الاثنين، 9 نوفمبر 2009

حانت ساعة العمل .. ملفات ملحة
ناظم ختاري
يبدو إن الأوضاع التي يمر بها بلدنا ، والتي وصل فيها إلى مآل محزنة ومخيفة ، يعاني فيها كل فرد من أبناء العراق وبناته الكثير من الفقر والتميز في المستوى المعاشي والحرمان والظلم والاضطهاد وأخطار الموت على يد قوى الإرهاب والقوى الطائفية والقومية المتطرفة وميليشياتها المتنفذة في إدارة البلاد ، في الوقت الذي كان يتطلع فيه أن يكون حرا كريما مرفها في ظل نظام بديل لدكتاتورية صدام حسين ، يبدو إن ويلات البديل عن النظام البائد ، التي لم تعد تطاق كانت الدافع الأقوى لأن يرفع حزبنا الشيوعي العراقي شعار "حانت ساعة العمل" لكي يشارك بكل قواه من أجل إيقاف المزيد من هذه المعانات وانزلاق البلاد إلى المزيد منها ، خصوصا وهو يستعد لخوض الانتخابات النيابية القادمة في قائمة ائتلافية مع حلفاءه وأصدقاءه من الديمقراطيين والوطنيين الحريصين على مستقبل العراق تحت اسم قائمة "اتحاد الشعب" ، وهذا الشعار يتفق مع حماس الشيوعيين ورغبتهم في خوض غمار نضال حقيقي من أجل تغيير الخارطة السياسية لصالح قوى الشعب الحقيقية من اليساريين والديمقراطيين والوطنيين ، وكذلك ينسجم تماما مع ما كان ينبغي على الحزب أن ينهض به والوقوف إلى جانب مصالح الشعب العراقي بكل أطيافه ، وحمايتها منذ اليوم الأول من سقوط النظام الدكتاتوري ، وهو ما دأب عليه منذ نشوءه في بداية ثلاثينيات القرن الماضي ، إذ لم يتوانى في الوقوف إلى جانب طموحات الشعب ومصالحه الوطنية في كل مراحل نضاله ، فقد كان في كل الأوقات ومنذ ذلك التاريخ في طليعة القوى الوطنية العازمة على تحقيق هذه الطموحات ، ولذلك فإن كل لحظة من لحظات عمره الطويل والشاق كانت فرصة لمنظماته وتدريبا حقيقيا لرفاقه لخوض المزيد من النضالات اليومية الجماهيرية المطلبية وقيادتها وتحقيق المزيد من التقدم والانخراط في صفوفها ، فقد كان الحزب بكل منظماته ورفاقه في جاهزية دائمة لحراسة هذه المصالح ، ولهذا السبب بالذات ، وليس لغيره كانت هذه الجماهير العراقية العريضة تلتف حول سياساته وتمده بالدماء الجديدة بعد كل جولة من الملاحقة والقمع على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة والمعادية لمصالح الشعب.
وإذا كان شعار" حانت ساعة العمل" أمام تحدي الانتخابات النيابية المزمع إجرائها في منتصف يناير من السنة القادمة ، فلابد أن يتوجه الحزب بكل قواه وبحماس لا نظير له من أجل حشد طاقات جماهير الشعب العراقي بغية التصدي للعديد من الملفات ، ليس فقط خلال هذه الفترة التي يخوض فيها نشاطه الانتخابي ، بل لابد لهذا النشاط أن يمتد إلى المراحل المقبلة ، لأن هذه الملفات بحاجة إلى قوى وطنية حقيقية ، والقوى الطائفية والقومية المتطرفة وقوى البعث التي بدأت تتسلل إلى مواقع المسئولية في إدارة الدولة ليس في واردها مثل هذه الملفات ولا تتحرك قيد أنملة للدفاع عن مصالح الشعب العراقي . ومن بين هذه الملفات .
*ملف دستور الدولة العراقية الدائم .. وأهم مفاصل العمل ضمن هذا الملف .
- الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة .
- تشريع القوانين القادرة على حماية حقوق المرأة ومساواتها الفعلية بالرجل .
- الدفاع بقوة عن حق المواطنة والمساواة بين جميع سكان العراق وإطلاق طاقاتهم من أجل بناء العراق الحر المزدهر ، بعيدا عن التميز والتفرقة الطائفية والعنصرية ، وإلغاء الإشارة إلى الانتماء الديني أو العرقي للفرد في وثائقه الشخصية .
- تشريع القوانين التي من شأنها توزيع ثروات العراق على سكانه بشكل عادل ، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية في البلاد .
- العمل على تحشيد الجماهير من أجل قانون انتخابي ديمقراطي يهيئ للعراقيين فرص انتخاب ممثليهم في مجالس المحافظات ومجلس النواب على أساس البرامج بكل حرية ، بعيدا عن فروض عرقية أو طائفية أو جهوية ، تهدد العملية الديمقراطية .
- العمل على تحشيد الجماهير من أجل تشريع قانون الأحزاب يمنعها من استخدام المال العام أوتنفيذ أجندات خارجية ، أوتبني برامج و توجهات طائفية وعرقية تمس بوحدة نسيج المجتمع العراقي ،
- العمل من أجل إلغاء كافة القوانين التي منحت المسئولين امتيازات خاصة ( جوازات سفر دبلوماسية لأعضاء مجلس النواب وعوائلهم ) وغير ذلك من القوانين غير المنصفة .
*ملف الأمن .. أهم مفاصل العمل ضمن هذا الملف .
- العمل من أجل تحشيد الجماهير لرفض المليشيات و الضغط على الحكومة العراقية ، لإنهاء أي دور لها ومنعها من العبث بحياة العراقيين ، من خلال محاربتها بكل حزم حتى يتم القضاء عليها نهائيا .
- فضح أمراء الحرب والإرهاب والميليشيات من قوى وشخصيات تستغل وجودها في مؤسسات الدولة السيادية كـ ( رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب ) وغيرها من هذه المؤسسات وتحشيد الرأي العام العراقي لرفضهم والعمل على تقديمهم إلى القضاء لمحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها وذلك من خلال توجيه تهمة الإبادة الجماعية إليهم ، كون العديد منهم يعلنون صراحة انحيازهم إلى الإرهاب والميليشيات وحزب البعث ، ولا يتورعون القيام بجرائم فظيعة .
- العمل على بناء المؤسسات العسكرية والأمنية على أساس المواطنة ، بعيدا عن التحزب والولاء لهذه الجهة أو تلك ، وحصر ولاءها للشعب والوطن وحمايتهما .
- فضح دول الجوار المتدخلة في شؤون العراق وتصدير الإرهاب إليه ، وشراء ولاءات قوى وأحزاب وشخصيات على حساب مصالح الشعب العراقي .
* ملف الفساد .أهم مفاصل العمل ضمن هذا الملف .
- العمل من أجل إلغاء كافة القوانين التي هدر ويهدر بموجبها المال العام والمطالبة بإعادة الأموال التي خسرها الشعب العراقي من خلال الرواتب العالية التي ذهبت إلى الرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب وجيوش المستشارين وغير ذلك ، ورفع شعار تخفيضها وبما يحقق التناسب بين مستوى معيشة الأفراد من عامة الشعب العراقي وأعضاء مجلس النواب في الدورات المقبلة .
- العمل على إعادة كل الأموال المسروقة من قبل قوى وشخصيات سياسية ، الهاربة من العراق والباقية فيه لسرقة المزيد ، والدعوة إلى تقديمهم إلى القضاء .
- العمل على إعادة ممتلكات وعقارات الدولة التي استولت عليها القوى والشخصيات المتنفذة في الحكم واعتبارها ملكا للشعب .
* ملف الخدمات .. أهم مفاصل العمل ضمن هذا الملف.
- المطالبة من أجل توفير الماء والكهرباء والدواء والتعليم وخدمة الاتصال الهاتفي والطريق المبلط لكل مواطن من مواطني بلادنا .
- المطالبة بإعداد خطة لتنمية جميع مناطق العراق ، وبما يتناسب مع واقعها وما يتوفر فيها من ثروات طبيعية .
- المطالبة بتنفيذ مشاريع خدمية في كافة مناطق العراق وبما يتناسب مع ما تتطلبها حاجات سكانها .
- المطالبة بتشديد الرقابة على الوزارات الخدمية من أجل تنفيذ خططها ، ومحاسبة المقصرين من بينها .
- رفض مصطلح مكرمة الرئيس أو الوزير أو المرجع و المرجع ، واعتبار ما يحصل عليه المواطن من خدمات حق طبيعي مفروض على الدولة .
- شمول كافة فئات الشعب العراقي بقانون الرعاية الاجتماعية ، عند تعذر أفرادها من حصولهم على العمل في أحدى مؤسسات الدولة الإنتاجية أو الخدمية أو أية وظيفة أخرى ، لأسباب صحية أو بسبب الأزمات الاقتصادية أو غيرها من الأمور التي تعيق الحصول على العمل .
- مكافحة البطالة عبر اعتماد سياسة اقتصادية قادرة على استيعاب الأيدي العاملة العراقية ، وإعطاءها الأولوية والأفضلية على العمالة المستوردة من الخارج من خلال الشركات أو غيرها من المرافق الاقتصادية .
- مكافحة الفقر الناجم عن سياسات كل الأنظمة التي تسلطت على رقاب شعبنا ، بما في ذلك النظام الحالي الذي حل بديلا عن نظام صدام حسين في انتخابات شابتها الكثير من الثغرات الجدية .
* ملف القضايا القومية وقضايا الأقليات ، وأهم مفاصل العمل ضمن هذا الملف .
- الوقوف إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الكوردي ، وفق مصلحته ورؤية الحزب الشيوعي الكوردستاني ، وبقية قوى اليسار والديمقراطية ، شريطة تحررها من التبعية في المواقف من أحزاب السلطة في كوردستان ، ودخولها الانتخابات العامة في قائمة موحدة مع الحزب الشيوعي العراقي .
- تبني مطالب الأقليات العرقية والدينية وخصوصياتها التي رفدت الحزب بدماء أبناءها في كافة مراحل نضاله كـ ( المسيحيين والأيزيديين والصابئة والفيليين والهورامانيين والشبك ) ، والسعي إلى التحالف مع ممثليها لتبني مواقف مشتركة من القضايا العراقية العامة .
* ملف الخطاب السياسي للحزب ، وأهم مفاصل العمل ضمن هذا الملف .
- العمل على تعبئة الجماهير العراقية من أجل تحقيق البديل الديمقراطي الحقيقي ورفض كل أشكال الإصطفافات الطائفية و القومية وكل أساليب المحاصصات في إدارة البلاد .
- السعي في هذا السبيل لتعزز مواقع الحزب ومواقع قوى اليسار والديمقراطية والقوى الوطنية في العملية السياسية وإدارة البلد ، لأن ذلك كفيل على تعزيز قدراته للدفاع عن مصالح الجماهير العراقية الكادحة ، وكبح جماح قوى الإسلام السياسي الطائفية والقوى القومية المتطرفة المتلاعبة بمصير الشعب العراقي والعابثة بأمنه واستقراره وحياته .
- السعي الجاد إلى تعبئة الجماهير العراقية العريضة لخوض نضالات يومية مطلبية واسعة ودعوتها للالتفاف حول شعارات الحزب السياسية لتحقيق أهدافه في وطن حر وشعب سعيد .

