الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

قانون انتخابات مجالس المحافظات وتوزيع الأقليات على مراتب
ناظم ختاري
تابع الجميع ، كيف ألغت الكتل البرلمانية في مجلس النواب العراقي ، المادة رقم 50 من قانون مجالس المحافظات ، الخاصة بنظام الكوتا للأقليات العرقية والأثنية والدينية ، وتابع الجميع الفعاليات الواسعة الرافضة لإسقاط هذا الحق عن أبناء الأقليات وتراجع نفس هذه الكتل عن عملية الإلغاء والتنصل من عملية تصويت أعضاءها لصالح الإلغاء ، وفي هذا الشأن قيل الكثير ، وقيل إن الأقليات هي أصل العراق وإن الدفاع عن حقوقها الدستورية والسياسية واجب كل الكتل البرلمانية وهو واجب وطني وله أولوية تفوق كل الأولويات الأخرى كالطائفية والقومية والحزبية ، وقيل إن الأمر لم يكن مقصودا ، ولكنه نجم عن خطأ ما ، ووجدنا إن غالبية مراجع هذه الكتل وقادتها وأعضاءها ، تحولوا بين لحظة وأخرى ، إلى أهم المدافعين عن هذه الأقليات ، بل إلى جزء منها ، من شدة حماسهم ودفاعهم عن حقوقها ، حتى شعر البعض منا إن عددا منهم قاب قوسين وسيتبرأ ون من انتماءهم لقوميتهم الكبيرة أو من طائفتهم المهيمنة أو من أحزابهم وسيتوزعون وفق القانون وبالتساوي ودون أي تميز على هذه الأقليات ... فمثلا ، أحدهم قد ينتمي وفق مراسيم دينية رسمية وعلى مرأى الجميع إلى المسيحية .. ولماذا لا .! فهو يفعل هذا لإلغاء التميز بين الأديان العراقية وإيمانا منه بأنه لا فرق بين هذا الدين أو ذاك ، ولتلقين الآخرين دروسا في الإخلاص لمواطني بلاده وأديانهم ، حيث كلها موجودة على أرض العراق وتنعم بخيراته وتشارك في قراره وبناءه .. وآخر ربما سيعود إلى ديانته الأيزيدية القديمة دون خشية من أحد ، لأنها ديانة أجداده ، فلا ضير على الجميع أن يعودوا إليها ويعملوا حتى في الأحزاب الدينية لهؤلاء الناس ، فلا فرق بين هذا الحزب أو ذاك ، إذ أن القانون يحمي للجميع حق ممارسة النشاط السياسي في أي حزب كان وأينما كان ، وثالثا قد يسرع إلى الصابئة المندائية طالبا منهم الصفح عنه ، وقبوله في حزب خاص بهم يبدأوا بتأسيسه في الحال ، طبعا استنكارا لقرار مجلس النواب الذي شاركت كتلته فيه وألغي بموجبه المادة رقم 50 .
وقلنا إزاء هذا إذن من فعل هذا .. من كان وراء قرار إلغاء المادة رقم 50 .. ؟؟ وقلنا ربما ... نعم ربما إن وفودا أو جموعا من الأقليات كانت تقف أمام مبنى مجلس النواب وتهتف ، لا لحقوق خاصة بنا ولاسيما نحن متساوون في كل شيء مع الآخرين ، فلا تميز بيننا وبين الآخرين ، ولا هناك قتل يستهدفنا على الهوية ولا تهجير ولا أي شيء آخر ، ونحن مثل الآخرين نصنع القرار السياسي العراقي .
كل الذي حصل من تنصل وتبريرات وخطابات ثورية مدافعة عن حقوق الأقليات وغيرها ، كاد أن يبكينا كثيرا ولأيام طويلة ، لثلاثة أسباب طبعا .
الأول ، فرحا لأن هذه الحقوق ستعود ، بعد الحمية من قبل الجميع ، وستبقى الأقليات ممثلة في مؤسسات الدولة المنتخبة وخصوصا في مجالس المحافظات التي يقع عليها عبء بناء عراق المواطن المتساوي ، مادام كل هذا الجمع السياسي العراقي يجتمع عليها وعلى أحقيتها .
