيره الحجج التي كانت قيادة الحزب تتكأ عليها وتسوقها وهي ترفع هذا الشعار وتدافع عنه ، وهي أن فرص سقوط النظام ستزداد عندما تواجه هذه الأعداد الهائلة من الجنود المسرحين والقادمين من حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، إضافة إلى المأساة التي خلفتها هذه الحرب من تفاقم في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وعدم قدرة النظام على مواجهتها ومعالجتها، إلى جانب جملة من الأمور الأخرى من مخلفاتها ، كلها مجتمعة ستشكل عوامل ضغط لا يستطيع النظام مقاومتها وينهار بسبب أعباءها .
وكان هاجس القضاء على قوات الأنصار والبيشمه ركه يشغل بال الدكتاتورية بالرغم من انشغالها في هذه الحرب التي طحنت أرواح مئات الآلاف من الشبيبة العراقية ولذلك فأنها لم تكن تتوانى في استخدام كل ما لديها من إمكانيات ضد مناضلي الحرية في كوردستان ، ولأجل ذلك كانت تجند المزيد من وحدات الجحوش تحت اسم الأفواج الخفيفة أو أفواج الدفاع الوطني المتكونة عادة من العشائر الكوردية ( رؤساء الغالبية العظمى من العشائر الكوردية ساهموا أو شاركوا في هذه الوحدات وجندوا أفراد عشائرهم ضمن هذه التشكيلات ) علاوة على إشراك قوات الأمن العراقية ووحدات من أعضاء حزب البعث في ما يسمى بالجيش الشعبي في المعارك ضد هذه القوات.. وكان من المستحيل اقتلاع هذه القوات من أرض كوردستان ما لم تستطع السلطة الدكتاتورية القضاء على المصدر الأول والأهم لإدامتها ورفدها بالدماء الجديدة ولذلك قررت القضاء على جماهير المنطقة واقتلاعها من قراها ، وثمة حاجة إلى القول أن السلطة أدركت إنها لا تستطيع تحقيق هذا الهدف دون أن تستخدم سلاحا جديدا وفتاكا ألا وهو السلاح الكيماوي الذي لا يستطيع جسد الإنسان مقاومته حتى لو استطاعت إرادته ذلك ، لأن هذه الإرادة الفولاذية الحقة وقفت قبل ذلك عائقا أمام مخططات السلطة وأسلحتها التقليدية في القضاء على الحركة المسلحة في كوردستان .
هكذا عدت إلى مقر بير موس مرة أخرى وبرفقة رفيق آخر كان قادما من الداخل من أحدى أقضية نينوى أضطر هو الآخر للتوجه إلى المقرات لنقل تصوراته إلى قيادة اللجنة المحلية ، وإن لم أخطأ التقدير كان ذلك في 19- 8- 1988 وسرعان ما أبلغنا الرفاق بتصوراتنا عن تطورات الوضع والتحرك العسكري المكثف والغير اعتيادي بالنسبة إلى قوات النظام من الجيش والجحوش بكامل معداتها قادمة من حرب يائسة لم تحقق فيها شيئا غير جر وطننا إلى المزيد من الخراب وشعبنا إلى المزيد من الويلات ، طليعتها كانت في زاخو تنتشر وتتوجه صوب أهدافها ونهايتها تتمول بالمزيد من الوحدات عند الأطراف الشمالية من مدينة الموصل حسب شهود عيان تحدثوا لنا في تلك الفترة . بقيت مع أنصار لجنة تلكيف في بير موس فيما واصل الرفيق الآخر مشواره نحو (مه رانى ) و كان لابد لنا أن نبلغ قيادة اللجنة في (مه رانى) بتفاصيل ما يدور وما تقوم به السلطة من تحشيد لقواتها لتحقيق هذه الأهداف التي أشرنا إليها في سياق الحديث .
وكان من بين مقترحاتنا التي أرسلناها في برقيات لاسلكية متتالية ضرورة الإسراع بإنقاذ عوائل الأنصار المتواجدة هناك في المقر ومحيطه وإرسالها صوب الحدود ، وفي نفس اليوم تلقينا برقية جوابية تؤكد أن القيادة أصبحت تشكل مجاميع من هذه العوائل وترسلها عن طريق ( آشه وه)* باتجاه الحدود التركية ، ولكن تبين فيما بعد أن الوقت كان متأخرا وعادت هذه المجاميع ثانية إلى (مه رانى) عندما وجدت إن كل الطرق مغلقة بوجهها تماما بوحدات الجيش والجحوش العراقيين .
صرنا نتباحث في ما يحصل كثيرا ولم يخطر في بال بعضنا أن ننسحب إلى الوراء أبدا وفي الواقع كنت أنا من بين الذين يدركون بوضوح بأننا سنضطر إلى الانسحاب باتجاه الحدود مع تركيا أو إيران ولكننا لم نتوقع أن ننسحب على الأقل في الأيام الأولى دون أن نتصدى فيها للقوات المتقدمة أو إشغالها لكي لا نضطر إلى إنسحاب تحت ضغط الهلع والخوف وتوفير الفرص اللازمة لقواتنا الأخرى على الانسحاب بسلام وهم بدورهم يعملون على تغطية انسحابنا أيضا في المناطق الحدودية ..وهكذا كان أنصارنا التقوا لعدة مرات بمفارز الحزب الديمقراطي الكوردستاني المتواجدة في المنطقة و مفارز المقاومة الشعبية (به ركرى ملى )* ووضعوا خططا حسبما عرفت منهم ، مفادها كيفية مقاومة القوات المتقدمة وتشخيص مواقع المعارك المحتملة و المفارز التي تتصدى للقوة التي تتقدم من كل جهة ، والأمر كان إلى هنا يعد جيدا وهو أن تتوحد جميع المفارز للتصدي لهذا الهجوم الشرس ، ولكن الأمر الذي عكر صفوة كل هذه الخطط هو الاختفاء التدريجي لمفارز حدك والمقاومة الشعبية التي صرنا نسأل عنها و لا نجد إلا القليل من أفرادها يتوزعون بين هذه القرى لا يعرفون الكثير عن ما يدور غير القلق والحيرة حتى صرنا لا نجد أحدا قبل يومين من انسحابنا .

محطات من أنفال به هدينان - المحطة الأولى


محطات من أنفال به هدينان
(المحطة الأولى)
ناظم ختاري
بعد أن قررت قيادة حزبنا الشيوعي العراقي دمج التنظيم المحلي مع وحدات قوات الأنصار في منتصف عام 1988 قبل إيقاف الحرب العراقية – الإيرانية التي كان الحزب يدعو إلى إنهائها .. وبعدما كانت منظمات الحزب المدنية ( الكوادر العاملة في هذه المنظمات ) تعمل منفصلة عن الوحدات العسكرية كان بينها تنسيقا لم يكن يرتقي إلى مستوى المهام الملقاة على عاتق الجانبين ، تشكلت بعد ذلك مباشرة مفاصل عمل أخرى وهنا أنا أتحدث عن المنطقة التي كنا نعمل فيها وكانت مقراتنا تتركز في (كه لي مه رانى)* كان يعمل فيها الفوج الأول لأنصار الحزب والذي كان يعمل عسكريا في حدود المناطق المحيطة من جهة الشمال الشرقي بمدينة دهوك وثم مناطق (د ه شت الموصل)* وبالتحديد شيخان و تلكيف ومناطق أتروش وعقرة ولم تكن مفارزها تتلكأ في الوصول إلى أية منطقة أخرى عندما كانت الحاجة تتطلب ذلك .و من الجدير بالذكر أن مفارز هذا الفوج حققت العديد من الانتصارات في عملياتها العسكرية استطاعت من خلالها توجيه ضربات موجعة في مناطق مختلفة من التي جاء ذكرها أعلاه لقوات العدو وأجهزته القمعية وكانت تحظى هذه المفارز بتقدير جماهير المنطقة واحترامها ، وقدمت في هذا السبيل تضحيات غالية عندما فقدت في معاركها العديد من الأنصار الأعزاء والأبطال ، وفي الواقع كان هذا هو الثمن الذي يقبل به كل نصير بطل عمل في أية وحدة عسكرية تابعة للحركة الأنصارية للحزب الشيوعي العراقي .وكذلك كانت هناك لجنة محلية نينوى وهي هيئة حزبية كانت تقود العمل الحزبي التنظيمي والسري على مستوى المحافظة بالإضافة إلى مهام أخرى كانت تتكلف بها من قبل قيادة الحزب وطبقا لهذا القرار والذي كان يعتبر مطلبا ملحا للغالبية العظمى من الرفاق الأنصار تشكلت هيئة قيادية موحدة تقود العمل في الجانبين كان يعمل فيها رفاق يمتلكون خبرات تنظيمية وآخرين أصبحوا قادة عسكريين مجربين في معارك هامة مع قوات النظام . وسميت هذه الهيئة من جديد بلجنة محلية نينوى أنيطت مسؤوليتها الأولى( بأبو سالار) لبيد عباوي الذي كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب وأنيطت مسؤوليتها العسكرية بالرفيق توفيق ( خيري درمان ) وتوزعت المسؤوليات الأخرى على رفاق آخرين كانوا ضمن هذه اللجنة ربما يقودنا الحديث لاحقا الإشارة إلى أسماءهم أو أدوارهم وخصوصا إننا عملنا معا فيما بعد واضعين الخطط حول كيفية التخلص من حصار قوات الجيش والجحوش مع العديد من الرفاق ، وقد أمتنع عن ذكر بعض الأسماء تحسبا لهذه الظروف الغير طبيعية في عموم العراق .والجدير بالذكر ارتبطت بهذه اللجنة لجان موحدة تقود العمل العسكري والتنظيمي على مستوى الأقضية لم يكتمل نصاب أية لجنة منها غير لجنة تلكيف التي أتمت ترتيباتها قبل الآخرين ، وعلى أثر هذه التغيرات التي أخذت وقتا ليس بقصير وجهدا كبيرا كلفت للعمل في لجنة تلكيف التي أصبحت تعمل انطلاقا من مقر (بير موس) وهو من المقرات القديمة يعود تاريخ العمل فيه إلى فترة الستينيات عندما كان رفاق الحزب يشاركون الشعب الكوردي انتفاضاته المسلحة فارتبط اسم هذه القرية ببطولات الشيوعيين ومآثرهم وكان ينطلق منها الشيوعيون نحو القرى والمدن لبناء خلايا حزبية فيها . وأستطاع الأنصار قبل عملية الدمج أعادة تأهيله لممارسة العمل البارتيزاني وها صرنا ننطلق منه لمواصلة بناء وتقوية منظمات الحزب في مناطق (الده شت) بعد عملية الدمج .وثمة حاجة إلى القول بأن هذه منظمات (الده شت) كانت بحق من المنظمات الحزبية النشيطة وخلال مسيرتها استطاعت تحقيق الكثير ولم تكن تدخر جهدا في المبادرة لتنفيذ مهامها إلى جانب تلك التي كانت تكلف بها من قبل الهيئات الأعلى وكانت خدماتها بالنسبة إلى الحزب عظيمة وتشكل عصبا مهما فيه .كلفت ضمن هذه اللجنة بقيادة العمل التنظيمي في حدود القضاء مع رفاق آخرين وكانت اللجنة بقيادة الرفيق أبو ظاهر وكان بين رفاق هذه اللجنة أيضا الرفيق أبو أمل الذي كلف بمسؤولية اللجنة في الجانب العسكري وكان ضمن هذه اللجنة رفاق آخرين مكلفين بمهام أخرى يتطلبها عملنا الأنصاري والتنظيمي . وهكذا بدأنا بترتيب أمورنا ووضع خططنا العملية للتحرك وفقها في المستقبل وربما كان هناك بعض الخلل يرافق عملنا لأن تجربة العمل المشترك كانت جديدة وفي بداياتها وكانت تحتاج إلى وقت أطول لإيجاد أفضل السبل للعمل والتناغم معها ، بالرغم من أن الغالبية من الرفاق والأنصار كانت تجيد الكثير في مجال العمل العسكري والتنظيمي ومناورة العدو ، ومن هنا أصبحت الأمور تسير و تترتب بشكل معين .ورغم أن وتيرة الضربات الموجعة والموجهة ضد مختلف مناطق كوردستان وقوات الأنصار والبيشمه ركه من قبل قوات الجيش العراقي التي بدأت تنسحب من جبهات الحرب مع إيران كانت تتصاعد بشكل جنوني بات فيها استخدام الأسلحة الكيماوية أمرا معروفا ، صار(صارت) كل واحد أو مجموعة منا يتوجه (تتوجه) إلى عمله (عملها ) بعد الاجتماع الأول للجنتنا وكان هذا في منتصف شهر آب أغسطس . حينما توجهت إلى حيث عملي في عمق ريف تلكيف وذلك لمتابعة العمل الحزبي وترتيبه في هذه القرى والذي كان يمتاز بدرجة عالية من الانضباط والمتانة والذي عصى على أجهزة أمن النظام لاختراقه . وبالنسبة لي لم أكن أحتاج إلى إجراءات تنظيمية أستلم بواسطتها التنظيم مجددا فرغم انقطاعي عن المنطقة لفترة معينة التقيت بسهولة برفاق المنظمة ( لجان مصغرة وخلايا وعلاقات فردية أو خيطية ) ، ولكن الأمر في كل اللقاءات التي أجريتها كان مختلفا هذه المرة فكان هناك خشية شديدة من تحركات السلطة وما ستؤول إليه هذه التحركات ، وجدت جميع الرفاق في هذه الخلايا يشتركون في حدس واحد هو أن السلطة الدكتاتورية عازمة هذه المرة على إنهاء وجود حركة الأنصار والبيشمه ركه ومن خلال القضاء على الحياة في ريف كوردستان ولذلك كانوا يعيشون قلقا كبيرا على مستقبلهم ومصيرنا ويتوقعون تصاعدا خطيرا من قبل أجهزة النظام القمعية لملاحقة تنظيمات الحزب وجماهيره في مختلف المناطق بموازاة بدء حملة تطهير كوردستان من الأنصار والبيشمه ركه ، وتصاعدت مطالبة هؤلاء الرفاق بتصميم ودراية تامة على ضرورة الانسحاب إلى خلف الحدود وإنقاذ حياة البيشمه ركه وعوائلهم وحياة جماهير المنطقة التي ستتعرض إلى الهلاك والدمار .ومن الواضح أن إجلاء سكان ريف كوردستان من أرض آباءههم و أجدادهم إلى أرض دولة أخرى ووسط هذه الحشود العسكرية التي عملت على قطع كل الطرق المؤدية إلى داخل الأراضي التركية قضية في غاية التعقيد وبقاءهم متشبثين بأرضهم يعد هو الآخر شبه انتحار جماعي، وخصوصا بعدما تأخر الوقت ولم يعد لصالحنا في مناطق كثيرة كما كان الحال عندنا في بهدينان ..!! ويمكنني الحديث عن هذه المسألة في المحطات التالية بشئ من التفصيل لأن هذا الأمر كان على صلة وثيقة بقرارات وإجراءات غير متأنية اتخذت في خضم الحدث . مكثت هناك في هذه القرى أياما قلقة مرت سريعا و أجبرتني تصاعد ورود أخبار سيئة من جميع المصادر حول الأعداد الهائلة من قوافل الجيش العراقي التي كانت تتوجه إلى كوردستان بكافة أسلحتها قادمة من جبهات القتال مباشرة لتنفيذ هذه الجريمة التي أصبح يدرك خطورتها البالغة كل المواطنين . زرت خلال هذه الأيام أهلي وكانوا يشاركون كل الذين التقيتهم الإحساس بخطورة الوضع وأبدوا قلقا بالغا لمصيرنا المجهول وخصوصا كانت تربطهم علاقات وثيقة بأعداد كبيرة من العوائل الموجودة في الحصار وأبناءهم الأنصار قبل التحاقهم بصفوف البيشمه ركه ، ودعتهم وهم يقولون وكيف سيكون الأمر بالنسبة لك ..؟ فقلت لهم ما كانوا مقتنعين به تماما وهو أما سأتحرر من قبضة عساكر النظام وعندها ستكون وجهتي الخارج ، وأما سأقع في فخ لهم وعندها تكون النتائج معروفة . وهذا ما أحزنهم أشد حزن .- (كه لي مه رانى)* كه لى ( وادي) .. مه رانى قرية تقع ضمن هذا الوادي تركها أهلها قبل سنوات طويلة من تأسيس مقرنا فيها ، سأحاول ضمن هذه المحطات الحديث عن بدايات تأسيس مقرنا في هذه القرية . - (د ه شت الموصل)* سهل الموصل وأستخدمت كلمة الده شت في التعامل اليومي والمخاطبة بشكل طبيعي إلى جانب العديد من الكلمات الكوردية من قبل رفاقنا العرب وكذلك في الكتابة سواء من قبل الكتاب الأنصار أوالمجالات الأخرى.

قضايا ملحة تواجه المجتمع الأيزيدي 3-3


قضايا ملحة تواجه
المجتمع الإيزيدي 3 ـ 3
ناظم ختاري


ثالثا – المطلوب تنمية مناطق الإيزيدية على مختلف الأصعدة .