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

قانون انتخابات مجالس المحافظات وتوزيع الأقليات على مراتب
ناظم ختاري
تابع الجميع ، كيف ألغت الكتل البرلمانية في مجلس النواب العراقي ، المادة رقم 50 من قانون مجالس المحافظات ، الخاصة بنظام الكوتا للأقليات العرقية والأثنية والدينية ، وتابع الجميع الفعاليات الواسعة الرافضة لإسقاط هذا الحق عن أبناء الأقليات وتراجع نفس هذه الكتل عن عملية الإلغاء والتنصل من عملية تصويت أعضاءها لصالح الإلغاء ، وفي هذا الشأن قيل الكثير ، وقيل إن الأقليات هي أصل العراق وإن الدفاع عن حقوقها الدستورية والسياسية واجب كل الكتل البرلمانية وهو واجب وطني وله أولوية تفوق كل الأولويات الأخرى كالطائفية والقومية والحزبية ، وقيل إن الأمر لم يكن مقصودا ، ولكنه نجم عن خطأ ما ، ووجدنا إن غالبية مراجع هذه الكتل وقادتها وأعضاءها ، تحولوا بين لحظة وأخرى ، إلى أهم المدافعين عن هذه الأقليات ، بل إلى جزء منها ، من شدة حماسهم ودفاعهم عن حقوقها ، حتى شعر البعض منا إن عددا منهم قاب قوسين وسيتبرأ ون من انتماءهم لقوميتهم الكبيرة أو من طائفتهم المهيمنة أو من أحزابهم وسيتوزعون وفق القانون وبالتساوي ودون أي تميز على هذه الأقليات ... فمثلا ، أحدهم قد ينتمي وفق مراسيم دينية رسمية وعلى مرأى الجميع إلى المسيحية .. ولماذا لا .! فهو يفعل هذا لإلغاء التميز بين الأديان العراقية وإيمانا منه بأنه لا فرق بين هذا الدين أو ذاك ، ولتلقين الآخرين دروسا في الإخلاص لمواطني بلاده وأديانهم ، حيث كلها موجودة على أرض العراق وتنعم بخيراته وتشارك في قراره وبناءه .. وآخر ربما سيعود إلى ديانته الأيزيدية القديمة دون خشية من أحد ، لأنها ديانة أجداده ، فلا ضير على الجميع أن يعودوا إليها ويعملوا حتى في الأحزاب الدينية لهؤلاء الناس ، فلا فرق بين هذا الحزب أو ذاك ، إذ أن القانون يحمي للجميع حق ممارسة النشاط السياسي في أي حزب كان وأينما كان ، وثالثا قد يسرع إلى الصابئة المندائية طالبا منهم الصفح عنه ، وقبوله في حزب خاص بهم يبدأوا بتأسيسه في الحال ، طبعا استنكارا لقرار مجلس النواب الذي شاركت كتلته فيه وألغي بموجبه المادة رقم 50 .
وقلنا إزاء هذا إذن من فعل هذا .. من كان وراء قرار إلغاء المادة رقم 50 .. ؟؟ وقلنا ربما ... نعم ربما إن وفودا أو جموعا من الأقليات كانت تقف أمام مبنى مجلس النواب وتهتف ، لا لحقوق خاصة بنا ولاسيما نحن متساوون في كل شيء مع الآخرين ، فلا تميز بيننا وبين الآخرين ، ولا هناك قتل يستهدفنا على الهوية ولا تهجير ولا أي شيء آخر ، ونحن مثل الآخرين نصنع القرار السياسي العراقي .
كل الذي حصل من تنصل وتبريرات وخطابات ثورية مدافعة عن حقوق الأقليات وغيرها ، كاد أن يبكينا كثيرا ولأيام طويلة ، لثلاثة أسباب طبعا .
الأول ، فرحا لأن هذه الحقوق ستعود ، بعد الحمية من قبل الجميع ، وستبقى الأقليات ممثلة في مؤسسات الدولة المنتخبة وخصوصا في مجالس المحافظات التي يقع عليها عبء بناء عراق المواطن المتساوي ، مادام كل هذا الجمع السياسي العراقي يجتمع عليها وعلى أحقيتها .
والثاني ، بسبب شعورنا ، لأننا لم نقدر حق التقدير ، مدى حرص هؤلاء القادة الميامين على مصالح العراقيين وفي مقدمتهم أبناء الأقليات ، ولذلك أخطأ من منا كتب كلمة غير لائقة بحق هذا القائد السياسي أو ذاك واتهمه بالطائفية أو بالعنصرية أو غيرها من النعوت ، التي هو على بعد آلاف الأميال منها ، أو من منا خرج في مظاهرة تطالب بحقوق الأقليات في أحدى دول المهجر ، وهتف لا لضياع حقوق الأقليات .. لا للتهميش .. يا إلهي ، ضد من كتبنا وهتفنا ..؟ أضد هؤلاء قادتنا "النازكين " .. ؟ ومن منا أحرص منهم على حقوق الأقليات وبقية العراقيين .. !.
فإذا أردت أن تعرفهم بشكل جيد ، يمكنك أيها ألأقلياتي ، أن تفتش في كل دائرة من دوائر الدولة ، إبتداءا من مؤسسات مجلس الرئاسة ، وانتهاءا بآخر مجلس للإسناد ، فسوف لا تجد قطعا ولو عنصرا واحدا ينتمي إلى أحزاب هؤلاء القادة أو أي حزب طائفي آخر ، يعمل موظفا أو حتى فراشا فيها ، إذ كل العاملين فيه هم من أبناء الأقليات ... ولو دققت في حسابات كل أعضاء أحزابهم فسوف لا تجد ولا واحدا منهم يملك غير راتبه المتدني جدا وبيتا للإيجار غير صالح تماما للسكن ، معلقا في بابه ، لوحة كبيرة تقول " أعوذ بالله من الفساد ومن ملك منا نحن المؤمنون ومن أبناء الأحزاب والكتل الحاكمة أكثر من العامة" ، و لو تجولت نهارا جهارا في كل شوارع المدن العراقية بما فيها مدينة الموصل لما وجدت فردا واحدا من الميليشيا يحمل سلاحا وينغص لك فرصتك في التجوال فيها ، بل الأكثر من هذا ، سيقدمون لك ما ترغبه من حماية .. ولكن ما لك وللحماية وأنت تعيش الأمان بنسبة غير مسبوقة في كل بلدان العالم ، أما الخدمات أيها ألأقلياتي ، فحدث ولا حرج ، المولدات الكهربائية يجري شراءها على حساب رواتبهم المنخفضة وتتوزع على أبناء الأقليات ، والفائضة على باقي كادحي العراق ، وهكذا بالنسبة إلى الأدوية ومقاعد الدراسة وووووووو إلخ ، إذ يرفضوها لأبنائهم ويقدموها إلى أبناء الفقراء وفقا للقانون . ألم أقل لك إننا لم نقدر لهؤلاء حق التقدير .. وقلنا فيهم الكثير ولكنهم جاؤوا يطبطبون على ظهورنا ، يخففون عنا عبء خطأنا ، بسبب اتهاماتنا لهم دون وجه حق في هذه القضية .
أما السبب الثالث الذي جعلني أن أشعر ببكاء مر في هذه المرة أيها السادة ، ويا أبناء الأقليات العراقية ، فإنه يكمن في نفس الموضوع ، فبعد هذه التصريحات النارية من قبل جميع قادة وأعضاء هذه الكتل البرلمانية إزاء هذا الحق المضيع ، وبعد المظاهرات الصاخبة التي خرجت تنديدا لهذا الضياع والكتابات المتضامنة مع هذا الحق الضائع ، تبين إن كل الكتل التي شحنت أعضاءها كذبا بمشاعر التضامن والدفاع عن الحق الضائع ، رفضت أن تحمل معها مشروعا لحل المعضلة المتعلقة بحقوق الأقليات الانتخابية ، وتبين أيضا إن الكتل التي تمثل الأقليات والتي قلبت الدنيا ولم تقعدها هي الأخرى لم تقدم مشروعا موضوعيا للتمثيل ألأقلياتي في مجالس المحافظات ، مما حدا بالسيد خالد شواني عضو التحالف الكوردستاني إلى طرح مقترحا باسم التحالف ، يقول بصدده " ان التحالف قدم مقترحا جديدا بشأن تمثيل الاقليات في انتخابات مجالس المحافظات وسيكون الحل لقضية تمثيل الاقليات. واضاف شواني" ان المقترح يقضي بفصل قضية الاخوة المسيحيين عن الاقليات الاخرى كالايزدية والشبك لان المسيحيين كل الكتل البرلمانية تؤكد انهم لا اعتراض عليهم ولا توجد خلافات حول تمثيلهم في انتخابات مجالس المحافظات وعدد المقاعد التي يستحقونها في المحافظات وبالتالي بالامكان ان يعرض مشروع القانون بمادتين منفصلتين. "وتابع يقول "المادة الاولى تنص على حقوق المسيحيين وسيتم بشكل سلس واعتيادي لطالما لا توجد هناك اعتراضات عليه من قبل الكتل البرلمانية ويتم التصويت عليها اما بخصوص الشبك والايزديين من الممكن اجراء مناقشات حولها وايجاد الية وفصل قضية الاقليات الاخرى عن المسيحيين.واكد "تكلمنا مع الاخوة المسيحيين حول هذه المقترح وهم وافقوا على المقترح وراضون ايضا وبالتالي تبقى موافقة الكتل البرلمانية على هذا المقترح. واضاف "اعتقد انه حل مناسب لهذه القضية وخروج من مشكلة تمثيل الاقليات . "