والثاني ، بسبب شعورنا ، لأننا لم نقدر حق التقدير ، مدى حرص هؤلاء القادة الميامين على مصالح العراقيين وفي مقدمتهم أبناء الأقليات ، ولذلك أخطأ من منا كتب كلمة غير لائقة بحق هذا القائد السياسي أو ذاك واتهمه بالطائفية أو بالعنصرية أو غيرها من النعوت ، التي هو على بعد آلاف الأميال منها ، أو من منا خرج في مظاهرة تطالب بحقوق الأقليات في أحدى دول المهجر ، وهتف لا لضياع حقوق الأقليات .. لا للتهميش .. يا إلهي ، ضد من كتبنا وهتفنا ..؟ أضد هؤلاء قادتنا "النازكين " .. ؟ ومن منا أحرص منهم على حقوق الأقليات وبقية العراقيين .. !.
فإذا أردت أن تعرفهم بشكل جيد ، يمكنك أيها ألأقلياتي ، أن تفتش في كل دائرة من دوائر الدولة ، إبتداءا من مؤسسات مجلس الرئاسة ، وانتهاءا بآخر مجلس للإسناد ، فسوف لا تجد قطعا ولو عنصرا واحدا ينتمي إلى أحزاب هؤلاء القادة أو أي حزب طائفي آخر ، يعمل موظفا أو حتى فراشا فيها ، إذ كل العاملين فيه هم من أبناء الأقليات ... ولو دققت في حسابات كل أعضاء أحزابهم فسوف لا تجد ولا واحدا منهم يملك غير راتبه المتدني جدا وبيتا للإيجار غير صالح تماما للسكن ، معلقا في بابه ، لوحة كبيرة تقول " أعوذ بالله من الفساد ومن ملك منا نحن المؤمنون ومن أبناء الأحزاب والكتل الحاكمة أكثر من العامة" ، و لو تجولت نهارا جهارا في كل شوارع المدن العراقية بما فيها مدينة الموصل لما وجدت فردا واحدا من الميليشيا يحمل سلاحا وينغص لك فرصتك في التجوال فيها ، بل الأكثر من هذا ، سيقدمون لك ما ترغبه من حماية .. ولكن ما لك وللحماية وأنت تعيش الأمان بنسبة غير مسبوقة في كل بلدان العالم ، أما الخدمات أيها ألأقلياتي ، فحدث ولا حرج ، المولدات الكهربائية يجري شراءها على حساب رواتبهم المنخفضة وتتوزع على أبناء الأقليات ، والفائضة على باقي كادحي العراق ، وهكذا بالنسبة إلى الأدوية ومقاعد الدراسة وووووووو إلخ ، إذ يرفضوها لأبنائهم ويقدموها إلى أبناء الفقراء وفقا للقانون . ألم أقل لك إننا لم نقدر لهؤلاء حق التقدير .. وقلنا فيهم الكثير ولكنهم جاؤوا يطبطبون على ظهورنا ، يخففون عنا عبء خطأنا ، بسبب اتهاماتنا لهم دون وجه حق في هذه القضية .
أما السبب الثالث الذي جعلني أن أشعر ببكاء مر في هذه المرة أيها السادة ، ويا أبناء الأقليات العراقية ، فإنه يكمن في نفس الموضوع ، فبعد هذه التصريحات النارية من قبل جميع قادة وأعضاء هذه الكتل البرلمانية إزاء هذا الحق المضيع ، وبعد المظاهرات الصاخبة التي خرجت تنديدا لهذا الضياع والكتابات المتضامنة مع هذا الحق الضائع ، تبين إن كل الكتل التي شحنت أعضاءها كذبا بمشاعر التضامن والدفاع عن الحق الضائع ، رفضت أن تحمل معها مشروعا لحل المعضلة المتعلقة بحقوق الأقليات الانتخابية ، وتبين أيضا إن الكتل التي تمثل الأقليات والتي قلبت الدنيا ولم تقعدها هي الأخرى لم تقدم مشروعا موضوعيا للتمثيل ألأقلياتي في مجالس المحافظات ، مما حدا بالسيد خالد شواني عضو التحالف الكوردستاني إلى طرح مقترحا باسم التحالف ، يقول بصدده " ان التحالف قدم