لا يخفي على أحد ، إن السياسة الشوفينية التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ نشأت الدولة العراقية ، ادت إلى المزيد من حرمان مناطقنا من الاستفادة من ثروات العراق الهائلة ، وخصوصا في الفترات التي انتعش فيها الاقتصاد العراقي بعد قرار تأميم الثروة النفطية في العراق بداية السبعينيات من القرن الماضي والتي تحولت بالنسبة إلى مجموع الشعوب العراقية إلى نقمة ، فكان نصيب أبناء مناطقنا المزيد من البؤس و الفقر والجوع والحرمان، وأنعدام الخدمات كالماء والكهرباء والمجاري وخدمة الهاتف والخدمات الصحية والطرق ، والعيش في قرى نائية لا تربطها بالمدينة طرق المواصلات الصالحة .

علاوة على عدم وجود خطط تستهدف تنمية هذه المناطق بعكس غيرها العائدة للعرب وبشكل خاص العشائر التي كانت تنتمي إليها أسرة صدام وجلاوزته الذين شاركوه في حكمه المقيت ومارسوا إلى جانبه المزيد من التخريب بحق اقتصاد البلد وسرقة المزيد من أمواله لحساب عوائلهم وملذاتهم الشخصية وبناء أعتى وأشرس أجهزة أمنية لقهر جماهير الشعب وقواها الساسية وعسكرة قواعد حزب البعث الذي لعب أقذر دور في التاريخ السياسي للدولة العراقية علاوة على بناء جيش عرمرم أستخدمه من أجل تحقيق نزواته المريضة، ودفع المزيد من هذه الثروات إلى خارج العراق لتغذية رغباته القومية المتعصبة والمتوحشة وتشكيل أكبر جيش من المرتزقة من أبناء العروبة في محيط العراق وفي كل المستويات من الحكام وإلى أقذر إرهابي، والذين نبتلي بهم اليوم ،

كل هذا أدى إلى تدمير بنية البلد التحتية والذي تواصل من خلال الحروب التي خاضها، الداخلية منها والخارجية .

ومما يجدر الإشارة إليه ، فإن المناطق التي يسكنها أبناء الديانة الإيزيدية عانت أكثر من غيرها في كل العراق جراء هذه السياسات ، لأنها بشكل طبيعي كانت تفتقد إلى الكثير من شروط الحياة اللائقة مثل شحة المياه في أغلب الأحوال وتعرضها إلى الجفاف لأنها في الغالب تقع خارج الخط المطري العاشر علاوة على إن سكان هذه المناطق يعتمدون على الزراعة في شقيه النباتي والحيواني،

وبسبب العلاقات الإجتماعية الاقطاعية والتي كانت سائدة منذ الفترات التاريخية الطويلة ، كان هنالك أعداد كبيرة من أسر هذه المناطق محرومة من أية ملكية وقد كانت تعيش أوضاعا مزرية ، فلولا التحولات الإقتصادية والاجتماعية في عقد السبعينيات واحتواء المجالات الخدمية لأعداد كبيرة من شبيبة هذه الأسر لكان كاهل المجتمع الإيزيدي أثقل بكثير من الآن .

وعلى الرغم من كل هذا لم تقدم كل السلطات العراقية المتعاقبة على الحكم لتغيير هذا الواقع الاقتصادي المرير في هذه المناطق، فكل ما كانت تحصل عليها من خدمات لم تكن تتعدى إلا القليل وفي كل الأحوال لم تكن ترتقي إلى ربع المستوى التي كانت تصل إلى المناطق الأخرى وفي غالبيتها لم تكن تشمل الجانب التنموي لهذه المناطق ، وهنا لابد من الإشارة بأن ما جرى تقديمه من خدمات إلى هذه المناطق في العهد السابق ، إنها اليوم تحتاج إلى الإدامة أو إلى إستحداثها ثانية لأنها لم تعد تصلح كثير ا ، وأسوق بعض الأمثلة السريعة بهذا الخصوص ، فشبكات المياه التي جرى توزيعها في داخل بعض قرى هذه المناطق وإيصالها إلى البيوت ، كانت عبارة عن خراطيم اعتيادية، تحمل كلفتها أهاليها وكانت ضعيفة المقاومة وكان ينبغي تبديلها بين فترة وأخرى ، وهذه العملية بحد ذاتها كانت تشكل عبئا ماليا على عوائل هذه المناطق ، علاوة على شكل التوزيع المتردي جدا من الناحية الهندسية ، ففي أغلب الأحوال لم تكن هذه العوائل تستطيع الحصول على حصتها من المياه القادمة عبر هذه الخراطيم ولهذا كانت تضطر إلى شراء المياه الصالحة للشرب باستمرار،

وما يجدر ملاحظته فإن هذه الشبكات لازالت على عهدها القديم ، وهكذا بالنسبة إلى المدارس التي جرى تشييدها حيث أصبح كل شيئ فيها قديما لايصلح للوضع الحالي علاوة على عدم احتواءها للكثير من المرافق التي يتطلبها التعليم الحالي في المدارس .

ولاشك ان وضع شبكات الكهرباء في هذه المناطق يرثى لها فبالإضافة إلى عدم وجود الكهرباء إلا لساعات قليلة فإن شبكاتها تعاني المزيد من الخراب وكثيرا ما تشكل مخاطر جدية على حياة العوائل بسبب الفوضى التي تعانيها في عملية الربط وإيصالها إلى البيوت وعدم وجود أي من عوامل الصيانة .

أما خارج هذه الخدمات فلم يصل إلى هذه المناطق أي شيئ آخر، وربما لم يسمع الكثير من المواطنين بمئات الخدمات الضرورية التي يحتاجها الإنسان ويستخدمها في الوقت الحاضر، وهنا أنا لا أنتقص من أهلنا ، بل اود أن أبين للقارئ الغير إيزيدي مدى الغبن الذي يعانيه المواطن الإيزيدي . فحتى طرق المواصلات المبلطة تنعدم في الغالبية العظمى من قرى هذه المنطقة، وما موجود منها أصبح بمرور الزمن غير صالح للاستخدام الأمثل . بشكل عام الخدمات التي قدمت للمنطقة سابقا تدهورت الآن كثير اوهي تحتاج إلى إعادتها من جديد.

و كل هذا قائم بالرغم من مرور أكثر من 13 سنة على رحيل إدارات وعسكر النظام المقبور من كوردستان ومرور سنتين على سقوطه نهائيا . وما يجري تقديمه من خدمات إلى هذه المناطق يتعثر أما بعدم حسم الوضع الإداري لهذه المناطق بين أن تبقى تابعة لإدارة الدولة المركزية أو يجري ربطها بإدارة أقليم كوردستان أو بعدم وجود إدارة موحدة في الأقليم وعلى أي من الحكومتين الكورديتين أن تقدم الخدمات لهذه المناطق . في كلا الحالتين أعتبر هذا الإهمال هو متعمد وفي نفس الوقت تنصل من المسؤولية أزاء هولاء الناس الذين يعانون مرارات نقص الخدمات ومصاعب الحياة ورداءة العيش والتهديدات الإرهابية بالقتل إن خرجوا من مناطقهم بحثا عن العمل ،

فالبطالة تشمل أعداد كبيرة منهم والمنطقة تفتقد إلى أية مشاريع تنموية، والخدمات القليلة التي تقدم لهم فهي ليست أساسية وفي نفس الوقت ليست مبرمجة وفق خطة مدروسة من قبل إحدى الحكومات الثلاث، وإنما تقدم على أساس التنافس بين الحزبين الكورديين من أجل كسب النفوذ ليس إلا ، والأمثلة بهذا الخصوص كثيرة لست بصددها الآن ، أما الحكومة المركزية فليس لها شأن ولاعلاقة بمناطقنا .

إن منطقتنا أيها السيدات والسادة تحتاج إلى البناء من أولها وإلى آخرها، فدعوا التنافس في مكان أومجال آخر، وإن وضعنا لا يتحمل ذلك لاننا بحاجة إلى أن نشبع وأن نعمل وأن نرجع قرانا المغتصبة وأن نبني و ننمي مناطقنا ونترفه بخيرات بلادنا فمن ينجز لنا كل هذا سيحصل دون أدنى شك على أصواتنا ، وأرى الأعتماد على الجوانب التالية باعتبارها برنامجا كفيلا لتنمية هذه المناطق على أن تتبناه الدولة وليس الأحزاب ، وأحصرها في النقاط التالية .

1- ضرورة القضاء على حالة العوزالمادي والفقرالإجتماعي الذين يعانيهما أبناء هذه المناطق وذلك من خلال تبني برنامج شامل لتعويض جميع العوائل من كل جوانب الحرمان التي فرضتها الحكومات السابقة ، علاوة على ضرورة تبني برنامجا للرعاية الإجتماعية الذي يوفر حدا معقولا من مستوى معيشي لائق للمواطنين باعتبار ذلك حقا من حقوق الغير قادرين على العمل وتعويضا دائما للعاطلين عن العمل و الذين لايجدون فرص العمل في مؤسسات ومرافق الدولة وعوائلهم، أو الذين لاتوفر الحكومة فرص العمل لهم .

والمادة الخامسة عشرة من قانون الدولة للمرحلة الانتقالية تؤكد على (للفرد الحق بالأمن والتعليم والعناية الصحية والضمان الإجتماعي ، وعلى الدولة العراقية ووحداتها الحكومية وبضمنها الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية ، بحدود مواردها ومع الأخد بالاعتبار الحاجات الحيوية الأخرى أن تسعى لتوفير الرفاه وفرص العمل للشعب .) هنا أعتقد إن أهم حاجة هي ما تذهب لخدمة الإنسان باعتباره أثمن رأسمال.

2- القضاء على البطالة المستشرية بين كافة أبناء هذه الديانة ، وذلك من خلال إقامة.

- مشاريع زراعية- اروائية ، وفي هذا المجال هنالك أكبر مشاريع للرئ يمكن تنفيذها وهي المشاريع المرتبطة بسد أسكي موصل والتي من شأنها أن تحدث ثورة من الإزدهار على مستوى مناطقنا فإلى جانب تحقيقها لمجالات تنموية مهمة على مستوى العراق ومناطقنا ، فإنها توفر المزيد من فرص العمل لأبناء هذه المنطقة وغيرها من المناطق.

- تشغيل الأيدي العاملة من أبناء هذه المناطق في معمل أسمنت سنجار والذي يعد ثاني أكبر معمل في مجال اختصاصه على مستوى الشرق الأوسط .

- المناطق التي يسكنها الإيزيدية تتحمل إقامة المزيد من المشاريع مثل إنشاء مقالع للحجر، فقرية كندالا التابعة لقضاء سنجار تتميز بأجود أنواع الحجرالمستخدم للبناء إلى جانب وجود مناطق أخرى مثل الجبال المطلة على القرى الممتدة بين الشيخان وألقوش وكذلك منطقة جبل مقلوب،ومناطق سكنى القائيدية التابعة إلى دهوك ويمكن أن تلعب هذه المناطق دورا تجاريا مهما بإقامة مشاريع ومناطق تجارية ناجحة بحكم موقعها المتميز ، وتنجح في هذه المناطق الكثير من المشاريع الصناعية الزراعية. ولاشك أن تحقيق كل هذا سيدفع المواطن بالتمسك والبقاء في هذه مناطق آباءه وأجداده دون الإضطرار للبحث عن العمل في مناطق أخرى والهجرة إلى بلاد الغربة وهو يتعرض خلالها إلى ظروف غير طبيعية في شتى المجالات .

3- وهذه المناطق تحتاج إلى تنفيذ المزيد من مؤسسات تعليمية و تربوية وتثقيفية على الأسس الحديثة التي تواكب التطور الحاصل في مجالات التربية والتعليم والتثقيف ، ابتداءا من بناء رياض الأطفال وانتهاءا بمعاهد تختص بجميع الجوانب ، علاوة على مراكز للشبيبة تنمي قدراتهم ومواهبهم وما إلى ذلك ، و تحقيق مثل هذا الأمور سيكون سبيلا لتربية إنسان سليم وإزالة آثار الماضي المثقلة بالتشوهات من هذه العملية .
4 - تحتاج هذه المناطق إلى البناء وإعادة الإعمار على مختلف الأصعدة ، فالعائلة فيها تحتاج إلى سكن يليق بالإنسان فالغالبية العظمى من الناس تعيش في أما بيوت من الطين تفتقر إلى أبسط مستلزات الحماية من الكوارث أو في بيوت تفتقر لكل شروط الحياة المتحضرة ، وثم تحتاج هذه المناطق إلى المياه الصالحة والغير الصالحة للشرب ، وتحتاج إلى شبكة كهرباء تضئ ظلمتها وتقيها من مخاطر رداءتها ، تحتاج إلى التعرف على كيفية التحدث عبر الهاتف المنزلي، وتحتاج إلى شوارع تقلل من إستهلاك السيارات وتعطلاتها وتسهل وصولهم إلى المناطق المحيطة بهم، وتحتاج إلى العلاج القريب من المواطنين من مراكزصحية ومستشفيات وتوفير الكادر الطبي وغير ذلك من مستلزمات العلاج .
5 – دور العبادة الإيزيدية تحتاج إلى الترميم والخدمات واعتبارها مناطق أثرية وتشجيع السياحة إليها وتوفير الحماية لها من قبل الدولة .

قضايا ملحة تواجه المجتمع الأيزيدي 2-3


قضايا ملحة
تواجه المجتمع الإيزيدي
ناظم ختاري 2 - 3

ثانيا - الحزب السياسي الإيزيدي و المشاركة الفعالة في الإنتخابات القادمة .

بكل تأكيد إن كل الإيزيديين يعملون كل ما في وسعهم للمشاركة الفاعلة في الإنتخابات القادمة ، ولكنه و بكل تأكيد أيضا ، يختلفون حول كيفية المشاركة وكيفية تسمية مرشحيهم لهذه الإنتخابات .

فمن المعروف إن أوساط واسعة من أبناء هذه الديانة عملوا و يعملون الآن ضمن ثلاثة أحزاب بالدرجة الأساسية، الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي والأخير لم يحظى بالسلطة وبالتالي فإن أعضاءه من أبناء الديانة الإيزيدية لم يحصلوا على مراكز أو مناصب إدارية أو سلطوية لكي يتسنى للمواطن الإيزيدي تقييم هؤلاء الناس وطبيعة سلطتهم وعلاقتها بمصالح الجماهير الإيزيدية التي تتعرض إلى المزيد من الاهمال علاوة على إن حقوق هؤلاء انفسهم تتعرض إلى الضياع بالرغم من التضحيات الجسيمة التي قدموها في ساحات النضال من أجل الحرية وضد دكتاتورية العهد البائد،

وأرتباطا بهذا وإلى جانب الضغوط العديدية التي تعرضت لها قاعدة الحزب الجماهيرية والتضييق المادي والمعيشي والأمني والملاحقات المستمرة التي تعرض لها أعضاءها من قبل النظام البائد والمستمرة في ظل الظروف الحاليةالجديدة إلى جانب أسباب أخرى داخلية لسنا بصددها الآن إنكمش دور منظمات الحزب الشيوعي وقل تأثيرها في المناحي المختلفة لحياة جماهير المنطقة ،الأمر الذي مهد أكثر للحزبين الكورديين الهيمنة المطلقة من حيث ممارسة السلطة على مناطقنا ، فهنالك من في هذين الحزبين من السياسيين الإيزيديين يتبوأون مراكزا قيادية وبالذات في الجانب الإداري على مستوى كوردستان وعلى مستوى العراق كله، فهم يمتلكون ثلاثة مقاعد في الجمعية الوطنية العراقية وثلاثة أخرى في البرلمان الكوردستاني إلى جانب ثلاثة مقاعد وزارية متوزعة بين الحكومة المركزية وحكومتي الأقليم المنتهية ولايتها معا ،

ولم يظهر لحد الآن أي ترشيح للإيزيديين للحكومة المركزية المقبلة ولا للحكومة الكوردستانية المقبلة أيضا . إضافة إلى هذا توجد هيئتين إستشاريتين من هؤلاء تابعتين للحزبين ، اللتين يدور حولهما الكثير من الشكوك و الحديث بسبب عدم نزاهة الاثنتين والأدوار الفاسدة التي يلعبها أعضاءها ، وإلى جانب كل هذا فالواقع يطرح عدة أسئلة بهذا الشأن ، هل هؤلاء يمثلون أبناء جلدتهم في هذه المؤسسات الحزبية والإدارية.؟ هل هؤلاء يعترفون ولو بقليل من الخصوصية لأبناء هذه الديانة؟ هل هؤلاء يحملون صلاحيات معينة في مواقع مسؤولياتهم ؟ في الواقع عند الإجابة على هذه الأسئلة سيلاحظ المرء ما لايتمناه للأسف الشديد، فكل الدلائل تشير إلى عكس ذلك ،

وهنا لابد لي أن أشير بالتقدير لبعض الاخوة الذين ناضلوا طويلا في سبيل الحرية أبان عهد الدكتاتورية في صفوف هذه الأحزاب ، فمن حقهم أن يكونوا في أي مواقع تختارها لهم أحزابهم بصفتهم مناضلين في صفوفها ، ولكنه ليس من العدل والأنصاف أن يفرض هؤلاء على أبناء جلدتهم ما تمليه عليهم أحزابهم من مواقف و سياسات تتناقض مع خصوصية المجتمع الإيزيدي وفي الغالب عبر ممارسة سياسة الترهيب والترغيب وبالتالي أن يكون هؤلاء ممثليه في مؤسسات الدولة، لأنه في الواقع هؤلاء يرفضون أية خصوصية لأبناء هذه الديانة خارج ما تتصورها هذه الأحزاب وخارج إطار الكوردايتي وخارج كفاح وشخصيات هؤلاء المسؤولين ، في وقت نعمل فيه جميعا من أجل ترسيخ التعددية وغيرها من المفاهيم التي تؤسس لمجتمع ديمقراطي حقيقي .