مع تضامني المطلق لحق المسيحيين التمثيل في مجالس المحافظات ، إلى أن هذا المقترح يأتي كمحاولة لتفريق التقارب الذي حصل بين جهود أبناء الأقليات للمطالبة بحقوقهم التمثيلية ويهدف في نفس الوقت إلى التعامل مع هذه الأقليات وفق درجات تعتمد على شكل الدعم الذي تحصل عليه كل أقلية من العالم الخارجي ، "فالأقلية المسيحية العراقية" وخصوصا بعد تعرضها إلى حملة تهجير ظالمة وواسعة من مدينة الموصل حضيت بمساندة دولية وإقليمية واسعة " رسمية وشعبية ودينية" لا يمكن للأطراف العراقية أن لا تأخذها بنظر الاعتبار أو أن لا تحسب لها حسابات متوازنة ، أما الأقليات الأخرى فليس لها ظهير كهذا ، وعليه فإن أبناءها كمواطنين عراقيين يشغلون في المعادلة الحالية المرتبة الثالثة .
النضالات الجماهيرية المطلبية كفيلة بعودة الحقوق دائما .
ناظم ختاري
أثبت تراجع القوى الأساسية المهيمنة في مجلس النواب ، عن تصويتها لصالح إلغاء المادة رقم 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات ، والمتعلقة بتخصيص نظام الكوتا الذي يضمن للأقليات بعض المقاعد في مجالس بعضا من المحافظات العراقية ، جدوى التحرك الجماهيري ونشاطات قواها السياسية ، فالأحزاب والكتل البرلمانية التي تجاهلت حقوق الأقليات عندما أقدمت على التصويت على القانون المذكور وإلغاء المادة المذكورة منه ، بدأت تشعر الآن بمدى حراجة موقفها ، جراء احتجاجات أبناء الأقليات على هذه القرصنة التي أضاعت حقوقهم أو أرادت ذلك ، والانتقادات الموجهة لها على نطاق واسع على المستويات الوطنية والدولية ، والتي لم تكن تتوقعها ، وأثبتت نضالاتها المتنوعة من مظاهرات وبيانات شجب واستنكار وتحريك المسألة دوليا ، والتي خاضتها منذ اليوم الأول من إلغاء المادة المذكورة ، ووقوف القوى الفعلية المدافعة عن حقوقها إلى جانبها من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية وثقافية دورها الفاعل في ردع كل من يحاول إقصاء الآخرين والتملص إزاء حقوقهم الطبيعية .
ولاشك إن التصريحات المتوالية في الأيام الأخيرة والتي أعقبت هذا النضال ألمطلبي من قبل غالبية أصحاب القرار في هذه الكتل والأحزاب التي ألغت المادة رقم 50 وضرورة عودتها والوقوف إلى جانب حقوق الأقليات ، والحلول والمقترحات التي تقدمت بها هذه الجهة أو تلك وتأكيد الجميع على هذه الحقوق ، إنما تأتي من منطلق " الحق يؤخذ ولا يعطى " فقبل هذه التصريحات والتبجح بالدفاع عن حقوق الأقليات ، وأثناء التصويت على القانون ومنذ بداية العملية السياسية ما بعد سقوط النظام ، كانت هذه الأقليات موجودة وكانت تشكو كثيرا من إقصاءات وإسقاطات متكررة واعتداءات شملت كل جانب من جوانب حياتهم الخاصة والعامة بل حتى وجودهم على أرض بلادهم ، والذين يتعرضون إلى هجمة شرسة لتركها وراءهم والتوزع في دول المهجر ، وكان لابد من هذه الحقوق ، ولكنه ومن منطلق التعصب الديني والطائفي والعرقي أصرت هذه القوى على ممارسة أسلوب المحاصصة الذي غيب هذه الحقوق وهمش إشراك أبناء الأقليات في الجهد الوطني لبناء دولة العراق المدنية ، وشوه مسيرة العملية السياسية التي تحتاج إلى مراجعة جدية وإلى تغيير أدواتها ومعالجة أغلب ما يرافقها من تصدعات لصالح الجماهير العراقية العريضة .
ولكنه رغم ذلك ، أود القول هنا بأن هذه القوى الطائفية لا يمكن لها أن ترضخ بسهوله لمطالب الأقليات ، وخصوصا إن ما تطرحه لحد الآن بهذا الخصوص لا يتعدى عن كونها وعود على شكل اقتراحات ، ربما تتراجع عنها في غفلة عن الآخرين ، كما تراجعت أو تتراجع عن الكثير مما قالته في برامجها الانتخابية ووعدت جماهير الشعب العراقي بها ، ولكن ما أن اشتدت قبضتها على دفة الحكم حتى بدأت هذه الجماهير التي صوتت لصالحها تشكو بمرارة عن حرمانها من أية إنجازات تحققت لها ، لذا لابد من التأكيد هنا على ما يلي .
1- ضرورة استمرار هذه الاحتجاجات الجماهيرية المصحوبة بتأييد الأحزاب الوطنية لها ، وكل المخلصين من أبناء العراق الغيارى ، والسعي لتعزيز وتيرتها وتوسيعها حتى تشمل بقية الأقليات التي أحجمت عن المشاركة الفعلية واكتفت ببعض بيانات خجولة صدرتها في أوقات متأخرة .
2- لابد لهذه الأقليات أن تقدم تعديلا موضوعيا أو بديلا آخرا عن المادة رقم 50 باعتبارها تشكل جزءا من حقوقهم التمثيلية في مجالس المحافظات ، وليس كل حقوقهم ، فمثلا لا يمكن أن يكون القانون منصفا عندما يجري تخصيص مقعد واحد لأبناء الأقلية الأيزيدية في مجلس محافظة نينوى وهكذا بالنسبة إلى مجلس محافظة دهوك ، وكما هو معلوم بأن عدد نفوس الأيزيدية ربما يفوق الـ 500000 نسمة في محافظة نينوى.
3- لابد للقوى الوطنية والأحزاب السياسية الديمقراطية والعلمانية أن استفادت من هذه التجربة ، والسعي بشكل جدي من أجل قيادة النضالات المطلبية للجماهير العراقية العريضة وخصوصا الأوساط الكادحة منها وأبناء الأقليات الدينية والقومية والمرأة والشبيبة والطلبة ، التي تعاني المزيد من الحرمان بسبب تراجع أحزاب السلطة عن تنفيذ برامجها وجشع المتنفذين من رجالاتها وسطوتهم على أموال الشعب ومقدراته وحقوقه ، والمزيد من شرور إرهاب القاعدة والقوى المتحالفة معها وإرهاب الميليشيات التي لازالت تمتلك مقومات المبادرة والقدرة على إعادة الأوضاع الأمنية إلى مستويات سيئة يكتوي بها العراقيون مرة أخرى ، بسبب الخلل الذي يترافق عملية محاربتها ، والسعي المتزايد من قبل جميع الأطراف الأساسية للاحتفاظ بميليشياتها أو تأسيس المزيد منها ، كما عند مجالس الإسناد التي تتشكل بجهود السيد المالكي في مناطق الفرات الأوسط والجنوب .