مقترحا جديدا بشأن تمثيل الاقليات في انتخابات مجالس المحافظات وسيكون الحل لقضية تمثيل الاقليات. واضاف شواني" ان المقترح يقضي بفصل قضية الاخوة المسيحيين عن الاقليات الاخرى كالايزدية والشبك لان المسيحيين كل الكتل البرلمانية تؤكد انهم لا اعتراض عليهم ولا توجد خلافات حول تمثيلهم في انتخابات مجالس المحافظات وعدد المقاعد التي يستحقونها في المحافظات وبالتالي بالامكان ان يعرض مشروع القانون بمادتين منفصلتين. "وتابع يقول "المادة الاولى تنص على حقوق المسيحيين وسيتم بشكل سلس واعتيادي لطالما لا توجد هناك اعتراضات عليه من قبل الكتل البرلمانية ويتم التصويت عليها اما بخصوص الشبك والايزديين من الممكن اجراء مناقشات حولها وايجاد الية وفصل قضية الاقليات الاخرى عن المسيحيين.واكد "تكلمنا مع الاخوة المسيحيين حول هذه المقترح وهم وافقوا على المقترح وراضون ايضا وبالتالي تبقى موافقة الكتل البرلمانية على هذا المقترح. واضاف "اعتقد انه حل مناسب لهذه القضية وخروج من مشكلة تمثيل الاقليات . "
مع تضامني المطلق لحق المسيحيين التمثيل في مجالس المحافظات ، إلى أن هذا المقترح يأتي كمحاولة لتفريق التقارب الذي حصل بين جهود أبناء الأقليات للمطالبة بحقوقهم التمثيلية ويهدف في نفس الوقت إلى التعامل مع هذه الأقليات وفق درجات تعتمد على شكل الدعم الذي تحصل عليه كل أقلية من العالم الخارجي ، "فالأقلية المسيحية العراقية" وخصوصا بعد تعرضها إلى حملة تهجير ظالمة وواسعة من مدينة الموصل حضيت بمساندة دولية وإقليمية واسعة " رسمية وشعبية ودينية" لا يمكن للأطراف العراقية أن لا تأخذها بنظر الاعتبار أو أن لا تحسب لها حسابات متوازنة ، أما الأقليات الأخرى فليس لها ظهير كهذا ، وعليه فإن أبناءها كمواطنين عراقيين يشغلون في المعادلة الحالية المرتبة الثالثة .
النضالات الجماهيرية المطلبية كفيلة بعودة الحقوق دائما .
ناظم ختاري
أثبت تراجع القوى الأساسية المهيمنة في مجلس النواب ، عن تصويتها لصالح إلغاء المادة رقم 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات ، والمتعلقة بتخصيص نظام الكوتا الذي يضمن للأقليات بعض المقاعد في مجالس بعضا من المحافظات العراقية ، جدوى التحرك الجماهيري ونشاطات قواها السياسية ، فالأحزاب والكتل البرلمانية التي تجاهلت حقوق الأقليات عندما أقدمت على التصويت على القانون المذكور وإلغاء المادة المذكورة منه ، بدأت تشعر الآن بمدى حراجة موقفها ، جراء احتجاجات أبناء الأقليات على هذه القرصنة التي أضاعت حقوقهم أو أرادت ذلك ، والانتقادات الموجهة لها على نطاق واسع على المستويات الوطنية والدولية ، والتي لم تكن تتوقعها ، وأثبتت نضالاتها المتنوعة من مظاهرات وبيانات شجب واستنكار وتحريك المسألة دوليا ، والتي خاضتها منذ اليوم الأول من إلغاء المادة المذكورة ، ووقوف القوى الفعلية المدافعة عن حقوقها إلى جانبها من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية وثقافية دورها الفاعل في ردع كل من يحاول إقصاء الآخرين والتملص إزاء حقوقهم الطبيعية .