وعلى أساس ما جرى الإشارة إليه فإن هؤلاء لايملكون أية صلاحيات تحقق لأبناء جلدتهم أية مكاسب حقيقية غير بعض ما يعتبر مكارم القادة و المناضلين وكأنه كنا خارج هذا الكوكب وحللنا عليه ضيوفا فأكرموننا، متناسين إن كل العراقيين يستحقون حكومة يعمل فيها من هو قادر على تقديم المزيد من الخدمات وليس إلى حكام يقدمون من أموال الشعب ومقدرات الوطن مكارما تسمى بأسماءهم من أجل مصالح حزبية ضيقة ، فثروات بلادنا كبيرة إذا ما أحسن التعامل معها بروح من المسؤوليةالوطنية ستجعل المواطن العراقي أسعد إنسان من على وجه هذه الأرض، هذا إلى جانب سلب الكثير من الحقوق المدنية والضغط النفسي وأخيرا سياسة الاستيطان التي كثر الحديث عنها في الفترة الأخيرة في الشيخان وفي باعذرة ودوشفان المغتصبة .

فمن هنا يتأكد لنا ان هذا الوسط لايدخل الإنتخابات خارج حدود اللعبة الممارسة في الإنتخابات السابقة . ولكنها أي هذه الإنتخابات وما رافقتها من سلبيات خطيرة على الأقل بما يتعلق بالإيزيدية من الحرمان في المشاركة وإلى الممثلين في المجلسين أي الجمعية الوطنية العراقية والمجلس الوطني الكوردستاني والوزارات علاوة على عددهم ، كل هذا لايتناسب مع مستحقات المرحلة ومكانة المجتمع الإيزيدي وضرورة إنصافه وتعويضه ودور أبناءه في مكافحة الدكتاتورية وفي سبيل الحرية ، دفعت أوساط واسعة من أبناء هذه الديانة بعد الاحباط إلى التفكير الجدي على ضرورة تشكيل حزب سياسي ايزيدي أو حزب للايزيدية ، لكي يكون بديلا عن الأحزاب التي ألحقت بهم الكثير من الغبن علاوة على الغبن الموروث من العهود السابقة، وكذلك أن يكون كفيلا بمعالجة هذا الغبن .

إذن هل لنا الحق في إنشاء هذا الحزب .. هل هكذا حزب ضروري في الوقت الحاضر .. وهل يكون الحزب إيزيديا أم حزبا للإيزيدية.. وهل هنالك محرمات وعوائق في طريق نشوءه .. وهل نخوض الإنتخابات بقائمة خاصة تحت اسم هذا الحزب..؟

أسئلة لابد من الإجابة عليها . وبدء ذي بدء ، اشير إلى إنه من حق أية مجموعة بشرية أن يكون لها كيانها السياسي تعمل ضمنه وتستخدمه من أجل تحقيق مصالحها المختلفة وبأساليب مشروعة و الفقرة ج من المادة الثالثة عشرة من قانون إدارة الدولة تشير إلى ( إن الحق بحرية الإجتماع السلمي وبحرية الانتماء في جمعيات هو حق مضمون ، كما أن الحق بحرية تشكيل الأحزاب والانضمام إليها وفقا للقانون هو حق مضمون ) ،لا شك إن هذا الحق يتعطل في المجتمعات التي تسودها الدكتاتورية وليس من الضروري أن تعتمد هذه الدكتاتورية على نظام الحزب الواحد، بل يمكنها الإعتماد على نظام تعدد الأحزاب كما يحصل الآن في العراق ، فكثيرا ما تتصرف الأحزاب المتعددة بشكل مطلق بمصائرالجماهير والتسلط على رقابها خلافا لما يجري العمل من أجله وهو بناء النظام الديمقراطي الذي يكون فيه الإنسان سيد نفسه . ومما يجدر بالقول إن أية مجموعة بشرية لاتقدم على إنشاء حزب سياسي لها ما لم تكن هنالك ضرورة لقيام هذا الحزب و ما لم تشعر بالقهر الإجتماعي والظلم وعدم المساوات مع الآخرين في مختلف المجالات ، هذا الحزب الذي بواسطته تدخل هذه المجموعة البشرية الحياة السياسية لتحقيق أهدافها ، وبالنسبة إلى أبناء الديانة الإيزيدية ،لا يتجرأ أحدا أن يقول إنهم بمنأى عن كل ما جرى الإشارة إليه من قهر وظلم وعدم مساوات . فلذلك إن الوقوف أمام نشوء مثل هذا الحزب لن يكون مفيدا وسوف لن ينجح في الواقع لأنه هناك شريحة واسعة من الشبيبة الإيزيدية تنشد و تنحاز إلى هذه الحقيقة ، وهذا الانشداد أو الانحياز،إلى جانب واقع حال الإيزيدية المتردي يشكلان أهم عاملين وهما العامل الذاتي والعامل الموضوعي لنشوء كيان سياسي ولكنه أي العامل الموضوعي يبقى يتأثر بما يحيط به من عوامل غير صحية يفرزها الوقع السياسي في كوردستان التي ستسعى إلىإعاقة هذا الشأن الخاص .

وإن نشوء مثل الحزب سيضيف في حالة حصوله نكهة خاصة للتعددية التي ينبغي أن يصبح تكاثرها طبيعيا عندنا في كوردستان بشكل خاص والعراق بشكل عام ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذا الحزب السياسي لن يشكل خطرا جسيما على أي نظام سياسي ، ولايهدد أي انتماء قومي ، سواءا كان في كوردستان أو العراق ،لأنه لايستهدف إلى إقامة نظام سياسي يكون بديلا عن النظام التعددي في العراق مثلا ، فكل ما سيسعى إليه هذا الحزب تمثيل مصالح أبناء هذه الديانة الذين وجدوا أنفسهم مهمشين في المجالات المختلفة وكانوا كذلك منذ عهود طويلة وكما أسلفنا .

وبكل تأكيد سوف لن يكون هذا الحزب دينيا لأن الذين ينشدونه وينادون به ليسوا بمتدينين ، هذا من جانب ومن الجانب الآخر فإنه يختلف عن الأحزاب الدينية الأخرى كونه ينشأ في ظروف وبيئة أقرب إلى العلمانية منها إلى الفكر الديني المتطرف وهو يعبر بالتالي عن طموحات أبناء ديانة وجدوا أنفسهم ضحية الآخرين ، ديانة تؤمن بالتسامح والعيش المشترك مع الغير واحترامه ، و لم يكن يوما ما أبناء هذه الديانة يشكلون خطرا على الآخرين فهم أقرب إلى التمدن منه إلى العسكرة . ولذلك فإن نشوء هذا الحزب ينبغي أن يعتمد على مبدأ كونه حزبا للإيزيدية يعبر عن طموحاتهم في الجوانب السياسية والإقتصادية والثقافية والدفاع عن بقية حقوقهم ، وليس حزبا ايزيديا ذو طابع ديني يتعلم منه الناس كيفية تأدية الواجبات الدينينة ، وأن يصبح أعضاءه مرشدين في الشؤون الدينية .

ويبقى السؤال الآن هل يدخل الإيزيديون العملية الانتخابية تحت أسم هذا الحزب الذي لم يتشكل لحد الآن .؟ لاأظن إن ذلك سيكون مفيدا ، ويحقق شيئا لأبناء الإيزيدية على الأقل في الانتخابات القادمة المزمع إجرائها في نهاية العام الجاري ، لأنه وكما هو واضح فالحزب لم يتشكل بعد والصراع حول إنشاءه أو عدمه على قدم وساق ، فبالرغم من انني سوف لاأنتمي إلى هذا الحزب ولكنني سيكون نشوءه من دواعي سروري ، وسأبذل جهدا كبيرا من أجل إنجاحه لو توفرت الإرادية الحية لأصحاب هذه الفكرة ، وأنا واثق من ذلك .

على أية حال أرى أن تأخذ الانتخابات القادمة الحيز الكبير من تفكير أبناء مجتمعنا ، وعليه ينبغي العمل سريعا من اجل تحديد شكل المشاركة لمن لايريد أعطاء صوته إلى القوائم الأخرى التي ستخوض هذه العملية ، ولابد أن نأخذ بالحسبان وجود العديد من منظمات المجتمع المدني الخاصة بالإيزيدية علاوة على بعض النواتاة التي تتفاعل على أرض الواقع على أساس وجود برامج سياسية لها إلى جانب العديد من الشبيبة المثقفة والواعية والناشطة و التي تهمها مصلحة المجتمع الإيزيدي .

وإن ألتـفاعل الإيجابي والعمل الحريص بين هذه المجموعات ، سيؤدي إلى تشكيل انتخابي مؤثر ومؤهل لطرح قائمة خاصة من عناصر تتميز بالجرأة للدفاع عن مصالح الإيزيدية وتتحلى ببرنامج ورؤية مستقبلية واضحة وذهنية مفتوحة ومرنة قادرة على نيل ثقة جماهير الإيزيدية ، وثم تتحرك من أجل التفاوض مع القوائم الأقرب للتحالف معها وفق شروط تحقق طموح الإيزيدية ، مثل القائمة أو القوائم الكوردية وقوائم القوى العلمانية والقوى اليسارية الديمقراطية وكذلك الأقليات الدينية الغير متطرفة.

ومن الجدير بالذكر إن أي انتصار يحققه هذا التوجه الأنتخابي سيشكل مرتكزا صلبا لقيام حزب سياسي خاص بالإيزيدية قويا طموحا

قضايا ملحة تواجه المجتمع الأيزيدي 1-3


قضايا ملحة
تواجه المجتمع الإيزيدي
ناظم ختاري 1-3

لما كانت للديانة الإيزيدية خصوصيتها التي تميزها عن باقي الأديان والأقوام في المجتمع العراقي فان أمام أبناءها إلى جانب قضاياهم الوطنية والتي ساهموا فيها بكل إخلاص و تفاني في مراحل النضال المتعددة وإلى يومنا هذا ، وقدموا في سبيلها تضحيات غالية وكبيرة من الأرواح والأموال ،عدة قضايا مهمة خاصة بهم يتطلب التوقف عندها بحكمة وموضوعية وبتظافر جهود الجميع . ومن أهم هذه القضايا هي كالتالي .
أولا - المساهمة في كتابة الدستور العراقي الدائم وتثبيت الديانة الإيزيدية فيه إلى جانب صيانة حقوق أبناءها .
ثانيا - الحزب السياسي الإيزيدي و المشاركة الفعالة في الإنتخابات القادمة .
ثالثا – المطلوب تنمية مناطق الإيزيدية على مختلف الأصعدة .
ٍاحاول في هذه السطور أن أطرح ما أجده مناسبا بشأن هذه القضايا التي تحتاج إلى المزيد من النقاش وطرح الرأي والرأي الآخر . وأبدأ وفق التسلسل الذي وضعته اعلاه.
أولا - المساهمة في كتابة الدستور العراقي الدائم وتثبيت الديانة الإيزيدية فيه إلى جانب صيانة حقوق أبناءها.
من المعروف إن الدساتير العراقية المتعاقبة المؤقتة كانت تعتبر الإسلام ،هو الدين الرسمي للدولة و المصدر الأوحد للتشريع في البلاد، مع إن المجتمع العراقي يتميز بالتعددية الدينية بخلاف أغلبية المجتمعات العربية التي تدين للإسلام بشكل كامل . فوجدت على أرض العراق قبل ظهور الإسلام أديان عديدة تمتد جذرورها إلى عمق التاريخ مثل الإيزيدية والمسيحية والمندائية واليهودية وغيرها من الأديان، وهي بمجموعها تعرضت بدخول الإسلام بلاد الرافدين إلى حملات إبادة متعددة، علاوة على ما رافقتها من سياسات شوفينية دينية متعصبة من قبل الحكومات التي وصلت إلى دست الحكم في العراق واعتمدت الإسلام باعتباره دين الدولة الرسمي والمصدر الوحيد للتشريع، وفي هذ السياق لابد من الإشارة إلى أمر معروف هو إن الإسلام لايقر عمليا بالحقوق الدينية لغير المسلمين ولا كذلك بحقوقهم القومية وإن هذا الأمر واضح تماما على مستوى مختلف الممارسات السياسية والأخطر من ذلك فهو أوضح على مستوى الممارسات الإجتماعية اليومية ومثل هذا الأمر كان كفيلا بسلب حقوق المواطنة من أبناء هذه الأديان في الدولة العراقية إلى أيامنا هذه، فلايزال هؤلاء يتعرضون إلى التهميش والإقصاء من قبل مختلف القوى المؤثرة في عملية بناء الدولة العراقية الحديثة ، ولاشك إن اهمال واقصاء أوساط واسعة من المواطنين الأصلاء سيشكلان عقبة أمام بناء الدولة العراقية الجديدة للجميع ، وإرتباطا بكل ما يحيط بهذه العملية من تشوهات وخصوصا في التوجهات لدىالغالبية العظمى من صناع قرار يومنا هذا ،أي الأحزاب التي تهيمن على المشهد السياسي العراقي، باتجاه تشكيل وبناء دولة دينية إسلامية تؤدي إلى ترسيخ الطائفية والشوفينية والتعصب القومي ، تأتي أهمية العمل وتظافر الجهود من أجل المشاركة الفعالة و الكاملة لأبناء هذه الأديان في صياغة دستور الدولة العراقية، لذا أرى أن يتحرك أبناء الديانة الإيزيدية وفق الخطوات التالية .
أ- العمل الجدي والسريع من أجل تشكيل مجموعة عمل مختصة بكل جوانب الدستور ومن كل الإتجاهات الفكرية والسياسية في المجتمع ومن كل من يهمه مستقبل الإيزيدية في العراق الجديد للعمل على.
– ضرورة تثبيت الديانة الإيزيدية ضمن فقرة واضحة في الدستور القادم وشمول أبناءها بالخصوصية ولاسيما في جانب قانون الأحوال الشخصية وتكليف قضاة متخصصين من أبناء هذه الديانة للفصل في قضاياهم الخاصة وفقا للقونين ومواد الدستور العراقي التي تمييزهم عن الأديان الأخرى .
– صياغة قانون خاص لحماية حقوق الأديان و الأقليات ومنها الديانة الإيزيدية . ومن بينها هذه الحقوق، المواطنة المتساوية مع بقية مكونات الشعب العراقي وفي هذا المجال أشير إلى أنه لايجوز أن يبقى العراق وكل مايرتبط به من سيادة وثروات خاضعا لإرادة فئة معينة من مكونات المجتمع العراق وحرمان بقية أبناء البلد وخصوصا أبناء الأقليات الدينية من كل ذلك ، فمهما كانت الظروف لايمكن لأي عراقي وخصوصا هؤلاء أي أبناء الأديان والأقليات مثل الإيزيدية و الأخوة المسيحيون والمندائيين القبول بمسوغات قوانين وتشريعات العهود البائدة ، فسقوط النظام الدكتاتوري الشوفيني ينبغي أن يكون الحد الفاصل بين مرحلة الظلم والإظطهاد الأسودين والاستبداد والتعجرف الديني المتعصب، هذه المرحلة التي امتدت لقرون عديدة ،اعتمدت على حد السيف وقطع الرقاب والقتل الجماعي في التعامل مع الآخرين باسم الدين والمصالح القومية والوطنية طبعا هذا من جانب، ومرحلة جديدة في تاريخ العراق من الإنعتاق وحرية الإنسان وهذا من الجانب الآخر. فما بعد صدام ينبغي أن تكون مرحلة تحقيق الحق لكل ذي حق ، وإننا أبناء هذه الأديان و الأقليات من أصحاب هذه الحق . فالعراق لنا بكل ما فيه كما هو لأي عراقي آخر، سواءا كان من الرمادي وتكريت أوالموصل أو من البصرة والنجف أو من زاخو وأربيل أوالسليمانية . وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة تثبيت دور العبادة ومقدسات هذه الديانات لدى الدولة بإعتبارها أماكن عبادة رسمية في الدولة العراقية ومسؤولية حمايتها وصيانتها وإدامتها والحفاظ عليها من الضياع والإندثار هي مسؤولية الدولة عبر اشراك رجال الدين وخدمة هذه المعابد في الوزارة المعنية للشؤون الدينية و(بصفات خاصة) مثلا أن يكون هنالك أوقاف خاصة بهذه الأديان على ان تتحمل الدولة العراقية كل ما يترتب على هذا الأمر في جانب الموارد المالية اللازمة لكل ما تقدم .
ب- ولايمكن أن تملك هذه الأقليات حيزا حقيقيا في الدستور يحفظ لها حقوقها كاملة ما لم تكن هنالك دولة علمانية يجري فيها فصل الدين عن الدولة وتأسيسها على أساس المساوات بين الجميع واحترام التعددية الدينية والسياسية والفكرية و حقوق الإنسان .الأمرالذي يدفع بنا على ضرورة التنسيق المفيد والمتواصل مع بقية الأقليات العراقية إلى جانب القوى السياسية العراقية و العلمانية منها وقوى اليسار والديمقراطية التي تؤمن بضرورة بناء دولة العراق الجديدة على هذا الأساس. لأنها هذه القوى تشكل عامل ضغط على القوى التي تحاول الإستئثار بالسلطة و استغلالها لبناء هذه الدولة الدينية التي تشكل أكبر خطر على مستقبل العراق وشعوبه وخصوصا الأقليات الدينية التي تحملت الويلات جراء الأنظمة الدينية الإسلامية.