لا ديمقراطية دون صيانة حقوق الأقليات
ناظم ختاري
إذا كانت الأقليات العراقية في السابق ، تتعرض إلى سلب حقوقها ، فلأنها كانت تعيش في ظل نظام دكتاتوري لم يدعي الديمقراطية أبدا ، وفي ظله كان سلب الحقوق والقتل وقطع الأذان أو اللسان والسجن والتشريد والملاحقة وهدم البيوت وقطع الأرزاق أمرا طبيعيا جدا ، و كان الجميع يدرك مدى عدوانية هذا النظام ، فشعب العراقي كله ، كان يستغيث من أجل الخلاص من طغيانه وجبروته ، وعلى هذا الأساس شارك العراقيون تحت راية عراقيتهم لمقارعته .. ولكن الأمر غير الطبيعي ههنا ، هو إقدام الأحزاب البديلة عن نظام صدام حسين ، والتي ناضل إلى جانبها أبناء الأقليات للتصدي له ، والتي أصبحت تحكم الآن تحت لواء الطائفية والتعصب الديني والقومي ، وتتحاصص فيما بينها على سرقة العراق أرضا وثروة وحقوق شعب ، وفي الوقت الذي كانت هذه الأحزاب ترفض فيه تلك الدكتاتورية وبشاعة ممارساتها ضد الشعب العراقي ، سرعان ما لجأت إلى نفس أساليبه ، وإلى أخرى أكثر خطورة منها ، في قهر الآخرين ، وهنا في هذه السطور لست معنيا بسرد كل هذا القدر من الجرائم المرتكبة بحق العراقيين ، بقدر ما أريد إطلاق صرخة في وجه القرصنة الدائمة لحقوق الأقليات ، رغم الادعاء الكثير ، بصيانتها وحمايتها ، والتبجح بين الفينة والأخرى ، بأن لولا الجهة الفلانية لما أعيدت تلك الحقوق المسلوبة من قبل هذه الجهة أو تلك ، الأمر الذي يؤدي إلى خلط الأمور لدى أبناء الأقليات المخلصين ، وتضللهم دعوات هذه الجهة أو تلك .
لاشك إن الكل يعلم ، إن هذه القرصنة اشتدت وتيرتها منذ سقوط النظام عبر إلغاء تمثيلها في مؤسسات الحكم التي أعقبت السقوط ، أي بداية ، في مجلس الحكم الذي ضم ممثلا واحدا عن المسيحيين ، وأًسقط منه تمثيل باقي الأقليات ، حينها توهمنا وقلنا إن في الأمر خطأ لم ينتبه إليه السياسيون ، إذ كيف لديمقراطية ما بعد السقوط الجديدة والطرية ، أن تنسى أبناء الأقليات المناضلين من أجلها ..! وقيل حينها وعلى الأقل في حدود السياسة في إقليمنا ، إن الأمر سيتعالج بإناطة الكثير من المسؤوليات لهؤلاء أبناء الأقليات ، وهذا سيكون تعويضا عما فقدوه من دور في قمة الهرم ، وبالتالي فإن الجميع سيواصل المسيرة ويساهم من نفس المسافة في صناعة القرار السياسي للدولة العراقية الجديدة ، دون أن يتقدم فلان على علان ، وبعيدا جدا عن التحاصص الطائفي أو ما إلى ذلك من أشكال المحاصصة.
لكنه مجلس الحكم أنهى حكمه للبلاد ، ولم يجر تعيين فراش من الأقليات في مركز مهم من مراكز القرار ، التي تعددت كثيرا ، وهيمنت عليها قوى المحاصصة ، وسلطت سيوفها على رقاب الأقليات ، وحرمتها من المشاركة الفعلية لاحقا في كل الفعاليات السياسية والدستورية التي كانت تتوالى واحدة بعد الأخرى ، وأكثرها إثارة للهلع ، كان منع أبناء الأقليات من المشاركة في حقهم الدستوري وحرمانهم من التصويت في الانتخابات الأولى ، في الغالبية العظمى من مناطقهم الواقعة في "ده شت" الموصل.
وتعبيرا عن هذه السياسة الطائفية المتطرفة والتعجرف الديني والقومي تعرض مندائيوا العراق ومسيحيوه إلى انتزاع قسري من أرض بلادنا في الوسط والجنوب وأغلقوا أبوابها بإحكام بوجه الأيزيديين الذين كانوا يجدون هناك فرص عمل لهم في أوقات سابقة ، ولم ينج هؤلاء من المذابح التي نظمت بحقهم في المناطق الأخرى مثل بغداد والموصل ، ولاشك إن التفجيرات المتكررة في الأديرة والكنائس المسيحية ومأساة الشيخان وكارثة كرعزير وسيبا شيخدرى ومذبحة عمال معمل نسيج الموصل ومقتل رئيس مطارنة الكلدان في نفس المدينة ، وغيرها من الغزوات والفتوحات التي شردت وتشرد الآلاف إلى بلدان المهجر وأبعدت المئات من طلبة الأيزيديين من جامعة الموصل ، لازالت ترن في ذاكرة الجميع ، والتي كانت ولما تزل من إفرازات سياسات المحاصصة الطائفية ، والصراع من اجل السلطة وسرقة المزيد من أموال الشعب والهيمنة على مناطق النفوذ.
كل هذا يجري وأبناء الأقليات "خميرة العراق وأصلاءه " أصروا على متابعة مسيرة العراق الجديد ويأملون انتصارها ، علها أن تعيد إليهم مواطنتهم وحقوقهم المسلوبة في شتى المجالات ، وتوقف ملاحقتهم وتشردهم من مناطق سكناهم ، و تابعوا بقلق شديد الفصل الأخير من الخلافات بين الفرقاء التي اشتدت بشأن قانون انتخابات مجالس المحافظات ، الذي ولد مشوها في ظل ظروف عصيبة وصراع محتدم بين الكتل المهيمنة ، التي أهملت مصلحة العراق وشعبه لحساب المصالح الطائفية والفئوية وما إلى ذلك ، ومن أهم أعراض تشوه هذا "المولود" القانون هو خلوه من أية مادة تخص حقوق الأقليات وضرورة تمثيلها في مجالس المحافظات أو وجود مواد تضمن لها حق التمثيل ، بالرغم من أن القانون الملغي كان يحتوي على بعضا من هذه الحقوق للمسيحيين وأخرى بائسة للأيزيديين لاتتناسب ونسب تواجدهم في محافطتي نينوى ودهوك ، ولا شيء للصابئة المندائيين ضمن المادة رقم 50 من هذا القانون والذي جرى نقضه من مجلس الرئاسة .
إذا كانت كل جولة من غمط حقوق أبناء الأقليات ومستحقاتهم تبرر بالنسيان في حين ، وبعدم وجود توافق فيما بينهم في حين آخر ، وفي ثالث عدم وجود إحصائيات أو غير ذلك .. فإن الإصرار المتكرر على تسويق مثل هذه التبريرات الواهية واختلاق غيرها ، لا تقنع أحدا ومعهم أبناء الأقليات ، باعتبارها سببا موضوعيا فيما يحصل من اعتداءات متكررة بشأن هذه الحقوق ، بل إن الأمر يزيدهم قناعة بأنه ناجم عن رغبة حقيقية لإفراغ العراق من أبناءه الحقيقيين ، وفي نفس الوقت فهو يؤكد لهم دون أدنى شك بأنه دليل إضافي ، كون أحزاب المحاصصات السياسية غير مؤهلة وليست مستعدة لبناء دولة القانون والمؤسسات والتشريعات القادرة على حفظ حقوق الجميع وخصوصا الأقليات ، وإن عدم تشريع هذه الحقوق وعدم صيانتها أو عدم احترامها يتنافى بشكل صارخ مع مبادئ الدولة الديمقراطية القائمة على أساس دستور مدني .
إزاء هذا التناسي أو مجموع التبريرات المساقة منذ بداية العملية السياسية ، والتي تكررت بموجبها الإسقاطات والاعتداءات على حقوق أبناء الأقليات ، فليس عليهم إلا أن يتضافروا الجهود ويعززوا التنسيق فيما بينهم والالتفاف حول القوى الديمقراطية لتقوية بأسها والضغط عليها للم شملها ، كونها القوى الوحيدة المدافعة عن حقوقها بشكل فعلي ، كما تدافع عن حقوق بقية العراقيين دون تفرقة أو تمييز ، وهذا هو الرد المناسب لإعادة الحق إلى نصابه وتقديم برهان عملي بأن أحزاب السلطة القائمة لا تمثل الأقليات ولكنها تمثل مصالح ضيقة لطوائفها وأعراقها وبالتالي لا يمكن لها أن تنتهج إلا سياسة عرجاء بحق الأقليات .