ولاشك إن التصريحات المتوالية في الأيام الأخيرة والتي أعقبت هذا النضال ألمطلبي من قبل غالبية أصحاب القرار في هذه الكتل والأحزاب التي ألغت المادة رقم 50 وضرورة عودتها والوقوف إلى جانب حقوق الأقليات ، والحلول والمقترحات التي تقدمت بها هذه الجهة أو تلك وتأكيد الجميع على هذه الحقوق ، إنما تأتي من منطلق " الحق يؤخذ ولا يعطى " فقبل هذه التصريحات والتبجح بالدفاع عن حقوق الأقليات ، وأثناء التصويت على القانون ومنذ بداية العملية السياسية ما بعد سقوط النظام ، كانت هذه الأقليات موجودة وكانت تشكو كثيرا من إقصاءات وإسقاطات متكررة واعتداءات شملت كل جانب من جوانب حياتهم الخاصة والعامة بل حتى وجودهم على أرض بلادهم ، والذين يتعرضون إلى هجمة شرسة لتركها وراءهم والتوزع في دول المهجر ، وكان لابد من هذه الحقوق ، ولكنه ومن منطلق التعصب الديني والطائفي والعرقي أصرت هذه القوى على ممارسة أسلوب المحاصصة الذي غيب هذه الحقوق وهمش إشراك أبناء الأقليات في الجهد الوطني لبناء دولة العراق المدنية ، وشوه مسيرة العملية السياسية التي تحتاج إلى مراجعة جدية وإلى تغيير أدواتها ومعالجة أغلب ما يرافقها من تصدعات لصالح الجماهير العراقية العريضة .
ولكنه رغم ذلك ، أود القول هنا بأن هذه القوى الطائفية لا يمكن لها أن ترضخ بسهوله لمطالب الأقليات ، وخصوصا إن ما تطرحه لحد الآن بهذا الخصوص لا يتعدى عن كونها وعود على شكل اقتراحات ، ربما تتراجع عنها في غفلة عن الآخرين ، كما تراجعت أو تتراجع عن الكثير مما قالته في برامجها الانتخابية ووعدت جماهير الشعب العراقي بها ، ولكن ما أن اشتدت قبضتها على دفة الحكم حتى بدأت هذه الجماهير التي صوتت لصالحها تشكو بمرارة عن حرمانها من أية إنجازات تحققت لها ، لذا لابد من التأكيد هنا على ما يلي .
1- ضرورة استمرار هذه الاحتجاجات الجماهيرية المصحوبة بتأييد الأحزاب الوطنية لها ، وكل المخلصين من أبناء العراق الغيارى ، والسعي لتعزيز وتيرتها وتوسيعها حتى تشمل بقية الأقليات التي أحجمت عن المشاركة الفعلية واكتفت ببعض بيانات خجولة صدرتها في أوقات متأخرة .
2- لابد لهذه الأقليات أن تقدم تعديلا موضوعيا أو بديلا آخرا عن المادة رقم 50 باعتبارها تشكل جزءا من حقوقهم التمثيلية في مجالس المحافظات ، وليس كل حقوقهم ، فمثلا لا يمكن أن يكون القانون منصفا عندما يجري تخصيص مقعد واحد لأبناء الأقلية الأيزيدية في مجلس محافظة نينوى وهكذا بالنسبة إلى مجلس محافظة دهوك ، وكما هو معلوم بأن عدد نفوس الأيزيدية ربما يفوق الـ 500000 نسمة في محافظة نينوى.
3- لابد للقوى الوطنية والأحزاب السياسية الديمقراطية والعلمانية أن استفادت من هذه التجربة ، والسعي بشكل جدي من أجل قيادة النضالات المطلبية للجماهير العراقية العريضة وخصوصا الأوساط الكادحة منها وأبناء الأقليات الدينية والقومية والمرأة والشبيبة والطلبة ، التي تعاني المزيد من الحرمان بسبب تراجع أحزاب السلطة عن تنفيذ برامجها وجشع المتنفذين من رجالاتها وسطوتهم على أموال الشعب ومقدراته وحقوقه ، والمزيد من شرور إرهاب القاعدة والقوى المتحالفة معها وإرهاب الميليشيات التي لازالت تمتلك مقومات المبادرة والقدرة على إعادة الأوضاع الأمنية إلى مستويات سيئة يكتوي بها العراقيون مرة أخرى ، بسبب الخلل الذي يترافق عملية محاربتها ، والسعي المتزايد من قبل جميع الأطراف الأساسية للاحتفاظ بميليشياتها أو تأسيس المزيد منها ، كما عند مجالس الإسناد التي تتشكل بجهود السيد المالكي في مناطق الفرات الأوسط والجنوب .