ابو جوتيار يفجرقنبلته ولاضحايا غيره !

ناظم ختاري

16-6-2005

نشرت صحيفة بحزاني الألكترونية مقالا بعنوان ( الكيان السياسي الإيزيدي !) لكاتبه السيد أبو جوتيار يتحدث فيها عن ما يدور في خلده حول هذه القضية الملتهبة وما يجري حولها من نقاشات كثيرة على مستوى المجتمع الإيزيدي ، وكنت أحد هؤلاء الناس الذين شاركو في التعبير عن الرأي عبرمقالة ضمن سلسلة من ثلاث حلقات بعنوان قضايا ملحة تواجه المجتمع الإيزيدي .
مما لاشك فيه أن لاأحدا يرغب أن يحجب هذا الحق عن السيد أبو جوتيار وهو أمر لايحق لأحد القيام به ، خصوصا عندما يتعلق بمناقشة هذه القضية أوأية قضية أخرى ساخنة أو غير ذلك من القضايا التي تتفاعل بهذا القدر أو ذاك في حياة الناس ، وأن ابداء الرأي من قبل أي مواطن بخصوص مجمل ما يدور حوله من أحداث ومتطلبات التغيير فيها أوإدارتها ، يعتبر من أولويات الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها كافة المواطنين ، دون أي استثناء ، وبعيدا عن كل الحجج التي يتكأ عليها هذا أو ذاك من الأشخاص على حساب الرأي الجمعي للمجتمع . ومن هنا وكما يعطي الجميع هذا الحق للسيد أبو جوتيار ، فانه مارسه بكل حرية وهذا الأمر يخصه لا شأن للآخرين بذلك ولكنه في نفس الوقت حاول القفز على حقوق الآخرين عندما أنكر لهم ممارستها بشكل طبيعي من خلال إطلاقه جملة من المفردات والعبارات التي لا يستحقها أي فرد وتحت أية ذريعة كانت وهذا ما دعاني إلى كتابة هذه السطور . التي سأحاول فيها مناقشة السيد ابو جوتيار وفي اتجاهين .
أولا – قضية الحقوق التي حاول التجاوز عليها .
ثانيا – أفكاره الواردة بخصوص الكيان السياسي الإيزيدي.
أولا – بدأ السيد أبو جوتيار منذ بداية مقالته ، متشنجا ومتعاليا على من سماهم (بعض الذين يحسبون انفسهم على جبهة المثقفين ) و( يرقص على أنغامهم أعداد من بسطاء الناس ) ، يا سيدي ، لست أدري ما الذي تهدف إليه من وراء هذا الإستصغار والاستهزاء بالناس، الكتاب منهم والعامة منهم أيضا ، فإذا كنت تعتقد أن مايعانيه هؤلاء من فقر وضعف في بعض جوانب الثقافة عيبا كبيرا وهم يتحملون مسؤولية ذلك ، فأنا لاأعتقد انك تجانب الصواب بعينه ، لأن سنوات القهر والظلم الطويلة فعلت فعلها بشكل عنيد على إبعاد الشبيبة الإيزيدية عن الثقافة الحقيقية والحية وعن هموم مجتمعهم ، مثلما أثرت عميق التأثير وبقدرعالي على مجموع مجالات الثقافة العراقية وتحريفها وتحجيم قدرات المثقفين العراقيين خلال هذه المرحلة المريرة من تاريخها والتي تنتمي إليها الثقافة الإيزيدية إلى حدود بعيدة بلا شك ، سواءا عبر الرعيل الأول من المثقفين الإيزيديين ولابد أن يكون شخصك الكريم واحدا منهم ، أو عبر ا جبهة المثقفين التي سميتها أي جبهة المثقفين الأيزيديين الحالية التي تتدرب على الحياة الثقافية باطمئنان ووفق قناعتهم التامة على ضرورة التأسيس لدولة القانون في البلاد وفي الفترة هذه أي عقب انهيار النطام الشمولي بما فيه الشمولية في الثقافة ، تسود فيها الديمقراطية عبر مؤسساتها الكاملة ، والتي بالضرورة أن تفصل مصير الناس عن القرار السياسي لهذه الجهة أو تلك وربطه بمبادئ القانون الثابتة والتي يجري العمل ببالغ الصعوبة من أجل تثبيتها في الدستور العراقي القادم ، أو بالأحرى تطبيقها على الواقع العملي لأن ذلك أصعب بكثير من عملية فرضها أو تثبتها في الدستور، بسبب وجود كم هائل من الصعوبات، تقف في وجه تطبيق أو ممارسة هذ الثقافة الدستورية وخصوصا بقدر ما يتعلق الأمر بهذا الجانب المهم من حقوق المواطنين ، وإحدى أهم هذه الصعوبات وجود مثقفين وجنابك واحدا منهم لايريدون ممارسة حقوقهم ، وبالتالي تحريف قناعات الناس وتوجيهها بشكل غير سليم نحو الخضوع والخنوع .
هذه الجبهة التي تحاول إيقافها في بداية نشاطها الثقافي المتواضع لغاية ربما لست مقتنعا بها كثيرا يا سيدي أبو جوتيار ، لأنك تعلم يقينا أن كل البدايات تبدأ ضعيفة ومنها الثقافية ، ولاشك أن بداية طريق هذه الجبهة بدأت سليمة لأنها تحسست عميقا معانات المجتمع الإيزيدي بالرغم من الضعف االذي تتميز به في الأداء ، والتي كانت تحتاج أي هذه الجبهة إلى دعمك وليس إلى إقامتك هذا السدالمنيع أمامها، ربما من منطلق شخصي لايفيد كثيرا ولايوقف عجلتها في كل الأحوال . وإذا كنت تعتقد أن لامثقفين خارج هذا الرعيل الأول والذي تنتمي إليهم أنت ، أرى مرة أخرى انك لاتجانب الحقيقة وتتجاوز عليها بإرادة ضعيفة ومن خلال عدم الإعتراف بها بالمرة عندما تعتبرها (مزايدات من كل من هب ودب)هذا من جانب ومن الجانب الآخر عندما تستنجد وتدعو( كل من له باع في مجال الفكر والسياسة أن يقف عند هذه الطروحات التي لاتجلب نفعا للصالح العام ) مثل هذا الأمر أعتبره مضطربا لاينم عن الكثير من الثقة بالطرح غير ما يسيطر على توجه السيد الذي يشوبه آثار المرحلة الماضية من القمع والحرمان والقبول بالأمر الواقع ، فعلاوة على أنه لايريد تجاوز هذه العقلية ربما رغما عنه ، فانه يلجأ بسهولة إلى اتهام هذه الجبهة على الإطلاق بفكر الإرهاب والانتماء إلى حزب البعث عندها يقول ( ان فكرة تأسيس هكذا حزب لايريح باعتقادي بال أحد سوى الذين كانوا مع حزب البعث وأجهزته القمعية) ويستمر ليؤكد أن هؤلاء سيعملون وفق توجيهات البعث لإعادتهم إلى السلطة عن طريق ممارسة المزيد من الإرهاب عندما أشار في فقرة تالية من مقالته(بالتالي سيخدم توجهات ذلك الحزب بما يحمله من بذور الشوفينية والغاء الآخر والتعصب، والقائمين عليه يؤدون دوره، علماً أن حزب البعث أسس وساهم في تشكيل الأحزاب الاسلامية وقاد ما يسمى بالحملة الايمانية، وأن هنالك من يحلم بعودة مجد صدام واخراجه من معتقله بواسطة هذه الاحزاب. والشعب العراقي يعاني اليوم المزيد من أشكال الارهاب من لدن هذه الاحزاب الدينية والمذهبية والتي حصدت أرواح مئات الالآف من الناس الأبرياء والحقت الخراب المادي بثروات العراق واضرت بشعبه من جميع النواحي.) يا إلهي كل هذا يحصل ولم يدركه غير كاتبنا العزيز أبو جوتيار ، فكل الذين يكتبون عن هذا الكيان السياسي أو يعملون من أجله بكل إخلاص ، ينتمون إلى البعث و يمارسون الإرهاب إلى جانب هذه الأحزاب الإسلامية التي قام بتشكيلها ، طبعا وفق نظرية" فلتة "أعتمدها في تحليل هذه الظاهرة أي العلاقة ، !!!! في الواقع هذا أمر يتجاوز الحدود ويشكل إعتداءا صارخ على حقوق أناس يحملون أفكارا يطرحونها مستفدين من الحريات العامة بما فيها حرية الرأي المتوفرة في بلدان اللجوء التي يتواجدون فيها ، وفي نفس الوقت يعتبر إلغاءا للآخر، وهو كذلك تذكير بأنه لايجوز أن يفكر أو يكتب من بعده أو خارج ما يراه أحدا غيره، لأنه يبدو وكما هوواضح فأنه يريد إحتكار الفكر والتحليل والثقافة كما تحتكر الأشياء الأخرى في بلادنا بعيدا عن حجة القانون أو المنطق أو الأعراف الديمقراطية التي يتمسك بها كاتبنا الفاضل في أجزاءها الأضعف في مقالته الديمقراطية جدا ، في الواقع لم أجد ما وجده السيد أبو جوتيار بهذا الخصوص ، أي أن هؤلاء ربما يكونون من أزلام حزب البعث أو إرهابيين محترفين تربطهم علاقات ربما أراد أن يقولها مع بن لادن قبل الزرقاوي ، فكل من أجده في هذه الجبهة ربما ضحى بالعديد من سنوات عمره الجميلة بين أخوته ا من بيشمه ركة كوردستان مناضلين ضد العهد البائد، وتحولت بنادقهم إلى أقلام حرة موفرين لك ياسيدي أبوجوتيار هذا المناخ لكي تتحدث بكل حرية رغم الإعتداء على حريات الآخرين ، ولو كان الأمر كذلك أو كما تقول أنت ، كان من المهم جدا تقديم مذكرة تطالب بإعتقالهم بالتعاون مع سلطات هذه البلدان لغرض تقديمهم إلى محاكمة عادلة والإقتصاص منهم جراء المطالبة بتشكيل حزب أوكيان سياسي و ما يقترفونه من جرائم ، وحبس هذا العدد الكبير من البسطاء الذين يرقصون على أنغامهم وفق تعبيره ، لكي لا يتأثروا ثانية بهؤلاء (الإرهابيين)، أي تجريح للآخرين أو لعامة الناس يا سيدي !!!! ؟، فقد تولدت لدي القناعة التامة انكم تستهدفون هؤلاء الناس بشتى الوسائل الغير مشروعة للتأثير فيهم وحجب الحقيقة التي لاتشاركون في صياغتها عنهم ، يا سادتي أن الثقافة وأهلها شبيهان ببوصلة توجهان الحركة الإجتماعية أي حركة الناس إلى إتجاهات مختلفة ، ولهذ الأمر أهمية فائقة بالنسبة إلى ما سيكتشفونه في رحلة بحثهم في هذه الإتحاهات المختلفة ، ولكن أن يكون هناك من يقييد هذه الحركة بشروط تتفق ومصالح ذاتية ضيقة، هذا ما لايتماشى مع روح العصر والديمقراطية المنشودة ، التي يحاول السيد أبوجوتيار الإنتماء إليها عنوة وبطريقة فجة . يقينا سيفقد هؤلاء أصحاب هذا التوجه مصداقية الطرح في نهاية المطاف مهما طال الزمن بهم .
ثانيا – أفكاره الواردة بخصوص الكيان السياسي الإيزيدي .
يصيغ السيد أبو جوتيار أفكاره حول لاأحقية إنشاء كيان سياسيي إيزيدي منطلقا في الحقيقة من إعتبارين أساسيين .
- وأولهما، إعتبار ان الإيزيدية جزء من الشعب الكوردي وليس لهم غير الخصوصية الدينية ، فإلى هذا الحد يمكننا أن نشير ونؤكد وكما هو واضح بالنسبة إليه ، أن لا أحدا من هؤلاء الدعاة أعلن عن تقديم استقالته القومية إذا جاز التعبير طبعا، فكل ما يمكنهم الحديث عنه هو خصوصيتهم ، وهذه الخصوصية لاتتوقف عند الخصوصية الدينية لوحدها كما يريد حصرها في هذا المجال الضييق بل تتعدى ذلك ، فتواجدهم وتجمعم في مناطق متقاربة تربطها علاقات اجتماعية وكذلك إقتصادية خاصة تختلف عن العلاقات مع الآخرين إلى جانب الكثير من العادات والتقاليد الإجتماعية الدينية وغير الدينية التي يتميز بها الفرد الإيزيدي ، تزيد من عمق هذه الخصوصية ولكنها لاتلغي جزئيته الكوردستانية .
بعيدا عن هذه الخصوصية أو تلك ، نجد هنالك في كوردستان العشرات من الأحزاب القومية ، بالرغم من أن الشعب الكوردي هو شعب واحد وعدم ادعاء أي حزب من هذه الأحزاب عن أية خصوصية تتمييز بها جماهيره ، وأن الذي يجمع هذه الأحزاب أكثر مما يفرقهم في برامجهم وأهدافهم السياسية ولكنه لم يستطع أي حزب أو يرغب في الغاء الآخر ، والتعددية أصبحت تأخذ طريقها الصحيح في كوردستان والحزب الخاص بالإيزيدية سيكون واحدا من هذه التعددية ضمن هذه الأحزاب المتعددة وسيخوض معركته عبر صندوق الإنتخاب ولن يلجأ إلى السلاح في ذلك كي يهدد أمن الوطن ومستقبله لكي يكون مخيفا إلى هذا الحد لدى البعض ، بل سيلجأ إلى طرح الحلول الناجعة واللازمة للمجتمع الإيزيدي الذي يعاني الفقر والحرمان وعدم المساوات وسبل تبنيها .
وارتباطا بما تقدم يعتقد السيد أبو جوتيار أن واقعنا الذي نعيشه هو ما يحدد تمثيلنا في أية مؤسسة حكومية عندما يقول (ونحن في العراق حصلنا على تمثيلنا البرلماني من خلال الأحزاب، وحسب واقعنا الذي نعيشه، لا أظن أننا نحصل على شئ آخر من غير هذا الطريق، وفي كل الحالات فان المناصب الحكومية هي ملك الفائزين في الانتخابات.) هنا أجده يقع في وهم وتناقض، فتارة يعتبرنا أكرادا دون خصوصية ولكنه ينسى أن يسأل نفسه لماذا لم يكن مثلا 5أو10من هؤلاء الأكراد بين 75 من مندوبي الأكراد أنفسهم في الجمعية الوطنية العراقية ، وتارة أخرى يحمل واقعنا مسؤولية ما نحن عليه دون أن يحدد هذا الواقع، بل يفتخر به ، ولذلك تراه يخطب في أعضاء الحزبين الحاكمين من أبناء الإيزيدية ويدعوهم إلى التصدي لهذه( ألمؤامرةالخطيرة ) التي يحيكها دعاة هذا الكيان السياسي .
إضافة إلى ذلك فأنه يقع في العديد من المطبات متخبطا ، دون أن يعرف كيفية الخروج منها فمرة يؤكد على الفريقين ويقصد الأعضاء الإيزيديين من الحزبين الإهتمام ببعض المسائل قائلا (كما أرى من الضروري جداً أن يهتم الفريقان بالمسائل الآنية التي تخدم الشعب كالمطالبة بتثبيت الحقوق الدينية وادراجها في الدستور الدائم للدولة العراقية ومطالبة السلطات المحلية الاهتمام بمناطق سكناهم وإقامة المشاريع التي تؤدي الى معالجة آثار الفقر والبطالة وتطوير الخدمات الاجتماعية والحياتية اليومية للناس ودفع عجلة البناء الاقتصادي والعمراني في مناطقهم.) وثم يعود ليتهجم على منظمات المجتمع المدني الخاصة بالإيزيدية داخل العراق وخارجه لأنهم حرروا مذكرة إلى البرلمان الكوردستاني تحمل في طياتها العديد من المطاليب ، دون أن تكون من وراء هذه البادرة دوافع ذاتية كما تصورها الكاتب حين يقول (إذا كان فقدان الوزارة التي يشغله ايزدي جعل البعض "حزينين" كل الحزن ودفعهم الى كتابة مذكرة والمطالبة بالمزيد من المناصب والامتيازات والاعتقاد أن تشكيل حزب سياسي سوف يحقق لهم المستحيل، فأقول لهم: لا تتوهموا أيها الاخوة والاخوات فان الوزارة والمناصب لا ولن تكون يوم من الايام ملكاً ثابتاً لأحد ) ، هنا يتعدى التناقض في طرح السيد حدا غير معقول ، فمرة يقول لدعاة الكيان السياسي الإيزيدي أنكم تهدفون من خلال تأسيس هذا الكيان للحصول على المزيد من المناصب وأخرى ينبههم أن أكثر من 150 حزبا كارتونيا جرى شطبها بواسطة ديمقراطية العراق الجديد في البلاد ، فالسؤال هنا هو كالآتي ، كيف سيحصل هؤلاء على المناصب والإمتيازات إذا كانت الديمقراطية ستشطبهم .؟ وألا تعرف يا سيدي أن من يريد تأسيس حزب كالذي تشهر عليه سيفك الحاد سيعاني بمرارة !! فكيف توفق بين المناصب والإمتيازات من جانب والمعانات من الجانب الآخر . ومرة أخرى يطرح السؤوال نفسه، لماذا يحق لك مطالبة أعضاء الحزبين من أجل إيجاد الحلول لمشاكل هذا الجزء من الشعب الكوردستاني .؟ وتحجب هذا الحق عن الآخرين لإيصال صوت مجتمعهم الإيزيدي إلى مؤسسة منتخبة وهي البرلمان الكوردستاني !! و تدعو في الوقت نفسه المثقفين والهيئات الدينية وأمير الإيزيدية إلى كتابة البيانات حول أهم ما أشارت إليه المذكرة التي تطعن فيها ، وهو تثبيت حقوق الإيزيدية في الدستور ، ألم يكن بين الموقعين أمير الإيزيدية وخيرة المثقفين، !! فهل كان ينبغي لهذه المنظمات والشخصيات الدينية والإجتماعية والثقافية اللجوء إليك ، وتقديم مذكرتهم عن طريقك حتى تعترف بهم وتزيل عنهم تلك النعوت الغير لائقة . وبعدها تقوم بتمزيقها . وتلتف عليهم بطريقة نكرة من أجل تعزيز مواقعك وليس من أجل تقديم خدمة إلى مجتمعنا المحروم ، وثم تتظاهر بأنك المدافع الوحيد عن الإيزيدية.؟ وهذا ما لايظهر على محياك أنت في الواقع وليس من تتهمهم !
ويستمر كاتبنا في التوغل نحوالمزيد من هذه المطبات وهو يغلق على نفسه كل الأبواب والنوافذ ويبقى حبيس طروحات مضطربة غير متوازنة عندما يناقض نفسه في عدم قبول كيان سياسي لايدعوإلى غير خصوصيات مجتمعه ضمن المجمتع الكوردستاني ، و بعدها يوجه الدعوة إلى نفس هؤلاء الدعاة للإنظمام إلى الحركةالإيزيدية من أجل الإصلاح والتقدم بقوله (وإذا كان الاصرار على أشده والحماس بمنطقع النظير ولا حدود له لتشكيل هذا الكيان السياسي للايزدية، على ما أظن هنالك حزب أو تسمى الحركة الأيزيدية من أجل الاصلاح والتقدم وهي تعبر عن نفسها كونها حركة سياسية تمثل الايزدية وهي موجودة منذ سنتين ودخلت الانتخابات بشكل مستقل، السؤال: لماذا لا ينضم دعاة تشكيل حزب سياسي ايزدي الى تلك الحركة؟ أليس كل الذين داخل تلك الحركة ايزديون؟ أم أن الدعاة الجدد لا يؤمنون بقيادة تلك الحركة، ويريدون تأسيس كيان سياسي جديد وبقيادة جديدة؟ ) هذه الحركة التي لاتتفق مع رؤية السيد أبو جوتيار واعتباره (الإيزيدية جزء من الشعب الكوردي لايختلفون عن الآخرين بشئ سوى أنهم يتميزون بخصوصية دينية وحسب) .
- وثانيهما ،اعتباره أن هذا الحزب سيكون حزبا دينيا ، وهذا ما لايحدث بكل تأكيد للأسباب التالية ، ان كل من أعرفهم من دعاة هذه الفكرة لايمتون بصلة بالتدين ، ولكنهم يعتزون ويفتخرون بإنتماءهم إلى المجتمع الإيزيدي أضف إلى كون هؤلاء من المثقفين يعون تماما ما يدور حولهم من أحداث على مختلف الأصعدة ، و ثم أن فكرة قيام هذا الكيان السياسي ، ستعتمد بالدرجة الأساسية على ضرورة مساواتنا بالآخرين في الحقوق والواجبات وتثبيت وجودنا كديانة ضمن الدستور العراقي وتنمية مناطقنا في الجوانب الإجتماعية والإقتصادية وألخ ، وسوف لايعتمد هذا الكيان فقها أو تشريعا دينيا كما في الأحزاب التي تتعرض إلى الإنحراف والتطرف في الأديان الأخرى.
إذن هذا كل ما أردت أن اتعرض له في مناقشتي مع السيد أبو جوتيار ، أما إذا كان يريد أن يقول ان المجتمع الإيزيدي يعيش الرخاء في ظل التطورات الهائلة على مختلف الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية أو يدعي أنه أي المجتمع الإيزيدي لايعاني التمييز والتفرقة على مختلف الأصعدة أيضا ويعيش مطمئنا على مستقبله ، فأنا أختلف معه كثيرا وكتبت عن ذلك المزيد لاأريد إعادته ، ومن أجل معرفة هذه الحقيقة يمكننا ان نسأل الناس خارج الأبراج العاجية سيبلغوننا عن مدى حرمانهم وكم من البؤس والشقاء يعانون كي يستطيعوا تأمين معيشة عوائلهم ورغم ذلك لإانها لاتليق بالإنسان في الواقع .