الأربعاء، 7 مايو 2008

محطات من أنفال به هدينان - المحطة التاسعة


محطات من أنفال به هدينان
ناظم ختاري
(المحطة التاسعة)
يروي العديد من الرفاق الأنصار إنه عندما احتلت قوات النظام قرية كافيا وأغلقت الطريق أمام سكان القرى و قوات البيشمه ركه وبعد تراجعهم والتجمع في نهاية كه لى كافيا قريبا من قريتي (جه م جال وجه م شيرتى)* طرح البعض فكرة تسليم جميع العوائل إلى هذه القوات عبر وساطات ينفذها بعض الوجهاء مع رؤساء الجحوش وهم بدورهم ينفذون الاتصالات مع ضباط الجيش حول هذا الأمر وفيما إذا كان هذا التسليم لا يلحق الضرر بهؤلاء السكان وبعد أن تم التحرك على هذا الأساس وسط رفض العديد من البيشمه ركه تسليم عوائلهم تحت أية ذريعة كانت جرى الاتصال بأحد الضباط المسئولين عن القوات التي كانت تحاصر هذه المنطقة الذي أجابهم بقوله ، لو جاء هؤلاء الناس وسلموا أنفسهم وتقرير مصيرهم كان بيدي لعملت كل ما بوسعي للحفاظ على حياتهم ، ولكن هناك توجيهات صارمة صادرة من صدام حسين بشكل شخصي تؤكد على قتل كل من يلقى القبض عليه أو يسلم نفسه سواء كان مسلحا أو غير مسلح أو كان رجلا أو امرأة أو طفلا . وهذا ما دفع هؤلاء الناس إلى الاحتماء بجبل كارة الذي نتحدث عنه ضمن هذه الحلقات ، إن هذه الواقعة أحدثت تصورات متفاوتة لدى المحاصرين ولكن النتيجة كانت واحدة في رؤى الجميع فوجد البعض أن هذه القوات المتقدمة تريد جمعهم في منطقة محدودة لكي يساعدها ذلك على الانقضاض عليهم بسهولة وآخرون صدقوا ما قاله الضابط عن الأوامر الصادرة من صدام حسين مباشرة بشأن القضاء على كل من يسلم نفسه أو يجري إلقاء القبض عليه لأنهم كانوا يعرفون جيدا الطبيعة العدوانية لشخص صدام حسين ، وفي الواقع لم يكن هناك غير خيار التسليم أمام هذه الأعداد الكبيرة من العوائل وخصوصا بالنسبة إلى سكان هذه القرى الذين سيتعرضون إلى البرد والجوع والعطش والأمراض .
في كل الأحوال وجد المحاصرون إنهم في وضع حرج وأمام خيار واحد لا غيره وهو الموت المحقق على يد هذه القوات سواء سلموا أنفسهم أم بقوا محاصرين في كارة ، فعند التسليم أصبح واضحا لدى الجميع أن هناك أوامر صادرة من صدام نفسه تدعو إلى قتلهم أو على الأقل أن هذه القوات رفضت قبول الاستسلام وهذا يعني إنها تبيت لهم نية القتل لا غير ، ولذلك عند البقاء اضطرارا في هذا الحصار كان الجميع تراوده فكرة أن هذه القوات سوف تقضي عليهم على حين غرة بواسطة أسلحة كيماوية ، أو سيموتون جوعا أو عطشا أو بردا أو مرضا مع استمرار الحصار المفروض عليهم .
في الحلقات السابقة حاولت الإحاطة بكل ما كان يحيط بالقضية من قرارات سياسية وعسكرية التي فشلت في تحقيق أهدافها أمام إصرار قوات النظام على فرض إرادتها وتحقيق مخططها في القضاء على الحياة في ريف كوردستان من خلالها تفريغها من السكان وهدم قراها وردم عيون المياه والقضاء على ثرواتها ( الحيوانية والنباتية ) . وفي الحلقات القادمة سأبذل جهدي للحديث عن جوانب أخرى أعتقدها مهمة لكي يستطيع القارئ الكريم التواصل معنا ونحن في هذا الحصار الذي أصبح يهدد حياة الآلاف منا بكل شراسة .
استمر تدفق الناس إلى هذا المكان من جبل كارة إلى ما وراء الظهيرة وبقيت العديد من المجاميع في أماكن أخرى متفرقة من نفس الجبل خشية من أن يكون التجمع في منطقة ضيقة هدفا سهلا لهذه القوات .
بعد أن التقينا العديد من الرفاق والأنصار و عوائلهم وسكان هذه القرى المحاصرين وبعد أن استمعنا إلى قصص العديد منهم توفر لنا ما يكفي من الوقت للراحة والنوم ، وكان واضحا أن الموقع الذي كنا نتجمع فيه منذ أمس البارحة وصباح اليوم الباكر لم يكن مناسبا لقضاء الليل فيه ولم يكن سوى بمثابة المحطة الأولى للتجمع بعد التراجع أمام تقدم قوات النظام ، وكان واضحا أن هذه العوائل ستحتاج إلى الدفْ في الليل فليس من السهل أن يعيش الإنسان في مثل هذا الوقت ليلا دون نار أو شيئا يتدثر به ، فلم يكن بالإمكان إشعال النيران في هذا المكان كونه كان يقع مقابل تجمعات القوات المتقدمة فبذلك يمكن لهذه القوات النيل من هؤلاء المحاصرين بواسطة قصفها أي لو أقدمت على إشعال النيران لأنها ستصبح هدفا معلوما ، لذلك كان لابد من التنقل إلى منطقة أخرى تتوفر فيها هذه الإمكانية في الليل للاتقاء من برد قمم كارة ... فاستعد كل هذا الكم من البشر لشق الطريق إلى واد يقع بالقرب من هذه المنطقة خلف قرية ئه ركنى وفي أعاليها ورغم كل ما كان ينتظر هؤلاء المحاصرين وجدوا أنفسهم نشطين بعد أن أكتمل وصول أغلب أفراد هذه العوائل إلى هذا المكان وبعد أن استطاعوا الحصول على وقت مناسب للراحة ، فشدوا الرحال بسرعة وتحركوا بحيوية وسط غابات كارة الكثيفة في هذه البقعة التي لم تتعرض للحرق بعد وعبر وعورة المنطقة التي مررنا بها كونها كانت غير مطروقة ولكن مرور هذه الأعداد الكبيرة من الناس مع حيواناتهم عبرها حولتها إلى طريق قابلة للتنقل السهل سيرا على الأقدام . لم تكن المسافة بين المكانين طويلة جدا ولم تكن تحتاج إلى الكثير من الوقت لو كانت الطريق إليها مفتوحة أو مطروقة من قبل و كون أعداد المحاصرين كانت كبيرة والطرق وعرة فإنها أخذت شيئا من الوقت .
كنت تجد في هذه المسيرة النشاط والحيوية لدى الشباب وهم يبذلون الكثير من الجهود لمساعدة الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى ويحملون عنهم أمتعتهم ، وفي نفس الوقت كان المرء يتملكه الحيرة وهو ينظر إلى هذه الحشود المحاصرة من البشر وهم يخوضون هذه الطريق للإتنقال إلى مكان أفضل وأكثر أمنا .. وكأنه كان يريد أن يقول هل سيكون هذا الأمان الذي يبحثون عنه متوفرا وقادرا على حماية أرواحهم إلى النهاية أم إنه مجرد هروب من مواجهة المصير المحتوم .. أم كان في ذلك نوعا من أنواع المقاومة .. رغم معرفة عواقبها .. كون العدو لم يترك لهذه الأعداد الكبيرة أي خيار غير تهديدها بالقضاء عليها ..؟ ، كما أوضحنا ذلك في البداية .
قبل الغروب صرنا نبحث في الموقع الجديد لنا عن أمكنة تساعدنا على إشعال النيران فيها لكي تقينا من البرد ومواقع سهلة على محاولة التخلص من أي هجوم طارئ . فعسكر الجميع في هذا الوادي الذي يقع في منطقة عالية من جبل كارة وخلف قرية ئه ركنى وهب المحاصرون لقطف أغصان أشجار البلوط كي يصنعوا منها أفرشة أمتاز المقاتلون البيشمه ركه بصناعتها في أوقات الراحة والنوم تحت ظلال الأشجار بعد تنفيذ عملياتهم العسكرية أو أنشطتهم السياسية ، والآن أصبح أهالي هذه القرية الكبيرة المختلطة المحاصرة يستخدمونها لقضاء أيامهم في قمم ووديان هذا الجبل ... ويصنعون مواقدا للنيران التي أضاءت في الليل هذا الوادي كما تضئ الأنوار الطبيعية أية مدينة حقيقية .. فلو كنت تريد أن تنسى أن جيشا كبيرا يحاصرك أو إنك معرض للهلاك أو كنت تريد أن تنسى ما كنت تشاهده من مواقف محزنه أثناء النهار أو تضع تصوراتك جانبا عن هذه الحملة الشرسة وعواقبها لكان المنظر جميلا .. ففي نوبة الحراسة في قمة جبلية تسيطر على هذا الوادي .. كنت تشاهد المكان واسعا وعبارة عن حوض دائري له مخارجه تبدو شبيهة بطرق تؤدي إلى أماكن أخرى ، وكان المكان والذي سرعان ما تحول إلى قرية فيها بشرا مشردون ، يبدو وكأنه جرى تصميمه وفق طرق هندسية تلائم طبيعة الجبل وأنشأت فيه هذه المدينة الجميلة وفق طراز متطور في هذه المنطقة الجبلية من كوردستان فكانت النيران المشتعلة من أجل أن تتدفأ هذه المجاميع البشرية بها وكي تستطيع النوم على هذا الدفء . كانت هذه النيران ومنظرها تأخذ المرء إلى عالم جميل طالما كان يحلم به حتى في هذا الحصار .. فكانت تتلألأ كمصابيح مدينة هادئة تبدو للمرء وكأنها مدينة غربية أوروبية يجري تجربة بناء مثيلاتها في كوردستان وإنها المدينة الأولى في هذا المكان ، وأن الأدخنة المتصاعدة من هذه النيران ما هي إلا وإنها تنبعث من مدا فئ بيوتها الهانئة ومراقصها وحاناتها المزدحمة بالناس وضجيجهم وقد كان المرء أمام هذه الأنوار وهو يتخيل ألحانا ويتمازج