لا ديمقراطية دون صيانة حقوق الأقليات
ناظم ختاري
إذا كانت الأقليات العراقية في السابق ، تتعرض إلى سلب حقوقها ، فلأنها كانت تعيش في ظل نظام دكتاتوري لم يدعي الديمقراطية أبدا ، وفي ظله كان سلب الحقوق والقتل وقطع الأذان أو اللسان والسجن والتشريد والملاحقة وهدم البيوت وقطع الأرزاق أمرا طبيعيا جدا ، و كان الجميع يدرك مدى عدوانية هذا النظام ، فشعب العراقي كله ، كان يستغيث من أجل الخلاص من طغيانه وجبروته ، وعلى هذا الأساس شارك العراقيون تحت راية عراقيتهم لمقارعته .. ولكن الأمر غير الطبيعي ههنا ، هو إقدام الأحزاب البديلة عن نظام صدام حسين ، والتي ناضل إلى جانبها أبناء الأقليات للتصدي له ، والتي أصبحت تحكم الآن تحت لواء الطائفية والتعصب الديني والقومي ، وتتحاصص فيما بينها على سرقة العراق أرضا وثروة وحقوق شعب ، وفي الوقت الذي كانت هذه الأحزاب ترفض فيه تلك الدكتاتورية وبشاعة ممارساتها ضد الشعب العراقي ، سرعان ما لجأت إلى نفس أساليبه ، وإلى أخرى أكثر خطورة منها ، في قهر الآخرين ، وهنا في هذه السطور لست معنيا بسرد كل هذا القدر من الجرائم المرتكبة بحق العراقيين ، بقدر ما أريد إطلاق صرخة في وجه القرصنة الدائمة لحقوق الأقليات ، رغم الادعاء الكثير ، بصيانتها وحمايتها ، والتبجح بين الفينة والأخرى ، بأن لولا الجهة الفلانية لما أعيدت تلك الحقوق المسلوبة من قبل هذه الجهة أو تلك ، الأمر الذي يؤدي إلى خلط الأمور لدى أبناء الأقليات المخلصين ، وتضللهم دعوات هذه الجهة أو تلك .
لاشك إن الكل يعلم ، إن هذه القرصنة اشتدت وتيرتها منذ سقوط النظام عبر إلغاء تمثيلها في مؤسسات الحكم التي أعقبت السقوط ، أي بداية ، في مجلس الحكم الذي ضم ممثلا واحدا عن المسيحيين ، وأًسقط منه تمثيل باقي الأقليات ، حينها توهمنا وقلنا إن في الأمر خطأ لم ينتبه إليه السياسيون ، إذ كيف لديمقراطية ما بعد السقوط الجديدة والطرية ، أن تنسى أبناء الأقليات المناضلين من أجلها ..! وقيل حينها وعلى الأقل في حدود السياسة في إقليمنا ، إن الأمر سيتعالج بإناطة الكثير من المسؤوليات لهؤلاء أبناء الأقليات ، وهذا سيكون تعويضا عما فقدوه من دور في قمة الهرم ، وبالتالي فإن الجميع سيواصل المسيرة ويساهم من نفس المسافة في صناعة القرار السياسي للدولة العراقية الجديدة ، دون أن يتقدم فلان على علان ، وبعيدا جدا عن التحاصص الطائفي أو ما إلى ذلك من أشكال المحاصصة.
لكنه مجلس الحكم أنهى حكمه للبلاد ، ولم يجر تعيين فراش من الأقليات في مركز مهم من مراكز القرار ، التي تعددت كثيرا ، وهيمنت عليها قوى المحاصصة ، وسلطت سيوفها على رقاب الأقليات ، وحرمتها من المشاركة الفعلية لاحقا في كل الفعاليات السياسية والدستورية التي كانت تتوالى واحدة بعد الأخرى ، وأكثرها إثارة للهلع ، كان منع أبناء الأقليات من المشاركة في حقهم الدستوري وحرمانهم من التصويت في الانتخابات الأولى ، في الغالبية العظمى من مناطقهم الواقعة في "ده شت" الموصل.