لماذا يخشى الإيزيديون
المطالبة بحقوقهم ضمن خصوصيتهم ؟

ناظم ختاري


من المعروف أن المجتمع الإيزيدي مـن دون غيره تعـرض ويتعـرض إلى هزات عنيفة عندما تمسك و دافع عن بعض حقوقه المشروعة والطبيعية ، كحق الوجود وممارسة الطقوس الدينية ، أما المساواة والمواطنة فقد كانت خارج لائحة الحقوق والحديث أو الدفاع عنها لم يكن جائزا البتة ، لأنهم لحد هذه اللحظة يفتقدونها في مختلف المجالات حتى وإن سمح لهم بممارسة هذا الوجود باعـتبارهم بشرا و بالتالي ممارسة تلك الطقوس الدينية باعـتبارها من أبسط الحقوق التي يستطيع ممارستها كل فرد مهما صغر حجم ديانته، فلن تكون ممارسة هذه الحقوق لوحدها هي ما تتوقف عندها المجتمعات دون غيرها من الحقوق ، وخصوصا في دولة جرى فيها إسقاط أكثرالدكتاتوريات جرما في التاريخ ، ويصار العمل فيها إلى تشييد أو تأسيس نظام عـصري ديمقراطي حـر وعادل يرتكز على القانون ويتعامل مع الجميع سواسية بغض النظر عن الانتماء الديني والطائفي والقومي والفكري والسياسي
و بالرغم من البطء الشديد بسبب البدايات المشوهة التي رافقته ، هذا وإن جرى تجاوز مرحلة المحاصصة الحالية و القائمة على الأسس الطائفية والقومية والتي تنذر بأكبر المخاطر في مقبل الأيام على حياة العراقيين كافة كتهلكة المزيد من الأرواح في طاحونة صراع لاطائل له في محاولة لجر الشعب العراقي إلى الحرب الأهلية التي لايتمناها كل عراقي غيور ، وذلك بسبب تعنت وإصرار القوى الطائفيـة الإسلامية في شقيها السني والشيعي لفرض أجندتها في الحياة السياسية التي لاتنسجم مع التطور والتقدم الحاصلين في المجتمعات العالمية في جوانب العلوم المختلفة وتكريس المزيد من الديمقراطية والترابط والتداخل الشديدين فيما بينها وبين محيطها من المجتمعات الأخرى كمجتمعنا العراقي الذي لايستطيع الاستمرار بمنأى عن هذه التطورات ،
ولا كذلك تنسجم مع الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي للشعب العراقي القائم على التعددية ولا كذلك مع ضرورات التقدم و التطورالمطلوبين في مختلف المجالات ، وهي تنطلق أي هذه القوى في هذا المسعى من أولا ، الجانب الشيعي باعتباره الفائز في الإنتخابات فوزا ساحقا على حد تعبير السيد الحكيم رئيس قائمة الإئتلاف ، الذي بدأ بالرد متخبطا ومصاحبا بدموية مماثلة لدموية الإرهاب المعشعش في مناطق السنة دفاعا عن انجازاتهم الانتخابية ومابعدها وتمسكا بمكسب السلطة المطلقة في أغلبية مناطق العراق وسلب المزيد من الحريات العامة والخاصة للجماهير عبر فرض سلطة شبيهة بسلطة ملالي إيران، وثانيا، الجانب السني ، والذي يعتبر نفسه الوريث الشرعي للحكومات التي كانت تسيطر عليها الطائفة السنية .
وأن ما أفرزته الأوضاع الشاذة والحكومات الدكتاتورية التي كانت تقود البلاد من تشويه في كل المجالات و لعقود من الزمن أصبح الوهابيون والسلفيون والقوميون الشوفينيون المتحالفون مع قوى البعث التي أعدت ونظمت نفسها جيدا إلى جانب الإرهاب القادم من الخارج، يطالبون وبكل شراسة وعبر اتباع أقبح السياسات بما فيها خطوة هيئة علماء التخفيف والتفجير الأخيرة والتفاوض مع ممثلي الحكومة الاسرائيلية في دولة قطر لاقناع الإدارة الأمريكية بإعادتهم إلى السلطة ، والاستمرار بنفس منهجية البعث السابقة في القتل الجماعي بهذه التركة .
وإلى جانب هذا الأمر لم يقوي بديل آخر يستطيع التأثير في الوضع الراهن وتوجيهه لصالح الشعب العراقي برمته وقيادة سفينة العراق نحو بر الأمان . فالقوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية أصبحت محدودة التأثير في العملية السياسية الجارية في البلاد وهي تعاني التشتت والتشرذم و تفتقر في الوقت نفسه إلى التعاون والتحالف المطلوبين فيما بينها وبين القوى الكوردستانية التي تهمها ومن مصلحتها أي الأخيرة كما في حالة الأولى أن يصان مستقبل العراق الديمقراطي من خلال الدفاع عن المنجزات التي تحققت رغم الشوائب الكثيرة والمتمثلة بنجاح الانتخابات البرلمانية وما أعقبها من عقد جلسات الجمعية الوطنية وانتخاب مجلس الرئاسة وتشكيل الحكومة , وأن يصار إلى تكريس المزيد من الديمقراطية والحريات لمجموع مكونات المجتمع العراقي وتحقيق مطاليبهم وإشراكهم بشكل فعال في صياغة مستقبلهم .
و لنعود إلى موضوعنا ، وأقول هنا أنا لست بصدد الحديث عن الأسباب التي كانت تقف عبر التاريخ خلف تردد الإيزيدية الدفاع عن كامل حقوقهم غير تلك التي دافعوا عنها كوجودهم الحي باعتبارهم بشرا وممارسة طقوسهم الدينية، بشكل مستميت مسطرين من خلالها أروع البطولات في الفداء والتضحية ، ولهذا فانهم في الواقع كانوا يصطدمون في كل الأحوال بحملة تؤدي إلى إراقة المزيد من دماء شبيبتهم ، وما من شك إن أثر هذا التعامل العنيف والدموي لازال يسيطر على عقول الكثيرين ممن لايريدون مساوات أبناء الديانة الإيزيدية بغيرههم من أبناء الديانات الأخرى والمتعددة الموجودة على الأرض العراقية الطيبة، فالاستعلاء والتعامل الدوني ووفق درجات وتسلسلات رقمية لازال هو السائد في التعامل مع الإيزيدية ، علاوة على ان هذا الأثر لازال عالقا في ذهن المواطن الإيزيدي الذي يدفع به على الاعتقاد باعتباره أما مواطن من درجات دون الآخرين وبالتالي الرضوخ لهذه الفكرة أو لهذا التوجه، وأما القناعة بأن الآخرين ,هنا أقصد الأقوى هم القادرين على انتزاع حقوقنا وتقديمها لنا وبالتالي علينا أن نتبعهم ونرضخ لمبدأ الحصول على الحقوق هي مكارم هذه الجهة السياسية أوتلك .
في ظل الظروف الحالية يعتمد العراق قانون إدارة الدولة الانتقالي والذي يكفل لكل مكونات الشعب العراقي حقوقها وفي مختلف المجالات ( بالرغم من الكثير من النواقص التي تتخلله ) المهم فالمواد التي تظمنه القانون أبتداءا من المادة العاشرة وانتهاءا بالمادة الثالثة والعشرون تؤكد هذه الحقوق بكل تفاصيلها في اغلب الفقرات الواردة فيها. ومن بين أبرز هذه الحقوق واكثرها أهمية ما ورد في الفقرة (أ) من المادة الحادية عشرة من القانون والتي تشير إلى ( كل من يحمل الجنسية العراقية يعد مواطنا عراقيا وتعطيه مواطنته كافة الحقوق والواجبات التي ينص عليها هذا القانون وتكون مواطنته أساسا لعلاقته بالوطن والدولة ) ، وما أريد قوله هو انني لست بصدد مناقشة القانون ولذا أكتفي بإيراد هذا النص لوحده الذي يشكل الأساس العام للنصوص الأخرى الواردة في جملة هذه المواد التي تخص حقوق وواجبات الفرد العراقي ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن كافة أبناء المجتمع الإيزيدي يحملون الجنسية العراقية منذ أن تشكلت الدولة العراقية ولاشك انهم من الشعوب الأصيلة والموغلة في القدم على هذه الأرض، وهذا يعني أن القانون الأعلى للدولة يتيح لنا كايزيديون كل الحقوق التي يتمتع بها أي عراقي آخر على الأقل في الجانب النظري.
بين هذا الواقع الذي يعيشه المجتمع الإيزيدي من التهميش وإلى الحرمان من أغلب الحقوق إلى جانب البؤس والفقر والذي تحدثت عنه بشئ من التفصيل في مقالات سابقة إلى جانب الكثير من اخوتي الكتاب الإيزيديين وغيرهم و ما يوفره لهم قانون إدارة الدولة من حقوق وأرضية خصبة للدفاع عنها ، نجد هنالك تردد واضحا من لدن أوساط عديدة من أبناء المجتمع الإيزيدي إن لم أقل الغالبية منهم في مطالبة حقوقهم ، فما هي أسباب هذه الظاهرة السلبية في المجتمع الإيزيدي.؟
ساحاول وفق معرفتي البسيطة إلى ما أرى من الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة الخطيرة :
1- العامل التاريخي ، والذي أشرت إليه في أعلاه ، والذي اعتمد على حد السيف بوجه الإيزيدي والذي لازالت آثاره تتفاعل في حياتهم بكل تفاصيلها .
2- ضعف القيادات الدينية في الدفاع عن مصالح ابناء المجتمع الإيزيدي والاندفاع نحو المصالح الخاصة التي كانت تتحقق على حساب فقراءه ومظلوميه وكادحيه، علاوة على أن الإيزيديون لم يكونوا بمنأى عن الاصطفاف الطبقي والذين تعرضوا جراءه لويلات واضطهاد شديدين .
3- الغالبية العظمى من الكوادر العاملة في الأحزاب الكوردستانية والأحزاب العراقية الأخرى من أبناء المجتمع الإيزيدي ، لم تتعامل مع خصوصية هذا المجتمع بالشكل الذي يساهم ويشجع على تطوير الشخصية الإيزيدية المستقلة وصاحبة الخصوصيةعلى نطاق المجتمع العراقي . فأعضاء الأحزاب القومية الكوردية منهم لم يتجاوزوا النهج القومي وتوقفوا عند الانتماء القومي الكوردي للإيزيدية وبالتالي كرسوا وفرضوا هذا النهج في المجتمع الإيزيدي متجاهلين تلكم الخصوصية التي نتحدث أو نبحث عنها بشكل جماعي في ظل الظروف الحالية التي تبحث في ظلها كل مجموعة اجتماعية لها خصوصيات ،عن ذاتها . علاوة على أن هؤلاء نصبوا على الإيزيدية كسيف مسلط على رقابهم ، عبر مصادرة المزيد من حرياتهم ، التي لم يتمتعوا بها قط .
ولا كذلك أستطاع أعضاء الحزب الشيوعي العراقي من أبناء هذا المجتمع صياغة هذه الخصوصية التي اصطدمت بالجانب الطبقي والنضال من أجل الديمقراطية والتقدم الإجتماعي ، فبالرغم من أن مصلحة الأقليات إلى جانب مجموع الشعب العراقي تكمن كثيرا في ترسيخ هذا الجانب النضالي وحيث أنخرط العديد من أبناءه في هذا النضال، ولكنه تجاهل هذه الخصوصية وكان ضروريا بالنسبة إلى الحزب الشيوعي التعامل مع هذه الخصوصية بشكل موضوعي وعلمي وبريادية كما ريادته بخصوص الموقف من القضية الكوردية التي من خلالها يشعر الكوردي وغير الكوردي أن الحزب الشيوعي حمل منذ البداية ويحمل الآن لواء القضية الكوردية بكل موضوعية وبكل حرص وامانة باعتبارها أحدى قضاياه الأساسية في نضاله المستمر ، وهكذا بالنسبة إلى موقف الحزب من قضايا الكلدوآشوريين وبناء تنظيماته الحزبية انسجاما مع خصوصياتهم .
وارتباطا بالمأسات التاريخية و بموقف هذا الحزب الكوردي أوذاك أو موقف الحزب الشيوعي العراقي أو المواقف الأخرى التي كانت تؤثر في نفس وسلوك المواطن الإيزيدي ، مثلا موقف الحكومة العراقية في عهد النظام البائد إضافة إلى المواقف المترددة والضعيفة والمصلحية للمرجعيات الإيزيدية ، كان الخلاف يشتد ويخفت بين أبناء المجتمع الإيزيدي على ضوء الصراعات التي تدور حوله إلى جانب مواقف الأحزاب من بعضها البعض ، كما هو واضح اليوم بخصوص مجمل القضايا التي تواجههم والتي ظهرت على السطح في هذه الأيام والإيزيديون يقدمون مذكرتهم بخصوص مطاليبهم إلى البرلمان والحكومة الكوردستانية والتي يمتنع أعضاء وجماهير الحزب الديمقراطي الكوردستاني من أبناء المجتمع الإيزيدي التوقيع عليها للأسف الشديد .
عليه وأزاء هذا الوضع أي وجودالمجتمع الإيزيدي في محيط ألحق به أفدح الأضرار تاريخيا وانتماءاته المتعددة مثل الدين وخصوصيته، والقومية وخصوصيتها ، والطبقة ، والوطن ، إلى جانب الأوضاع الشاذة في البلاد على امتداد المراحل المتعددة وعدم وجودعوامل تدفعه إلى المشاركة في النضالات المطلبية اليومية كما هو الحال لدى مجموع الشرائح الإجتماعية العراقية التي جعلت منه ومنذ زمن بعيد غائبا عن المشاركة في النضالات اليومية وبالتالي عن تقرير مصيره والركون حانبا واعتماد السلبية فيما تؤول إليه الأحداث وخصوصا في أيامنا هذه التي تحقق فيها قوى الإرهاب نجاحات لتأجيج نار الحرب الأهلية في البلاد .
فالملاحظ أن الفرد الإيزيدي كان يحاول دائما اخفاء شعوره نحو خصوصيته الإيزيدية وتغليب الجوانب الأخرى وخصوصا الشعور القومي عليها إلى فترات متأخرة قبيل انهيار النظام الدكتاتوري البائد، ومن الجدير بالذكر ان هذا الشعور ازداد بعد الانهيار وبدء العملية السياسية التي جاءت مشاركتهم فيها لاتتناسب ووجودهم وعددهم واسهاماتهم النضالية في التصدي للدكتاتورية وتضحياتهم الجسيمة والكفاءات العلمية الموجودة لديهم ، علاوة على أن مناطقهم لم تحضى إلا على جزء يسير من الخدمات مع بقاءها محرومة من كل الجوانب الأساسية للتنمية التي تشهدها مناطق كوردستان ، وبالرغم من هذا كله يحجم الكثير منهم المطالبة بهذه الحقوق المشروعة والطبيعية التي تحجبها عنهم الإدارة المركزية وكذلك إدارتي الأقليم .
لاشك أن جملة العوامل التي كانت تقف في طريق المواطن الإيزيدي للتعبير عن همومه والدفاع عن خصوصيته وما جرى من ممارسة المزيد من الاقصاء تجاه أبناء مجتمعه وحرمانه المتواصل وخصوصا في فترة ما بعد سقوط النظام البائد وابعادهم عن العملية السياسية أصبحت تفعل فعلها في نمو وانتشار الوعي والشعور بالمسؤولية المتزايدة اتجاه الغبن الذي يلحق بهم و خصوصياتهم، فتحركوا في اتجاهات عديدة وشاركوا في الكثير من المحافل لإيصال صوتهم والمطالبة بتثبيت حقوقهم . وكان لتبني الفئات المثقفة بين الإيزيدية قضايا مجتمعهم وخصوصياته الدور الكبير لتنوير المجتمع وخلق حالة جديدة و صحية لديه ودفعه نحو المطالبة بحقوقه دون تردد ، هذا التوجه الذي ينسجم تماما مع الوضع الجديد في عراق اليوم والذي ينبغي أن يتحول بفعل النضالات الجماهيرية المطلبية إلى مرتكز لنشوء الديمقراطية الحقة في البلاد ، وعدم التردد في مسائلة أية جهة تحاول هضم حقوق الآخرين فلا يوجد في الأنظمة الديمقراطية من هو فوق القانون وبتطبيقه أي القانون تتعلم الأحزاب نفسها كيف تتعامل مع الجماهير بعيدا عن روح التسلط واستخدام العنف الذي ولى زمنه وإلى الأبد وأن الأحزاب التي لاتجيد ممارسة هذه العملية أولا في حياتها الداخلية وثانيا في التعامل مع الجماهير ومطاليبها وثالثا، كيفية ممارسة السلطة السياسية عن طريق التداول السلمي لها، سوف لن يعفو عنها الزمن.
ومن الجدير بالذكر في هذا المجال انها المرة الأولى التي يقف فيها كبار وجهاء الإيزيدية أمثال أمير الإيزيدية في العراق والعالم الأمير تحسين سعيد ونائبه الأمير فاروق سعيد ورئيس المجلس الروحاني سماحة بابا شيخ ورئيس القوالين سماحة قوال سليمان والعديد من القيادات الدينية الأخرى و السياسية الإيزيدية من بينهم أعضاء في الجمعية الوطنية العراقية وكوادر متقدمة في الإتحاد الوطني الكوردستاني بينهم وزيرا في حكومة السليمانية والحزبان الشيوعيان العراقي والكوردستاني بينهم عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني ، يقفون فيها وبشكل موحد إلى جانب مطاليب تهم عامة الناس تظمنتها مذكرة أعدتها عدد من منظمات المجتمع المدني وباقة من المثقفين والساسة الأيزيديون في بلاد الغربة.