معها وكأنه يسمع حقيقة دقات الدفوف والمزامير وآلات الموسيقى المختلفة وأصوات الراقصين التي تستمر إلى صباحات هذه المدن ، ثم يستمر متابعة كل شئ حتى عندما يهم الناس ويتفرقون فرادا و مجاميع يتوجهون إلى بيوتهم بواسطة قطارات الأنفاق ووسائط النقل الأخرى للنوم طويلا استعدادا ليوم عمل أو دراسة أو ما إلى ذلك ، من دون أن يخدش صوت إطلاقة واحدة تسلل هذه الألحان إلى سماع المحتفلين أوأن يحدث انفجار ويعكر صفوة سهرتهم الجميلة ... غير أن البرد عندما كان يشتد وهو يتسلل هادئا إلى جسد المرء كان يتلذذ به ويتحمله ولكنه كان يقطع حلمه هذا ناقلا المرء إلى حلم أو عالم آخر وهو يقاوم البرد وكأنه في لقاء حبيبته ويقص لها كيف سيجعلها سعيدة في بلاد ليس فيها غير الورود والزهور والحان الجميلة .. أو أحدا من أفراد عائلته الذين غاب عنهم منذ سنوات طويلة تحت ضغط ملاحقة أجهزة أمن السلطة فيقص له كيف سيقضي مع مناضلي الحرية على نظام الظلم والقتل والسجون والتعذيب وينهي الملاحات ويوفر للناس المعدومين عيشا رغيدا .. ولكنه مضطرا كان يتذكر أن قوات هذه السلطة نفسها تفرض عليه الآن طوقا وإنه يعيش في حصار بسبب صوت انفجار قادم من محيط حلقة حصاره ولا يهم من أية قرية كانت في المنطقة ، فجميعها أصبحت تقع تحت سيطرة الجيش والجحوش وتتعرض إلى التفجير ورغم ذلك يستمر وهو يطلق العنان لتخيلاته الجميلة ولا يريد أن يبرحها رغم إدراكه إنها غير قابلة للتحقق في عراق يحكمه الوحوش والضواري وهم يحاصرونه في هذا الجبل .. ثم ما يلبث ويعي هذه الحقيقة التي يعيشها فتتحول بقية وقت نوبة حراسته إلى زمن يضغط عليه للتفكير بأشياء كثيرة .. بأصدقاء طفولته أو دراسته وما كان يفكر به من أجل مستقبله أو يتحول إلى التفكير بوضع خطط لإيجاد مخارج وإنقاذ هذه القوات وعوائل الأنصار الذين عاش معهم ظروفا بالغة الصعوبة وفي أوقات مختلفة .. كان بينهم أطفالا عوضوه بعده عن إخوته وأخواته الصغار أو ربما أبناءه وبناته وهو يلعب معهم في فسح مه رانى وتحت ظلال أشجار جوزها التي كانت تتعدى الـ 100 شجرة ، توفر بثمارها الوفيرة وجبات فطور تكفي لشتاء كامل ، يوزعها الخفر (الخدمة الرفاقية ) على الأنصار في كل صباح ولكل واحد منهم ربما عشر حبات منها مع كوب من الحليب بقرار يتخذه الرفيق أبو (حازم الإداري) وينفذ بصرامة .. أتذكر عندما حل الرفيق النصير (أبو خدر)* في المقر بعد عودته من مهمة ما وجد أن عائلة الشهيد (أبو فؤاد )* قد انتقلت للسكن في المقر في أحدى الغرف التابعة للتنظيم المحلي فذهب إلى ابنته الصغيرة (سورياز)* البالغة من العمر سنتين فقط وذلك لنيل صداقتها فوجده الرفيق النصير أبو سربست وقال له عبثا تحاول ذلك لأنها بالتأكيد تخاف من شورابك وثم فهي لا تقبل اللعب مع أحد غير ناظم أو أنصار محدودين جدا . فأجابه أبو خدر سأجرب حظي وأحاول ، وبعد فترة قصيرة عاد أبو سربست فوجدهما يلعبان معا فتعجب بسبب ذلك وكونه لم يستطيع الظفر بصداقتها بعد ما حاول كثيرا .. وكان بين هذه العوائل شابات وشباب يشاركوننا الأفراح ويحولونها إلى مهرجانات عائلية ... فكان هناك من يشارك في فرق الأنصار الغنائية وآخرين في الفرق المسرحية وكان بينهم شعراء صغار يمارسون هوايتهم في إلقاء قصائدهم في هذه الأفراح كعيد تأسيس الحزب و نوروز و رأس السنة الميلادية وغيرها من الأعياد التي أعتاد الأنصار أحياءها في كل سنة بفرح غامر واستعدادات مسبقة يشارك فيها الجميع على هيئة خلية نحل نشطة.. وأيضا كان بين هذه العوائل نساء وقفن كالأبطال خلف أزواجهن وأولادهن وأخوتهن لمواجهة الدكتاتورية .. عملن كل شيء من أجل المواصلة ، امتنعن أن يكن عوامل تثبيط لمعنويات الأنصار حتى في أحلك الظروف ناهيك عن ما تحملن من مصاعب حياتية من الجوع والبرد والسكن الغير لائق والعوز المادي وما إلى ذلك دون تذمر.
ولكنك لو كنت تجرب التجوال بين هذه التجمعات البشرية في نفس تلك الليلة لوجدت حقيقة أخرى تعبر عن مدى وحشية نظام أجبر هؤلاء الناس على هذه المعانات فالرجال كانوا يدفعون بالمزيد من الحطب في نيران أشعلوها كوسيلة للحفاظ على حياة أطفالهم ونساءهم من برد كارة ، ورغم ذلك فإنها لم تكن تف بالغرض في الغالب لأن النوم أمام مواقد نيران الحطب في العراء لن يكون سهلا كون المرء يتعرض في احد جنبيه إلى الحرارة الشديدة وفي الجنب الآخر إلى البرد الشديد لأنه لا يوجد ما يتدثر به غير ملابسه التي يرتديها ولذلك يستمر في التقلب إلى الصباح دون أن يشبع نوما وكان الوضع مع الأطفال صعب للغاية فأما تركهم ينامون بين موقدين وأما على النساء احتضانهم وخصوصا الرضع منهم للصباح ففي الحالة الأولى كانوا يتعرضون إلى الحروق وملابسهم كانت تتحول إلى قطع أسمال بالية أما في الحالة الثانية فكانوا يستمرون بالبكاء بردا لأن هذه النيران لم تكن قادرة على الوصول لكل أجسامهم وصدور أمهاتهم لم تكن تكفي لاحتضانهم جميعا .. ولذا غالبا ما كانت كل إمرأة تردد مع بكاءها المر جملا حزينة غير مترابطة تعبر بها عن قلقها إزاء الخطر الذي يداهم الجميع في هذه البقعة التي لا يعرها أحدا في هذه الدنيا أي اهتمام .. نم يا ولدي ها أشعلنا النيران .. وسيتدفأ جسدك بعد قليل .. كنت أود أن أموت ولا أراك ترتجف بردا .. يا ولدي الموت في قمم كارة أهون من الموت بغازات جيش صدام أو سجونه .. لو متنا هنا سنكون قريبين لقريتنا وسيكون هناك من يدفننا في مقابر أهلنا وبجوار موتانا ..أما لو متنا في مكان آخر من سيعثر على بقايانا ..؟ وسوف لن يكون لنا قبورا ..!!!
كان الأطفال يبكون أيها الناس لحد الإغماء .. فضلا عن البرد كانوا جياعا .. لم يصمد خبزهم القليل كثيرا .. تناولوا لحما لوحده .. أصابوا بالإسهال .. لا يشربون الماء إلا قليلا أو قطرات منه لأنه غير متوفر ومصادره محتلة من قبل الجحوش .. النساء ينمن قليلا وينتحبن كثيرا .. يتحملن الجوع والعطش ومعانات أطفالهن .. أينما ذهبت نحيب النساء يلاحقك .. صرخات الأطفال بردا تلاحقك .. حتى الكبار عيونهم تمتلئ دموعا .. لم يعودوا يخجلون في الإفصاح عن حزنهم بالبكاء .. فإذا كان البعض منهم يخبأ رأسه بين ذراعيه ويطلق العنان لبكاء مر ، فإن الكثير منهم بكى بصوت عالي وبمرارة شديدة .. يلعنون عالم المصالح .. ذلك العالم القاسي الذي استطاع بجدارة السكوت عن كل ما يجري في هذا الجبل .. فخمسة عشرة ألف نسمة محاصرون تطوقهم وحدات من الهمج ولا أحدا يتكلم .. خمسة عشرة ألف نسمة يتضرعون جوعا ولا أحدا يتكلم .. وقواهم تخور عطشا وبردا ومرضا ولا أحد يتكلم .. أية ضمائر تحكم الأرض ...؟ كيف تستطيع الصمود أمام كل هذا العذاب وهذه المعانات البشرية .. ؟ هل قال أحدا في كل هذا العالم كلمة واحدة عن هؤلاء الناس .. ؟ ربما كان كينشر وزير خارجية ألمانيا الغربية وحيدا حينما تحرك وجدانه ورفض هذا الظلم ، فتيمنا به استخدم أحد أنصارنا اسمه ونبه الجميع على ضرورة مناداته بأبو كينشر ظل يحب هذا الاسم لسنوات طويلة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(جه م جال وجه م شيرتى)* قريتان مسيحيتان تقعان بين منطقة نهلة وقرية كافيا وكانتا بمثابة محطات استراحة للبيشمه ركه وكان أهالي القريتان يقدمون خدمات كبيرة لهم .
(أبو خدر)* وهو غني عن التعريف كل الأنصار يعرفونه وكذلك معروف على مستوى جماهير المناطق التي كنا نعمل ضمنها وكان من الأنصار الأشداء وعلى قدر كبير من الانضباط ، ويتميز بعلاقات واسعة مع رفاقه والجماهير وكانت مواقفه ثابتة إزاء مختلف القضايا ولازال يحتفظ بالكثير من الحيوية في خوض نقاشات حامية حول مختلف المواضيع .
(أبو فؤاد )* كان مسئول محلية دهوك للحزب استشهد في 5 حزيران عام 1987 اثر قصف سرب من طائرات النظام البائد مقر قاطع به هدينان بالأسلحة الكيماوية في كه لي زيوة قرب ناحية كاني ماسى في منطقة العمادية .
(سورياز)* أبنة الشهيد ابو فؤاد ولدت في قرية آطوش وسميت تيمنا بالاسم الكوردي لنبات حمضي ينمو في جبل كارة والمناطق الباردة .

محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثامنة


محطات من أنفال به هدينان

ناظم ختاري
(المحطة الثامنة )
أنصار يتحدثون عن العوائل وقرار الانسحاب
تقدمنا وسط هذه الأعداد الهائلة من البشر والذين ينتشرون بين صخور جبل كارة و قطوعه وأشجاره نحو موقع تواجد رفاقنا والعويل لا يتوقف وأصوات الإنفجارات و اطلاقات البنادق لا تتوقف هي الأخرى ، فأصوات الإنفجارات كانت إشارة على أن هذه القوات دمرت قرية خلفتها وراءها بمواد متفجرة وأصوات اطلاقات الأسلحة الخفيفة كانت إشارة دخول واحتلال طلائع هذه القوات لقرية جديدة وعادة ما كانت هذه الطلائع من وحدات الجحوش المرتزقة وهم يزفون بشرى جريمتهم أللأخلاقية لبقية قواتهم الزاحفة وراءهم نحو هدفهم النهائي وهو إحكام الحصار التام حول كارة وذلك بسبب معرفتهم بوجود هذا العدد الهائل من سكان هذه القرى مع البيشمه ركه والأنصار في حلقة حصارهم في هذا الجبل ، وأشارت التوقعات إلى أن عدد المحاصرين كان يزيد على ألـ ( 15) ألف إنسان اعتمادا على احتساب عدد القرى التي كان ينتمي إليها المحاصرون وعدد نفوس سكانها التقريبي وغالبية هذه القرى كانت قرى مناطق عملنا ولذلك كنا نلتقي بأعداد كبيرة من المعارف من مواطنيها بين كل دقيقة وأخرى وأثناءها يتولد عند المرء شعور غريب وهو يقف أمام هؤلاء الناس لا حول ولا قوة له ، ويردد في داخله ما ذنب هؤلاء الأبرياء وهم يتعرضون إلى كل هذه المصائب وقد تكون المصيبة الحالية أكبر كارثة في تاريخهم..؟ لم نكن نستطيع أن نفعل شيئا من أجل هؤلاء كلنا كنا نتعرض لنفس المستوى من المخاطر على الأقل في بادئ الأمر حتى وإن تغيرت المسألة بعد ذلك .
في الطريق إلى حيث رفاقنا وعوائل أنصارنا رأينا عشرات المواقف المحزنة ولكن التفكير بما سيحصل لهؤلاء الناس بشكل جماعي وهم في هذا الحصار سيطر على أي شئ آخر.. فهل يستطيع المرء أن يتخيل من أين سيحصل هؤلاء البشر على طعامهم وشرابهم وهم معلقين في قمم هذا الجبل ووديانه ..؟ هل ستستمر هذه القصة أم ستكون لها نهاية ..؟ وكم ستستمر حتى تبلغ نهايتها في ظل الجوع والبرد والخوف والأمراض ..؟ وكيف ستكون هذه النهاية وسط هذه الكم الهائل من القوات المهاجمة والمسلحة بأخطر أنواع الأسلحة ...؟ لا يمكن للمرء أن يتخيل غير نهاية محزنة ومأساوية لهذه الآلاف من البشر . فلم يكن بامكانه أن يتخيل غير ذلك وضربة مقر أنصار حزبنا في زى شين وأحداث حلبجة والضربات الكيماوية في المناطق الأخرى لازالت طرية في الأذهان وكان عدد ضحايا مدينة حلبجة لوحدها قريبا إلى عدد المحاصرين في هذا الجبل ،أي 5000آلاف شهيد و7000 آلاف جريح ..؟ فهل ستخجل السلطة لو أقدمت على مثل الجريمة مرة أخرى وقتلت هذه الآلاف المحاصرة ..؟ ومن سيردعها عن ذلك إذا أرادت ..؟ فكل المجتمع الدولي أصبح إلى جانبها وتمتنع الاعتراف بحقيقة كون النظام أستخدم هذه الأسلحة ..! ولم يكن لنا أصدقاء في هذه المحنة ، نعم إنه استخدم الأسلحة الكيماوية ..أستخدم غازات سامة لم نكن نتداول أسماءها من قبل كغاز الخردل أو السيانيد أو الماء الأصفر وما إلى ذلك ، وما بالك وإنها أصبحت تستخدم على نطاق واسع ضد سكان كوردستان كأسلحة فتاكة وأن هذه الآلاف ستموت لا محالة بواسطتها وبطريقة بشعة ...!! اعتقد أن كل واحدا منا دارت في مخيلته مثل هذه الأسئلة والكثير غيرها ونحن نلتقي الناس والمعارف وكان الحزن المرسوم على وجوههم يؤكد بشكل لا يقبل التأويل على بشاعة ما كان ينتظرهم جراء كل هذا .
وكما كنت تجد المحاصرين من سكان هذه القرى يحملون هموما لا تستطيع كل الدنيا تحملها ،هكذا وجدنا أنصارنا وعوائلنا أيضا يحملون حصتهم من هذه الهموم والحيرة في نفس الوقت بعد أن ألتقيناهم في مواقع متفرقة ضمن هذا المكان تحسبا لأي طارئ . فرغم شدة بأسهم قبل هذا الوقت كنت تجدهم في حيرة لا يحسد عليها ... أصبحت كل الطرق مغلقة بوجوهنا وها هي العوائل تعيقنا ... لا نستطيع أن نقدم لهم شيئا بعد الآن ... ولا نستطيع أن نجد حلا لهم في ظل هذا الحصار ... ونحن الآن هنا تأخر كل شئ ...علينا ان نقبل بمصيرنا المحتوم ... فلان يتحمل مسؤولية تأخير العوائل ... هذه عوائلنا سنموت من أجلها وندافع عنها من أجل خلاصهم ... نحن لو كنا لوحدنا لاستطعنا أن نجد لنا طريقا تنقذنا ... ولكن المشكلة هي مشكلة العوائل ... لماذا تأخرتم في عملية ترحيلنا....؟ كان هناك متسع من الوقت أن نصل إلى الحدود قبل نقع في هذا الفخ ولكن الرفاق أهملوا ذلك ... صحيح كان هناك الوقت الكافي لنقل العوائل إلى الجهة الثانية ولكن كان من شأن ذلك إثارة بلبلة بين الناس في المنطقة وهذا ما لم نكن نرغب به ...كان من الضروري اتخاذ الإجراءات اللازمة بصدد إبعاد العوائل إلى مناطق آمنة بسبب شراسة النظام ودمويته التي لم تفرق بين طفل ومقاتل..هكذا تكلم الجميع بين مستاء وبين من يقول أن الأحداث كانت سريعة لم تترك لنا فرصة جيدة للتفكير واتخاذ ما يلزم لتجنب مثل هذا الوضع وعموما كانت المواقف غير واضحة وأصبحنا في وضع صعب .
ولأجل التوصل إلى حقيقة الوضع ارتأيت ضرورة تدوين إجابات بعض الرفاق الأنصار عن تلك الأحداث كي تصبح الصورة أكثر وضوحا وهم يجيبون على سؤالين مترابطين في الواقع وهما – لماذا تأخر اتخاذ قرار بنقل العوائل إلى مناطق آمنة علما كان بإمكان الرفاق اتخاذه بهذا الشأن حسبما عرفت هل هذا صحيح ..؟ - ما هو تصوركم حول مجمل الوضع لماذا تأخر الانسحاب إذا كان لابد منه دون مقاومة ..؟ فكان من شأن الإسراع به تجنب كل تلك الخسائر والمصاعب ..!
أبو سربست (صبحي خضر حجو) كان حينها عضوا في اللجنة القيادية الجديدة للمحلية ، فقد خمسة من أفراد عائلته ضمن هذه الحملة فتحدث قائلا وهو يجيب على السؤالين أعلاه .
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بإجابة واحدة ، إذ كانت هنالك عدة أسباب ضمن تلك الظروف التي كان فيها الوضع متشابكا وضبابيا إلى حد كبير وكان مفتوحا على جميع الاحتمالات ، ولكن في كل الأحوال كانت الآفاق قاتمة والآمال تنعدم تدريجيا أمام الأنصار وأهالي المنطقة . أما الأسباب فكانت برأيّ كالتالي :
1 ـ لم يصلنا ( منطقة بهدينان ) توجيه قيادة الحزب الصادر ( حسب ما عرف فيما بعد) في شهر شباط 1988 . والذي طلب إبعاد العوائل إلى المناطق الآمنة . وإذا كان قد وصل فإننا لم نبلغ به من قبل المسئول الأول آنذاك أبو سالار ( لبيد عباوي ) ، أو من قبل قاطع بهدينان نفسه ، بدلالة إن الفوج الثالث أيضا لم يتخذ التدابير الاحتياطية لرفاقه و عوائلهم إلا قبل إحكام سيطرة الجيش والجحوش على مناطقهم بيوم أو اقل من ذلك ، ورغم أنهم كانوا قريبين جدا من الحدود ولكن بصعوبة بالغة تمكن الأنصار وعوائهم مع مجاميع من الأهالي من عبور الشارع الرئيسي بين ( مجمع باطوفا ) و(كاني ماسي )، بحيث تم حصر المئات من الأهالي في ( كلي بازي) وجرى الحديث عن حصول مجزرة لهم على يد القوات العراقية .