وتعبيرا عن هذه السياسة الطائفية المتطرفة والتعجرف الديني والقومي تعرض مندائيوا العراق ومسيحيوه إلى انتزاع قسري من أرض بلادنا في الوسط والجنوب وأغلقوا أبوابها بإحكام بوجه الأيزيديين الذين كانوا يجدون هناك فرص عمل لهم في أوقات سابقة ، ولم ينج هؤلاء من المذابح التي نظمت بحقهم في المناطق الأخرى مثل بغداد والموصل ، ولاشك إن التفجيرات المتكررة في الأديرة والكنائس المسيحية ومأساة الشيخان وكارثة كرعزير وسيبا شيخدرى ومذبحة عمال معمل نسيج الموصل ومقتل رئيس مطارنة الكلدان في نفس المدينة ، وغيرها من الغزوات والفتوحات التي شردت وتشرد الآلاف إلى بلدان المهجر وأبعدت المئات من طلبة الأيزيديين من جامعة الموصل ، لازالت ترن في ذاكرة الجميع ، والتي كانت ولما تزل من إفرازات سياسات المحاصصة الطائفية ، والصراع من اجل السلطة وسرقة المزيد من أموال الشعب والهيمنة على مناطق النفوذ.
كل هذا يجري وأبناء الأقليات "خميرة العراق وأصلاءه " أصروا على متابعة مسيرة العراق الجديد ويأملون انتصارها ، علها أن تعيد إليهم مواطنتهم وحقوقهم المسلوبة في شتى المجالات ، وتوقف ملاحقتهم وتشردهم من مناطق سكناهم ، و تابعوا بقلق شديد الفصل الأخير من الخلافات بين الفرقاء التي اشتدت بشأن قانون انتخابات مجالس المحافظات ، الذي ولد مشوها في ظل ظروف عصيبة وصراع محتدم بين الكتل المهيمنة ، التي أهملت مصلحة العراق وشعبه لحساب المصالح الطائفية والفئوية وما إلى ذلك ، ومن أهم أعراض تشوه هذا "المولود" القانون هو خلوه من أية مادة تخص حقوق الأقليات وضرورة تمثيلها في مجالس المحافظات أو وجود مواد تضمن لها حق التمثيل ، بالرغم من أن القانون الملغي كان يحتوي على بعضا من هذه الحقوق للمسيحيين وأخرى بائسة للأيزيديين لاتتناسب ونسب تواجدهم في محافطتي نينوى ودهوك ، ولا شيء للصابئة المندائيين ضمن المادة رقم 50 من هذا القانون والذي جرى نقضه من مجلس الرئاسة .
إذا كانت كل جولة من غمط حقوق أبناء الأقليات ومستحقاتهم تبرر بالنسيان في حين ، وبعدم وجود توافق فيما بينهم في حين آخر ، وفي ثالث عدم وجود إحصائيات أو غير ذلك .. فإن الإصرار المتكرر على تسويق مثل هذه التبريرات الواهية واختلاق غيرها ، لا تقنع أحدا ومعهم أبناء الأقليات ، باعتبارها سببا موضوعيا فيما يحصل من اعتداءات متكررة بشأن هذه الحقوق ، بل إن الأمر يزيدهم قناعة بأنه ناجم عن رغبة حقيقية لإفراغ العراق من أبناءه الحقيقيين ، وفي نفس الوقت فهو يؤكد لهم دون أدنى شك بأنه دليل إضافي ، كون أحزاب المحاصصات السياسية غير مؤهلة وليست مستعدة لبناء دولة القانون والمؤسسات والتشريعات القادرة على حفظ حقوق الجميع وخصوصا الأقليات ، وإن عدم تشريع هذه الحقوق وعدم صيانتها أو عدم احترامها يتنافى بشكل صارخ مع مبادئ الدولة الديمقراطية القائمة على أساس دستور مدني .
إزاء هذا التناسي أو مجموع التبريرات المساقة منذ بداية العملية السياسية ، والتي تكررت بموجبها الإسقاطات والاعتداءات على حقوق أبناء الأقليات ، فليس عليهم إلا أن يتضافروا الجهود ويعززوا التنسيق فيما بينهم والالتفاف حول القوى الديمقراطية لتقوية بأسها والضغط عليها للم شملها ، كونها القوى الوحيدة المدافعة عن حقوقها بشكل فعلي ، كما تدافع عن حقوق بقية العراقيين دون تفرقة أو تمييز ، وهذا هو الرد المناسب لإعادة الحق إلى نصابه وتقديم برهان عملي بأن أحزاب السلطة القائمة لا تمثل الأقليات ولكنها تمثل مصالح ضيقة لطوائفها وأعراقها وبالتالي لا يمكن لها أن تنتهج إلا سياسة عرجاء بحق الأقليات .