الإيزيديون فقدوا وزارتهم الوحيدة في ظل
حكومة الوحدة الوطنية
ناظم ختاري
ناظم ختاري
بعد أن كانت المفاوضات الماراتونية من أجل تشكيل الحكومة العراقية على أساس الوحدة الوطنية وإشراك غالبية الطيف العراقي تدخل هذا الدهليز ويخرج منه ويستقبلها الآخر.
وبعد أن تعدت العشرات منها بين عربية شيعية أوسنية و كوردية وتركمانية ظهر أخيرا إن هذه المفاوضات أبت الدخول في الدهليز الإيزيدي ، لأن صاحبها السيد الجعفر ي أرادها أن تكون أي مفاوضات تشكيل هذه الحكومة نقية مطهرة بشكل كامل، و لكي تكون هذه الحكومة هكذا أيضا ،عليها أن تكون بعيدة عن ملامسة يد إيزيدية وبعيدة عن رائحتهم وبعيدة عن لونهم وبعيدة عن مشاركتهم وبعيدة كل البعد عنهم كي تسمى بحق أنها حسينية تتعالى فيها أصوات الله أكبر عندما يخطب فيهم أيام الجمعة , على طريقة رئيس قائمته عبد العزيز الحكيم الذي يصعد منصة الجمعية الوطنية وكأنه أمام مجموعة من المصلين وهو في جامع يقول خطبته فيهم وليس أمام قوام الجمعية الوطنية الذين ينبغي عليهم أن يدركوا إن أمامهم مهمة بناء العراق الجديد وليس تكريس الطابع الديني في عمل وأروقة الجمعية الوطنية التي أنتظر ولادتها العراقيون بفارغ الصبر، ولكي تشرع للعراقيين حقوقهم وحرياتهم في ظل نظام ديمقراطي و بشكل متساوي دون تفرقة وتمييز ، ولكنه منذ البداية تعرض كل شيئ إلى الكثير من التشويه والتمزيق .

فبعد أن جرى حرمان العديد من أطياف المجتمع العراقي من المشاركة في العملية السياسية منذ بدايتها والذي يعد ضربة موجعة تلقتها هذه الأطياف وبشكل خاص الإيزيدية والاخوة الصابئة من قبل القوى السياسية التي تعاملت معهم من منطلقات قومية ودينية و طائفية عمياء ، وجدوأ أنفسهم وخصوصا أبناء الديانة الإيزيدية وأبناء الديانة المسيحية في مناطق سهل الموصل أمام أكبر عملية سلب حقوق شارك في ارتكابها للأسف الشديد الحزبان الكورديان وبأيدي القوى الدينية والقومية المتعصبة والشوفينية عندما حرم هؤلاء من أعز وأول حق ديمقراطي لهم وهو حرمانهم من المشاركة في الانتخابات التي جرت في نهاية شهر يناير من السنة الجارية.

عندها بدأ الأمر جليا لدى ابناء هذه الديانات من إن حقوقهم لن تتحقق في هذا الوطن وبوجود هكذا نهج لدى الأحزاب التي كرست االأسس القومية والدينية والطائفية والعشائرية المتطرفة في بدايات عملها السياسي وهي على رأس السلطة وتقود البلاد بعين ذلك النفس الكارثي على مستقبل العراق وشعوبه .
هذاالنهج الذي لن يكون بديلا عن التمسك الحقيقي على ضرورة قيام دولة القانون تنبثق منها مؤسسات تستهدف إلى تكريس الديمقراطية في الحياة السياسية للبلاد . وإلى جانب هذا فإن الأمر كان بالنسبة لهؤلاء بمثابة إنذار ، من أن لامكان لهم في العملية السياسية وبالتالي لامجال للحديث عن حقوقهم ، لأنها أي الحقوق هي للأقوى والأقوى هنا هم الفائزون في الإنتخابات . ونحن أبناء الديانة الإيزيدية لسنا منهم لأننا منعنا من المشاركة في الإنتخابات ولم يكن فيها من يمثلنا في الواقع ، طبعا ليس على شاكلة العرب السنة الذين أصبحت مناطقهم حاضنة لتنظيمات البعث و الإرهاب وتصريحات أعضاء هيئة علماء التفخيخ والتفجير،الواجهة العلنية لحزب البعث والتي يجري التفاوض معها لاتقبل التأويل في هذا المجال ، وهؤلاء دون أدنى شك إلى جانب غيرهم من التنظيمات التي تعمل لصالح حزب البعث يتحكمون وعلى قدر كبير بالقرار السياسي العراقي وكذلك بالخطاب السياسي للحكومة الحالية ، التي أضطرت تحت ضغطها إعلان حكومة منقوصة بوزارات متروكة لكي يحتلها الإرهابيون ، علاوة على الضغط المتواصل للإعتراف بهم رسميا والتفاوض معهم لإعادة ترتيب العملية السياسية وفق مشيئتهم وإطلاق سراح قتلة الشعب العراقي من السجون .
إ ذن فهؤلاء لم يشاركوا في الإنتخابات،طبعا لكي يكونوا القوة الرادعة لإنتقال السلطة إلى غيرهم . أما نحن فمنعنا من المشاركة في الإنتخابات لكي يجري إسقاطنا من العملية السياسية تماما ونهائيا .
فالإنتخابات هذه أفرزت في الواقع نتائج قد تؤدي إلى تقويض ما كانت تصبوا إليه المعارضة العراقية أبان العهد الدكتاتوري البائد، وهو إقامة نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي , ولاشك إن بدايات هذا التوجه أصبحت واضحة عندما جرى حذف أهم فقرة من القسم الذي أدته حكومة الجعفري وإقصاء الأيزيدية والصابئة من حكومة الوحدة الوطنية ، من هنا بدأت الأحزاب الشيعية تتراجع وكما كان متوقعا على الأقل بالنسبة أليَ من وجهة إقامة نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي وتحريك العربة بسرعة غير متوقعة نحو تكريس نظام طائفي يدفع بالعراق إلى الإنغلاق على الآخرين من القوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية وحرمان مكونات الشعب العراقي الأكثر أصالة وبشكل خاص أبناء الديانات الإيزيدية والصابئة والمسيحية من حقوقها في المجالات المختلفة ، والتي سكتت عنها للأسف الشديد القائمة الكوردستانية إلا عن كلمة الفيدرالية دون كلمة الديمقراطية، وخصوصا إنها الشريك في حرمان الإيزيدية من الوزارة وفقدانهم لها ، لأن الجعفري تفاوض مع القائمة الكوردية دون أن يجد إيزيديا للتفاوض معه ولم يكلف الرجل نفسه عناءا للسؤال عنهم فيما إذا كان يتصرف صحيحا أم لا أتجاه هذه القضية ، لأنها أي القضية كانت قد حسمت أساسا باعتبارهم أكرادا وبالتالي حقوقهم مضمونة دون أي نقص ولو على قيد شعرة واحدة لدى القائمة الكوردية باعتبارهم الأصل والفصل .

ومن هنا وعندما وصلت القضية وانحصرت في القائمة الكوردية والتي كانت حصتها ثمانية حقائب وزارية متوزعة بين الحزبين ، حصة كل حزب اربع حقائب ، تكون القضية قد اصطدمت بجدار منيع ، ألا وهو من من الحزبين يتنازل لأجلنا بحقيبة ،؟ في الواقع كان الأمر صعبا جدا ، فكل شئ ، ولاحقيبة وزارية تخل بالتوازن المعتمد عليه في كوردستان، 50 % لك و50% لي !
وبهذا فإن حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها الجعفري استندت على اسس وطنية غير أسسنا ، وخصوصا نحن نحلم وسنظل نحلم بها إلى أن تتحقق ، ولكنها لن تكون أسس الجعفري ولا أسس القومجية المتعصبين ، بل أسس تلتقي مع أسس كل الخيرين والديمقراطيين والمؤمنين بالتعددية والذين يصبرون على الانتحار إن أصبح يوما وعن طريق الصدفة إيزيديا رئيسا لدولة العراق، كما حصلت معجزة مام جلال ذلك الكوردي المناضل

الإيزيديون والذكرى الثانية
لسقوط الصنم

ناظم ختاري
بعد عملية الإطاحة بالنظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان عام 2003 اثرحرب خاضتها جيوش التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، توفرت للشعوب العراقية فرصة المشاركة في العميلية السياسية التي أطلقت أثر هذا السقوط والتي استهدفت بناء عراق جديد يوفر حقوق كل المواطنين في مختلف مجالاتها وبغض النظر عن انتماءاتهم . وهنا وبعد أن جرى اجهاض عملية عقد مؤتمر وطني تنبثق منه حكومة وطنية تقود البلاد إلى وضع قانوني ، وذلك اثر صدور قرار مجلس الأمن المرقم 1483 الذي تحولت بموجبه قوات التحالف، إلى قوات إحتلال التي أطاحت بالنظام القمعي والأكثر همجية والذي حول العراق خلال أربعة عقود من حكمه الشائن، من بلد كان يمكن له أن يكون في مصافي الدول المتقدمة من على هذه الأرض الجميلة إلى خربة لامثيل لها، وجعل أبناءه يعيشون أفضع المآسي والتي لايمكن نسيانها إلى الأبد مثل مجزرة حلبجة الرهيبة والمقابر الجماعية المنتشرة في كل مكان، إضافة إلى أهوال الحروب التي خاضها وضحاياها التي لاتقدربسهولة ، وإرتباطا بهذا القرار جرت مشاورات مكثفة من قبل الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر مع القوى السياسية التي وجدها هي الأفعل على الساحة العراقية لغرض تشكيل مجلس الحكم والذي أنجز في نهاية المطاف على أية حال ، ولما كانت المشاورات تستهدف إشراك كافة مكونات الطيف العراقي من خلال هؤلاء الفاعلين، كانت النتائج مخيبة للآمال بالنسبة إلى أبناء الديانة الإيزيدية الذين حرموا من المشاركة في تكوينة المجلس، إلى جانب كافة المؤسسات المنبثقة منه ، وبموازات هذا، أصبحت مناطقنا تعاني المزيد في كل جوانب حياة أبناءها إبتداءا من الماء والكهرباء والمحروقات ومرورا بالمواد الغذائية ووصولا إلى الحريات العامة والخاصة ، هؤلاء الذين تحركوا منذ البداية على أمل اقناع القوى السياسية العراقية وخصوصا الكوردية بضرورة اشراك أبناء هذا الطيف العراقي الأصيل في العملية السياسية الجارية ، نظرا لما تتطلبها مستحقات المرحلة و ارتباطا بالتضحيات الجسيمة التي قدموها في طريق النضال من أجل الحرية والمساهمة الفاعلة في الكفاح ضمن صفوف الحركة الوطنية العراقية والحركة التحررية الكوردية وخصوصا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ,ولكنه يبدو إن الأمر هذا لم يكن يعني شيئا بالنسبة إلى مجموع القوى السياسية العراقية التي تعمدت إسقاط هؤلاء من المشاركة في العملية السياسية، والجري نحو انتزاع المزيد من المكتسبات على أسس طائفية وقومية وعشائرية وعلى أساس توازن القوى بين أقوى هذه الاتجاهات في الحياة السياسية الجديدة . ومما لاشك فيه إن هذا الأمر ترك آثاره السلبية على مجمل العملية السياسية في البلاد وعلى مجمل مسارات حياة الجماهير العراقية المتعطشة للحرية والديمقراطية والحياة الحرة الكريمة ومن بينها أبنا ء مناطقنا الذين أصبحوا يعانون أوضاعا صعبة بعد أن تعرضوا إلى الكثير من العمليات الإرهابية التي انتشرت على كامل الأرض العراقية ، حيث فقد هؤلاء أرواح المزيد من أبناءهم على يد ارهاب البعث الذي استطاع تنظيم نفسه بشكل جيد وعقد تحالفاته مع قوى الظلام السلفية والجماعات الإرهابية العراقية الأخرى و المحيط العربي المتخم بالإرهاب وجماعات القاعدة التي وجدت لنفسها أخصب أرضية لممارسة بشاعاتها ضد الشعوب العراقية ، الأمر الذي أجبر شبابنا المكوث في بيوتهم دون عمل ودون مورد وعدم فتح أبواب العمل أمامهم إلا بشكل محدود في مناطق كوردستان التي تحررت من الدكتاتورية قبلا . ومما يؤسف له جدا إن العاملين في مناطق كوردستان من شبابنا يتعرضون إلى صنوف كثيرة من سلب حقوقهم وذلك من خلال التنكر لأجورهم أو غير ذلك ، قبل أيام قليلة كنت أتحدث إلى صديق عزيز علي عمل لمدة شهر في احد مكاتب تأجير الحراس لحماية الشاحنات التركية المتوجهة إلى بغداد ، قال خلالها بمرارة ، إنهم امتنعوا عن دفع اجورنا كاملة وكما جرى الاتفاق عليه وحصلنا على أقل من نصف راتبنا . فبادرته بسؤال لماذا لاتقدمون شكواكم إلى السلطاتَ،؟ فقال تتصور أين أكون أنا ..! وقال أنا في العراق وهولايزال.... نعم قال لاجدوى من ذلك لأن هذه المكاتب تعود لهم ، فعلاوة على التنكر لرواتبنا قاموا بتهديدنا بالسجن إن تكررطلبنا لحقنا . ، ولابد أن أورد هنا مثالا آخرا خرق بشكل صارخ حقوق الإنسان الإيزيدي وهو مثال الصحفي عدي حسن دون أن أعلق عليه لأنه من يرجع إلى بحزانى نت ويتمعن في وجه عدي المهشم والمسحوق ، سيجد ما يريد قوله بهذا الشأن إن حالفته بعض الأشياء....!.
لاشك إن واقعا سياسيا واجتماعيا غير صحي كهذا سيكون كفيلا بأن يؤجل حماس أبناء مناطقنا للعملية السياسية وسيكون سببا قويا لإحباطهم لما آلت إليه الأمور بغير ما كانوا يتوقعونه من تغيير فيما بعد الدكتاتور الأكثر إجراما صدام حسين ، لأن ما حمل الأحزاب العراقية عامة في فترة مجلس الحكم ،على ذلك الشكل من التعامل مع أبناء الديانة الإيزيدية لم يتغير حتى بعد تشكيل الحكومة برئاسة علاوي التي جاءت على أعقاب إنهاء الاحتلال وتشكيل هيئة الرئاسة بقيادة السيد الياور، والتي عملت بمجموعها على ضرورة إجراء الانتحابات العامة بإملاء من السيد السيستاني و التي حرم منها الأغلبية الساحقة من مناطق تواجد الإيزيدية إلى جانب اخوتهم من المسيحيين والشبك ، الأمر الذي لم يحرك أي شيئ في مجموع القوى السياسية العراقية بما فيها الأحزاب الكردية بالرغم من الحملات الإعلامية المتكررة التي ناصرت مطاليب أبناء هذه المناطق التي أطلقوها في مظاهراتهم وغيرها من الأنشطة التي كانت تدعو إلى إنصاف هؤلاء المحرومين من العملية الانتخابية. وإن السكوت المطبق و المروع من قبل الجميع والذي صاحب الجريمة كان دليلا قاطعا على ضلوع القوى المتنفذة على مستوى كل العراق فيها.
من هنا أتحمس للقول ونحن نودع السنة الثانية لسقوط امبراطورية الرعب .
1- إن مناطقنا لازالت تعاني مثلما كانت تعاني في السابق وفي الجوانب الأساسية من حياة أبناءها ، وليس صادقا من يقول إن هذه المناطق تحصل على إستحقاقاتها .

- فالفقر لايزال ضيفا ثقيلا ودائما على قطاعات واسعة من شرائح أبناء هذه المناطق ، وهي لاتحصل على غير الحصة التموينية التي تفتقر إلى الكثير من المواد الغذائية الأساسية، ولاشك إن هذه القطاعات كان يمكن لها أن تكون أوسع كثيرا لولا المساهمات والمساعدات المالية التي تتلقاها من أبناءها في دول اللجوء ومن الجدير بالقول إنها ربما تتوقف بسبب التهديدات المستمرة بتسفير هؤلاء إلى العراق من لدن سلطات دول اللجوء .
- والبطالة لازالت تنتشر بشكل واسع في القرى والبلدات الإيزيدية وذلك لأسباب عديدة ومنها الإرهاب الذي يستهدف مصادر رزق أوساط واسعة منهم وهو مجال التعامل بتجارة الكحول ومرة أخرى كونهم إيزيديون، بالإضافة إلى عدم فتح أبواب العمل لشبيبة هذه المناطق في كوردستان التي تزدهر فيها مختلف الأنشطة التجارية والعمرانية وما إلى ذلك والتي بمقدورها استيعاب المزيد من الأيدي العاملة من أبناء هذه المناطق الباحثين عن العمل .
- لازالت هذه المناطق تفتقد بصورة شبه كاملة إلى أبسط المستلزمات الخدمية كالماء والكهرباء والهاتف والطرق والجسور ، ناهيك عن عدم التفكيرمن قبل السلطات في رسم سياسة اقتصادية أو قيام بعض المشاريع الإنتاجية لكي تكون سبيلا عمليا لتنمية المنطقة في الجانب الإقتصادي والإجتماعي . وفي هذا المجال كنت قد طرحت ما يشبه برنامجا متكاملا نشرته صحيفة بحزانى نت في العام الماضي تحت عنوان (سبل النهوض بالواقع الإجتماعي والاقتصادي في مناطق الأيزيدية ) لازلت مقتنعا بأنه يشكل أساسا صالحا لمعالجة مجموع القضايا التي تواجه الإيزيدية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
2- وفي جانب آخر أجد من الضروري الإشارة إلى الآلية السياسية في التعامل مع أبناء الإيزيدية والتي أتخذت الإتجاهات التالية .
- حرمان أبناء مناطقنا من المشاركة في العملية الانتخابية كان له أثره السلبي جدا على شكل علاقتهم بالعملية السياسية على مستوى كل العراق ، والذي استهدف ضمن ما استهدفه هو استثناءهم من المشاركة في الحياة السياسية والإدارية على مستوى محافظة نينوى الأمر الذي أشار بوضوح تعصب وتطرف القوى التي ساهمت في هذه العملية ، هذا من جانب ومن الجانب الآخر لم يجد أبناء هذه الديانة الفرصة لأختيار ممثليهم وترشيحهم للانتخابات ، ولكنهم وجدوا أ نفسهم أمام خيارواحد فقط وهو قبول مرشحي الأحزاب الكوردية وبالتالي فإن عملية تمثيلهم في الجمعية الوطنية العراقية لم تأتي ضمن استقلالية قرارهم ، ولذا فأن الدفاع عن حقوقهم التي ينبغي التأكيد عليها في الدستور العراقي الدائم سيكون ضعيفا لآنه مرهون بالمواقف السياسية للأحزاب ، وسرعان ما تتغير المواقف وفقا للمصالح الضيقة في أغلب الأحيان للأسف الشديد .
- التضييق على الحريات المدنية والسياسية ومحاصرة رياح الديمقراطية التي هبت بزوال الدكتاتورية وتحجيم ممارستها إلا بالحدود التي تخضع لمصالح الأحزاب التي تمسك بزمام الأمور في مناطقنا، فهي تلجأ بشكل مطلق إلى شراء الذمم والاستفادة من الذين قدموا خدماتهم إلى أجهزة الأمن والمخابرات في عهد النظام البائد ، واعطاء الأولوية إلى الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الأحزاب في التعيينات والتعويضات وإيجاد فرص العمل وغيرها .وممارسة القمع والتعسف في الكثير من الأحيان ضد أبناء هذه المناطق.
3- العلاقات البينية في المجتمع الإيزيدي وهي تتميز بما يلي وفق وجهة نظري.
- في الكثير من الأحيان تخضع هذه العلاقات لشكل الصراع الدائر بين الحزبين فتجد إنقساما واضحا بين كل شرائح المجتمع الإيزيدي تصل بهم إلى حد القطيعة في أغلب الأحيان.
- لا توجد في طليعة المجتمع الإيزيدي قيادة تحمل رؤية واضحة بشأن مستقبله فقيادة الإمارة و القيادات الدينية أصبحت تنحاز إلى الأحزاب وتنخرط في صفوفها وهي لاتدرك في الواقع خطورة السير واللهاث وراء مصالح آنية . وإلى جانب هذه المسألة لم تستطع أية قيادة أخرى من الإيزيدية وكل الذين ينتمون إلى الأحزاب الكوردستانية أن يثبتوا الجدارة في نيل ثقة أبناء هذه الديانة لنفس الأسباب والأنانية المفرطة والثراء الغير مشروع على حساب المعدومين منهم .
- شريحة واسعة من الشبيبة الإيزيدية المثقفة أصبحت تدرك مصلحة أبناء هذه الديانة ، وهي تتحرك بشأنها ، والآن يجري جدل أخذ مسارا صحيحا بشأن الكثير من المسائل العقدية ، مثل حقوقهم التي ينبغي أن يعتمدها الدستور العراقي القادم والدائم إلى جانب ما يتعرضون له من ممارسات سياسية مجحفة وهضم لحقوقهم في المجالات المختلفة ، مع الإشارة إلى قضية مهمة جدا وهو النقاش الساخن والدائر بشكل سليم أزاء ضرورة أوعدم ضرورة قيام حزب خاص بالإيزيدية وشكل هذا الحزب وأهدافه و الذي سأشترك فيه وأقصد في النقاش بمقال آخر في الأيام القادمة

سبل النهوض بالواقع الإجتماعي والإقتصادي
في مناطق الإيزيدية
ناظم ختاري
يمتهن أبناء الديانة الإيزيدية منذ القدم الزراعة بالدرجة الرئيسية بشقيها النباتي والحيواني , و مهن أخرى لم تتوسع كثيرا بسبب الحصار الإجتماعي المفروض عليهم منذ ظهور الإسلام ولحد يومنا هذا الأمر الذي انسحب على الجوانب الإقتصادية والثقافية وما الى ذلك ؛ حيث إنحصر أبناء هذه الديانة في مناطق تستعصي على الحياة الطبيعية التي تؤهل المجتمعات وتوفر لها سبل التقدم فكانت المناطق القاحلة والمعدومة المياه والغير مضمونة ألأمطار والبعيدة عن المدن والمناطق التجارية ملاذا لهم بوجه حملات القتل والإبادة الجماعية التي كانوا يتعرضون لها على يد الإسلام و الامراءو الحكام في الإمارات والولايات التي كان يتواجد فيها أبناء هذه الديانة أو القريبة منهم .
و بما أن الزراعة وتربية الماشيةكانت مهنة أسر هذه المجموعة البشرية والمصدر الأساسي لإقتصادياتها ساحاول التطرق ولو بشكل سريع الىالعوامل التي أثرت و تؤثر عليها ؛ فهنالك مساحات واسعة يعيش فيها أبناء هذه الديانة تقع جنوب الخط المطري العاشر أي إنها تعتبر مناطق غير مضمونة الأمطار وخصوصا في قضاء سنجار التي تتعرض لمعانات و محن جمة في كل عدة سنوات حيث تتعرض فيها المنطقة الى الجفاف وعندها يكون المحصول متدنيا والثروة الحيوانية فيها تتعرض الى الهلاك؛ ومن المعروف إن زراعة الحبوب في العراق تعتمد بالدرجة الأساسية على مياه ألأمطار . أضف بأن المناطق الاخرى مثل الشيخان وتلكيف وسميل وبأقل منها زاخو تتعرض الى نفس المعانات عندما يعم الجفاف العراق كله وفي كل الأحوال فإن أغلب مناطق تواجد الإيزيدية بعيدة عن مصادر المياه الطبيعية مثل الينابيع والأنهر وحتى القريبة منها الى بعض المصادر المائية كنهر دجلة مثلا فإنها معدومة من أي قنوات للرئ . علما هنالك البعض القليل من قرى هذه المناطق كانت تعتمد في الزراعة وتربية ثروتها الحيوانية التي تتكون من قطعان ألأغنام وألأبقار والتي تقتسمها أسر هذه المناطق؛ على بعض الينابيع وألأنهر الصغيرة كمنطقة السولاغ في سنجار مثلا ؛ حيث كانت قرى عديدة في هذه المنطقة الى جانب محاصيل متنوعة تشتهر بزراعة القطن معتمدة على نهرالسولاغ ؛ وهنالك منطقة (كه رسى ) في ناحية الشمال من قضاء سنجار والمشهورة بزراعة أشهر أنواع التبوغ في العراق .ولا تفوتني الى أن منطقة سنجار تشتهر بأفضل أنواع التين ربما على المستوى العالمي ولو جرى الإهتمام بهذه الزراعات من قبل الدولة لساهمت بشكل فعال في تطوير جوانب حياة أهل هذه المنطقة ؛ولكنها أي الزراعة تعطلت وتربية الحيوانات أهملت فيها بسبب إجبار السلطات أهالي المنطقة على ترك قراهم وبالتالي إيقاف هذا الجانب الحيوي من النشاط الإقتصادي لأسر هذه القرى مما أدى الى زيادة البطالة المتفشية أصلا في منطقة سنجار بين أبناء الديانة الإيزيدية ؛ واعتمدت قرى أخرى في منطقة الشيخان على بعض المصادر المائية القليلة التدفق كقصبتي بعشيقة وبحزانى التي اشتهرت بزراعة الزيتون والبصل بالدرجة الأساسية إضافة الى محاصيل أخرى كالحبوب الى جانب تربية الماشية ؛ ومن المعروف إن أسر هذه المنطقة امتهنت الصناعة الزراعية فكانت تنتج أفضل أنواع الصابون الزيتي وزيوت الزيتون إضافة الى كون هذه المنطقة كانت معروفة في صناعات الغزل والنسيج معتمدة على ورش صغيرة كانت تمتلكها العديد من أسر ها ولازالت صناعة المشروبات الكحولية والمخللات والراشي وغيرها من المهن والأعمال مزدهرة في هذه المنطقة و هي ما لم تكن موجودة في أي منطقة أخرى بين الإيزيدية بالرغم من انتقالها المحدود الى مناطق أخرى في الفترات الأخيرة . وهنالك بعض المساحات الصفيرة من أراضي مركز منطقة الشيخان أي عين سفني تعتمد على مصادر اروائية ومحاصيلها لاتتعدى كميات قليلة من الرز و الطماطم وهكذا ألأمر بالنسبة الى قصبة باعذرة وقريتا النصيرية و الجراحية . ومن الجدير بالذكر إن الثروة الحيوانية في قرى حتار ة ودوغات وسريشكة وبيبان ومناطق عديدة من سنجار كانت ولازالت تلاقي صعوبات حقيقية في البقاء أو التكاثر أو الإنتاج بسبب شحة المياه وقلة المراعي ومعدومية العلف ولاسيما في سنوات الجفاف التي كانت تحل بالمنطقة أو العراق كله .
و إرتباطا بما جرى الحديث عنه وبشكل سريع يمكن التاْكيد على ان اقتصاديات الأسرة الإيزيدية وبشكل عام كانت تتكون من بعض الأراضي الزراعية وعدد من رؤؤس الأغنام أو بقرة واحدة وربما عدة أبقار وبعض الدواجن ؛ إضافة الى ما جرى التاْكيد عليه حول خصوصية قصبتي بعشيقة وبحزانى من وجود واقع إقتصادي أفضل فيها بسبب ممارسة أسرها لعدة مهن جرى الحديث عنها في سياق هذه ألأسطر . وهذا لا يستثني من أن العديد من العوائل الإيزيدية كانت ولازالت معدومة لاتملك غير قوة عملها كانت تستخدمها للحصول على لقمة عيشها وفي المقابل كانت هنالك عوائل أخرى متمكنة ومالكة تستغل قوة عمل الآخرين في إستثمار إمكانياتها وأملاكها وزيادة ثرائها على حساب هؤلاء المحرومين .
وهنا لابد من الإشارة الى أن هذه الإقتصاديات بقييت محصورة في منطقتها ومحدودة الإنتشار وغير قادرة في التاْثير و التفاعل مع محيطها وذلك لسبب أساسي ألا وهو الموقف السلبي من الوسط الإسلامي في التعامل مع ابناء هذه الديانة ومقاطعة بضائعها وخصوصا المنتوجات الحيوانية كالأجبان والألبان وغير ذلك بالإضافة الى المواد الغذائيةالأخرى وخصوصا إذا كانت مصنوعة محليا على يد الإيزيديين و اللحوم بشكل خاص . ولحد الآن لايستطيع أي ايزيدي أن يستثمر أموالا في مطاعم البلاد بطولها وعرضها أو أن يعمل فيها ومثل هذا الأمر يدعو الى الأسف الشديد لأنه يضييق على أبناء هذه الديانة فرص العمل أو الإستثمار أو ما الى ذلك . والى جانب هذا هنالك أسباب أخرى منها ما يتعلق بالسبب الآنف الذكر وأقصد موقف الحكومات التي تعاقبت على الحكم والتي اعتمدت الدين الإسلامي بإعتباره الدين الرسمي للدولة مما كان يؤدي الى التعامل مع أبناء هذه الديانة بإعتبارهم مواطنين من الدرجة ربما العاشرة وخصوصا في فترة نظام القمع والإرهاب الذي ولى والى الأبد؛ دون أن تاْخذ هذه الحكومات بنظر الاعتبار حق المواطنة لهؤلاء الناس وانتماءهم الى هذا الوطن . وبذلك كانت المناطق الإيزيدية تحرم من كل ما كان ينبغي أن تحصل عليها من خدمات .و هنالك أسباب اخرى منها ما يتعلق بطبيعة المناطق التي يعيش فيها أبناء هذه الديانة ؛ التي يشح فيها الماء وعدم صلاحية أراضيها للتنوع الزراعي وما الى ذلك .
ويتواجد أبناء الديانة الإيزيدية في عدة أقضية من كوردستان العراق وهي سنجار والشيخان وسميل ووزاخو و يعيشون في الغالب في مجمعات قسرية أقامها النظام الدكتاتوري البائد بعد أن قام بتدمير قراهم وإجبارهم على العيش في هذه المجمعات دون توفير أدنى شروط الحياة الطبيعية إضافة الى هجرة أعداد منهم الى بعض المدن كدهوك والموصل وبغداد بحثا عن العمل أو بسبب الا رتباط الوظيفي وبعد الإنتفاضة التجاْت أعداد منهم الى مدن كوردستان ومنها الى بلدان اللجوء التي انتشرت فيها المئات من شبيبة الإيزيدية وخصوصا في ألمانيا ؛ أما طلبا للأمان أو بحثا عن العمل مرة أخرى ؛ و الجدير بالذكر يتراوح عدد أبناء هذه الديانة من 500- 700 ألف نسمة . ومما يؤسف له لاتوجد أي إحصائية رسمية تؤكد هذا الرقم أو غيره من ألأرقام ؛ غير تقديرات بعض المهتمين اعتمدت على البطاقات التموينية .
وبالرغم من التطورات الإجتماعية و الإقتصادية و الازدهار الذي شهدته مختلف مناحي حياة العراقيين بشكل عام قبل الحروب التي خاضها نظام صدام المقبور وخصوصا في منتصف السبعينات و ابان خطط التنمية الإنفجارية التي كانت تطلقها الحكومة أنذاك فقد كان نصيب مناطق الإيزيدية منها معدوما ؛ مما اضطرت أوساط واسعة من الشبيبة الإيزيدية الي النزوح الى بغداد و مناطق الجنوب بحثا عن العمل فوجدوا أنفسهم يعملون في المؤسسات الخدمية كالفنادق ودور الاستراحة ومحلات الشرب التي كانت الوحيدة التي فتحت أبوابها لهذه الأوساط والتي كانت تلتهم المزيد منها وتسحبها من المدارس والمعاهد لعدم وجود أي مصدر معيشي آخر لعوائلها وكذلك كانت تسحب المزيد أيضا من أماكن العمل الأخرى وخصوصا من مجالات الزراعة التي أصبحت غير قادرة على توفير لقمة العيش للأغلبية الساحقة من الفلاحين ؛ و لابد أيضا من الإشارة الى الإزدهار الذي تشهده مناطق كوردستان منذ أن أجبرت قوى الإنتفاضة الشعبية في أذار عام 1990 إدارات النطام على الإنسحاب من ألأقليم ولاسيما بعد سقوطه على يد جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول التحالف الاخرى ؛ بقيت مناطق تواجد الإيزيدية ضحية سياسة شوفينية همجية انتهجها النظام الدكتاتوري السابق في بغداد والذي تمادى في تحريم هذه المناطق من حقها في الحصول على توفير أبسط الخدمات وكذلك السبل الكفيلة التي تؤدي الى النهوض بواقع هذه المناطق في المجالات الحياتية المختلفة ؛ وضياع مناطقهم بين أن تكون تابعة لإدارة الدولة المركزية أو لإدارة حكومتي أقليم كوردستان الفيدرالي؛ إضافة الى النظرة الضيقة والحسابات الخاطئة التي ينتهجها الحزبان الكورديان مع الواقع في مجالاته المختلفة لهذه المناطق التي تعاني المرارات في أغلب مناحي حياتها ؛ فبالرغم من حرمان هذه المناطق من أبسط الخدمات الضرورية مثل الماء والكهرباء ومشاريع البناء وبناء الطرق و تبليطها والرئ والزراعة والتعليم وكل شئ آخر بالإضافة الى البطالة المتفشية بين شبيبة هذه المناطق؛ ولا نبالغ لو قلنا بأن هذه المناطق هي الأكثر تخلفا في العراق من حيث الخدمات؛ نعم والأمر لايحتاج أبدا الى أرقام كي اوردها هنا حتى تصبح الصورة واضحة ؛بل وإن كل ما أريد قوله هو إن الأكثرية الساحقة من قرى ومجمعات الإيزيدية بل كلها لاتوجد فيها شبكات الصرف الصحي على الإطلاق ؛ولا يوجد فيها وأقصد أزقتها وشوارعها الداخلية ولو متر واحد من التبليط إلإ في القليل من تجماعاتها؛ ولا توجد فيها شبكات توزيع المياه ناهيك عن معاناتها المرة من شحة المياه وقد لاتجد قط ابن هذه المنطقة ارتشف ماءا دون أن يكون خليطا من الشوائب والأوساخ ؛ ولاتوجد فيها مراكز صحية قادرة على معالجة أي مرض عدا نزلة برد ؛ وربما لم يسمع أطفالنا في هذه المناطق قط بروضات الأطفال ؛ وحدث ولاحرج عن البطالة المتفشية بين الجميع في هذه المناطق الأمر الذي يعكس بوضوح مدى فقر الأغلبية من ناسها ولاتوجد فيها مدارس ابتدائية كافية تستوعب أبنائها و و و و و الخ ! بالإضافة الى أن هنالك قرى ربما تنعزل عن محيطها من القرى والبلدات الأخرى في مواسم الأمطار لعدة أيام بسبب عدم وجود طرق صالحة توصلها بها ؛ نعم بالرغم من كل هذا فإن الحكومتان الكورديتان في السليمانية وأربيل تتعاملان مع مشاكل هذه المناطق وفق سياسة الحزب الذي تمثله و التي تتلخص في شراء ذمم وجهاء ورؤؤساء العشائر الإيزيدية ورؤؤساءهم الدينين والشخصيات الإجتماعية والثقافية و وفق مبداْ التصارع من أجل النفوذ ؛ دون أن تضع نصب أعيينها مصالح الأغلبية الساحقة من أبناءهذه المناطق التي قدمت الغالي والنفيس في طريق عراق من دون صدام؛ عراق ديموقراطي؛ عراق تتمتع فيه الأقوام والأديان بكل حرياتها ؛ ومتناسية تلك المعانات التي أشرت اليها اعلاه؛ هذه السياسة التي لم ولن تكون بديلا عن ضرورة التوجه الجدي والحقيقي لتغيير ذلك الواقع المر الذي يعيشه أبناء الطائفة الإيزيدية و إشباعهم خبزا وماءا وإخضرارا وعلما وثقافة والخ .
وبعد كل هذا فإنني أعتقد إن هذه المناطق تحتاج الىحلول جذرية تؤهلها للتفاعل مع بقية مناطق كوردستان بشكل خاص والعراق بشكل عام ومواكبة التطورات فيها . ولاشك إن أبناء هذه الديانة على أتم الإستعداد للخوض في هذا المشوار حيث لم يكونوا يوما ما يرغبون في الوقوف على هامش الحياة في مجالاتها المختلفة ؛ فيقف بين شبيبتها العديد من الكوادر العلمية المتخصصة والمؤهلة والتي قدمت وتقدم خدماتها من أجل العراق الجديد ؛ ناهيك عن الكوادر الإجتماعية والسياسية التي يمكن لها أن تكون رجالات دولة يعتمد عليها . ولكنها أي المناطق هذه تحتاج الى إمكانيات الدولة بحكوماتها الثلاث بما أنها تقع جغرافيا ضمن أقليم كوردستان ؛ وألأقليم بدوره يقع ضمن الحدود السياسية للعراق ويكون جزءا فيدراليا فيه فإن كل الحجج التي تطرح بخصوص تبعية هذه المناطق الى هذه الإدارة أو تلك ما هي إلا تنصل من المسؤؤلية إزاء أبناء هذه المناطق. و لتحقيق الحلول والمعالجات الجذرية والكفيلة ولغرض تنمية هذه المناطق فإن الأمر يحتاج الى تظافر الجهود بينها . و أن تنصب جهودها في الإتجاهات التالية .
1-البدء بحملة واسعة من أجل القضاء على البطالة المتفشية بين شبيبة قرى وتجمعات هذه المناطق من خلال توفير فرص العمل اللائقة لهم وتشغيلهم في مشاريع إعادة البناء والإعمار وتعيين الموظفين منهم في مؤسسات الدولة المركزية منها والفيدرالية وتجنب التمييز الذي يحصل الآن في قبولهم في سلك الشرطة والجيش وأجهزة الأمن وما الى ذلك .
2-البدء بحملة إعمار واسعة في هذه المناطق على أن تشمل بناء شبكة من الطرق و تبليطها و التي تربطها بالبعض الآخر و بالمدن والمناطق المحيطة بها؛ وبناء شبكات مياه الشرب و الصرف الصحي وإيصال خدمة الهاتف التي تنعدم فيها تماما وتبليط الشوارع والأزقة الداخلية وبناء دور سكنية لأبناء هذه المناطق إذ أن نسبة كبيرة منهم يسكنون في بيوت طينية خالية من كل الشروط الصحية والخدمية وغيرها من شروط الحماية من الكوارث الطبيعية وما الى ذلك .
3- إطلاق حملة لبناء المدارس الإبتدائية وبما يتناسب عدد التلاميذ والأخذ بنظر الإعتبار زيادة عددهم في كل سنة ؛ بالإضافة الى بناء المدارس المتوسطة والثانوية التي تفتقر اليها الأغلبية الساحقة من قرى ومجمعات المنطقة طبعا حسب الحاجة الفعلية لمجموعة من القرى أو المجمعات وتوفير كل المستلزمات العلمية الضرورية فيها وبما يتناسب روح العصر والتطور العلمي . هذا إضافة الى إستحداث معاهد مهنية تكون كفيلة لتنشيط الحركة العلمية في المنطقة وتبادلها فيما بينها وبين مدن المنطقة وهذا بدوره يؤدي الى خلق الروابط وتعزيزها بين أبناء هذه المناطق والأخرى المحيطة بها و بالتالي تخفف عن المدينة وتساهم في تطوير ريف هذه المناطق وفي الوقت نفسه فهي تذلل مصاعب خريجي ثانويات المنطقة من خلال الالتحاق بمعاهد المدن . وفي هذا السياق أيضا لابد من الإشارة الى ضرورة إنشاء مراكز لشبيبة هذه المناطق وذلك لتنشيط الحركة الفكرية والرياضية والمعلوماتية والإجتماعية و لإشاعة الثقافة الديموقراطية في صفوفها بعيدا عن التحزب والسياسة .ولا شك إن إنشاء رياض الأطفال ستكون ثورة مهمة في مجال تربية الإنسان الذي سيحتاجه العراق الوليد .
4- و في طريق تعزيز الروابط بين هذه المناطق والمناطق الأخرى من كوردستان بشكل خاص والعراق بشكل عام وخلق حالة من الإندماج وعلى أسس سليمة في المجتمع؛ لابد من خلق حركة اقتصادية وإيجاد دورة متكاملة لهذه الحركة فيها . ولا يتحقق هذا إلا عن طريق رعاية المهن الموجودة في هذه المناطق وتطويرها وتوسيعها من خلال إنشاء معامل لها على أسس حديثة و توفير مستلزماتها وبما يؤهلها بالقدرة على تزويد السوق العراقية ولاسيما صناعة إستخراج زيت الزيتون والصابون وصناعة المشروبات الكحولية و المخللات نظرا لما لأهل المنطقة وخصوصا بعشيقة وبحزاني من خبرة في هذا المجال . والى جانب هذا يمكن تشييد معامل كبيرة لطحن الحبوب قادرة على تزويد السوق المحلية ولاسيما إن واردات هذه المناطق من القمح ليست قليلة وإن المناطق هذه تستوعب إنشاء معامل البلوك السمنتي وبناء مقالع الأحجار وما يرتبط بها من مهن أخرى . طبعا شروط نجاح هذه المشاريع متوفرة لو توفرت الإرادة الحقيقية لمعالجة الواقع المزري الذي تعيشه هذه المناطق . ومن هذه الشروط 1- الأيدي العاملة 2- الخبرة 3- المواد الخام وخصوصا لو جرى عقد إتفاقيات مع المناطق الأخرى من كوردستان والعراق في مجال الحصول على محاصيلهم كالزيتون والكروم والقمح 4- موقع هذه المناطق الجغرافي وتوسط قسم منها مركز محافظتي نينوى ودهوك والقسم الآخر منها وهي سنجار تقع على الحدود بين العراق وسوريا و الكثافة السكانية فيها تؤهلها لقيام مثل هذه المشاريع .
5- ونظرا للموقع الجغرافي لهذه المناطق والذي أشرت إليه فيما سبق ؛ يمكن إقامة مشاريع تجارية فيها مثل بناء أسواق تجارية ضخمة و على الطرق الرئيسية فيها .
6- وفي المجال الزراعي وهو الأهم بين كل ما ذكرته فإن هذه المناطق تحتاج الى إلإجراءات التالية .
- ولأجل تحقيق التتنمية في هذا المجال الحيوي في حياة الناس لابد من الإسراع في تنفيذ مشروع سد أسكي موصل الإروائي ؛ و إن خصوصية الإسراع بتنفيذه تتمثل بقدرته على – إرواء مايزيد على عشرة ملايين هكتار من الأرض في المناطق الغير مضمونة الأمطار والتي تشمل أغلب المناطق التي يتواجد فيها الإيزيديون وهي موضوع بحثنا . إضافة الى توفير المزيد من الطاقة الكهرومائية النظيفة والرخيصة ؛ وإيجاد مساحات شاسعة من رقع خضراء في هذه المناطق الجرداء أساسا ؛ وكذلك يساعد على زراعة الكثير من أنواع الفواكه والخضراوات ناهيك عن قدرته على إنتاج الاكتفاء الذاتي من الحبوب لكل العراق وكذلك يؤدي الى زيادة الثروة الحيوانية وبالتالي فإن تنفيذ هذا المشروع يكون قادرا على توفير عشرات الآلاف من فرص العمل الحقيقية المنتجة لأبناء هذه المناطق .
وبقدر ما يتعلق الأمر بمناطق تواجد الإيزيدية وعلاقتها بالمشروع الآنف الذكر ينبغي القول بأن هذا المشروع كان يشمل هذه المناطق تقريبا بصورة كاملة سواء كانت ضمن مشروع رئ منطقة الجزيرة الجنوبية والتي تشمل منطقة جنوب سنجار ؛ أو مشروع رئ منطقة الجزيرة الشمالية والتي تشمل مناطق كثيرة من شمال سنجار والشيخان وسميل وتلكيف.
- مكننة الزراعة على الأسس الحديثة .
- توفير الأسمدة والمواد الكيماوية التي تساعد على زيادة الإنتاج ومكافحة الآفات الزراعية .
- دفع القروض الزراعية الى الفلاحين وبفوائد رمزية وذلك للمساهمة في تحسين ظروف زراعتهم وظروف معيشتهم .
- إعادة القرى الإيزيدية التي يحتلها العرب لحد الآن .وتعويض سكانها من الخسائر التي لحقت بهم خلال هذه السنوات التي قضوها خارج قراهم .
7- المباشرة بتعويض ذوي العوائل المؤنفلة والمناضلين من أجل الحرية والديموقراطية والحقوق المشروعة للشعب الكوردي وشمولهم بالقانون الصادر من برلمان أقليم كوردستان الذي بموجبه يتم منح قطع أرض سكنية ومنح نقدية للبناء. و الرواتب التقاعدية.
ولاشك إن تحقيق مثل هذه الإجراءات ستشكل أكبر خطوة في اتجاه النهوض بواقع هذه المناطق؛ و يتطلع إليها كل أبناء هذه الديانة .