2 ـ تأخرت اجتماعات القيادة في منطقة خواكورك ، وانتظرنا التغييرات المرتقبة ، وتأخر وصول الرفاق ( ممثلي القاطع والأفواج ) الذين كانوا مشاركين فيها حتى نهاية تموز أو بداية آب من نفس العام . وبعد وصول ابو سالار وعقد الاجتماعات للنظر في تطبيق القرارات المتخذة ، دعي إلى اجتماع بحضور الأنصار أصحاب العوائل ودعي فيه إلى إبعاد العوائل من المقر وأطرافه إلى مناطق أخرى على الأقل بضعة كيلو مترات . ولم يقتنع في حينها أي من أصحاب العوائل بما فيهم نحن أيضا . إذ عبرّ الجميع عن قناعتهم بعدم جدوى هذا الحل ، وإذا ما حصل الهجوم فانه سيشمل المنطقة برمتها ، ولن يقتصر على المقر فحسب . ولكن سقط بيد الأنصار بسبب عدم وجود البديل الجاهز من الحلول الأخرى على المستوى الجماعي على الأقل .

3 ـ بذلنا أنا والرفيق حسين حجو كنجي ( ابو عمشة ) محاولات ومن وقت مبكر مع أبو سالار المسئول الأول للمحلية ، و اقترحنا عليه إرسال العوائل إلى سوريا عبر طريق الخط السري للحزب ( التنظيم الداخلي ) . وضغطنا عليه كثيرا ، وتعذر بان عليه أن يستشير الرفيق المعني بالطريق السري ويسأله عن مدى توفر الإمكانية لنجاح هذه العملية ، فان أجاب ذلك الرفيق بالإيجاب ستتم الموافقة وإذا كان الجواب سلبيا ، لن نستطيع الإقدام على مثل هذه "المغامرة" .
وبعد فترة وجيزة اخبرنا أبو سالار: بان جواب الرفيق المعني كان سلبيا وانه لا توجد إمكانية لمثل هكذا عمل !
وفيما بعد ، وبعد الانسحاب إلى سوريا ، سألنا ذلك الرفيق المعني والمسئول عن ذلك الخط الحزبي السري ، سألناه حول الموضوع ، وأجابنا : نعم ، سألني أبو سالار وكان جوابي له ، انه توجد إمكانية جيدة لنقل العوائل كلها في حالة موافقة الحزب !! وقد شكّل جوابه لنا صدمة كبيرة جداً !! إذ كيف يمكن لأبو سالار أن لا يكون صادقا معنا لهذه الدرجة ويخون الأمانة الحزبية ، ويخدع من منحوه الثقة الحزبية ، وكانوا معه في خنادق الموت وحموه طيلة تلك السنوات !! ، ويكون بذلك أبو سالار قد تحمل مسؤولية أخلاقية مباشرة لفقدان تلك العوائل...

4 ـ يظهر إن جميع الأحزاب وقواتها البيشمه ركه لم تضع التصور الصحيح أو التوقعات الصائبة لنوايا النظام وطبيعة عملياته القادمة ! فقد اعتمدت أسوء تلك التوقعات على إن النظام ربما سيشن هجوما اكبر من ذلك الذي كان قد شنه قبل اشهر من ذلك الوقت في (5 كانون الثاني من 1988) . حيث تم التصدي لذلك الهجوم بضعة أيام ، ونقلت العوائل أثناءها إلى مناطق خلفية أكثر أمانا ( كلي كافيا) . وبعد انسحاب القوات الحكومية عاد الأنصار و العوائل وأهالي القرى إلى أماكن سكناهم السابقة أو في القرى والأماكن البديلة في الوديان وسفوح الجبال . ولم تتوصل توقعاتنا ( جميع الأحزاب ) إلى احتمال أن يشن النظام هجوما كاسحا كالذي حدث مستخدما فيه الأسلحة الكيماوية أو الأسلحة المحرمة دولياً !! . بدلالة إن آخر لقاء بين القادة العسكريين للأحزاب المتواجدة في المنطقة من أحزاب الجبهة الكوردستانية قبل اقل من أسبوعين فقط من الهجوم ، كان قد تم فيه الاتفاق على تشكيل المفارز المشتركة وطرق وأساليب ووسائل التصدي للهجمات المحتملة والمتوقعة !.

5 ـ كما أن قيادة لجنة محلية الشيخان للحزب الديمقراطي الكوردستاني ( الحليف في الجبهة الكوردستانية ) أنذلك ، لعبت معنا لعبة .. لا نعرف ماذا نسميها ؟! ولكن في كل الأحوال كان تصرفا سلبيا وغريبا عن الروح النضالية المشتركة والعلاقات المعمدة بالدم في سوح النضال .. إذ اخفوا عنا القرار الصادر عن السيد مسعود البارزاني والقاضي بالانسحاب الشامل للبيشمه ركة والأهالي إلى مناطق آمنة خارج الحدود . وتمثلت الغرابة ، بأننا بعد أن لاحظنا في أيام 24. 25 ، و26 آب تصرفات أهالي القرى وارتباكهم ومحاولات الرحيل الجماعي ، أرسلنا وفداً بقيادة المرحوم أبو فارس ثلاث مرات في يوم واحد إلى مقرهم في ( سي ده را ) نسألهم فيها عن التطورات الجديدة وفيما إذا كانت هنالك أية أخبار استثنائية من القيادة ونذكرّهم بحال الأهالي وترحالهم ، فكانت إجاباتهم بأنهم لا يعرفون شيئا وليس هنالك من جديد ! وتكرر الأمر لليوم الثاني وكانت إجاباتهم هي نفسها !. وهم بذلك فوتوا علينا فرصة يومين ، كان بالإمكان خلالها إن نعبر النهر باتجاه الحدود الإيرانية والتركية ، بدليل إننا بعد أن رحلنا فيما بعد ، بقيت لنا مسيرة يوم واحد وكنا نعبر ذلك النهر ونصبح خارج سيطرة القوات المهاجمة . ولكننا حوصرنا ولم نستطع مواصلة المسير.
وقد كان وقع هذا التصرف على الأنصار و عوائلهم شديداً وبالغ القسوة والتأثير . وقد طرحته على شكل تأنيب قاسي على المرحوم ( علي حسن خنسي) الذي كان هو المسئول الأول في محلية الشيخان آنذاك ، عندما التقيته في دمشق بعد الأحداث بعام . وعبّر عن أسفه ولم يستطع أن يعطي تفسيراً مقبولا لذلك التصرف .

6 ـ الأمانة والموضوعية تقتضي عند رواية هذه الأحداث ، أن يكون المرء صريحا مع نفسه والآخرين ، فقد كانت لما تسمى قضية الالتزام الحزبي الصارم والالتزام بالأصول وعدم تخطي المراجع و... الخ من القواعد والتعليمات الحزبية التي تربينا عليها نحن الكوادر ولأكثر من ثلاثة عقود ، الذين كنا نعيش فصول هذه القضية المأساة ( أنا والرفاق: أبو عمشة وتوفيق وابو داؤود وآخرين ) إضافة إلى إنها كانت تشكل لنا مسألة أخلاقية وجزء من تقاليدنا الاجتماعية الشخصية ، وان كانت هذه القضية ( صدق الالتزام ) في العمل الحزبي وفي مختلف المراحل لها إيجابياتها ، ولكنها في الحالة التي نحن بصددها كانت لها نتائج سلبية كبيرة علينا وعلى عوائلنا ، ولو لم يكن التزامنا بهذه الدرجة ربما اكرر ربما كانت النتائج ستكون بشكل آخر! . فمثلاً ، كان بامكاننا تجاوز هذه العادة في تلك الظروف ونسأل الرفيق المختص بالطريق الحزبي السري إلى (سوريا ) ، إذ كنا نعرفه ونحتفظ معه بعلاقات متميزة ، وتوفرت الفرصة لذلك ، وكنا بذلك نكشف خداع ذلك المسئول ، وربما كنا نتخذ قراراً في صالح تسفير تلك العوائل .. وان ليس بالإمكان إعطاء ضمانات أكيدة حول نجاح الخطة من عدمها في تلك الظروف الصعبة. ومثال آخر.. في تلك الظروف كانت بالتأكيد تتوفر إمكانيات عديدة ومتنوعة للبعض إذا لم اقل كل هؤلاء الكوادر المذكورة آنفاً، لو استخدموها بشكل فردي لأمكنهم إنقاذ عوائلهم ! ، ولكنهم انطلاقاً من تلك الروح الحزبية والمثل والأخلاق الاجتماعية التي تربوا عليها وتشربت بها نفوسهم ، منعتهم من التفكير كل بذاته أو بعائلته فقط ، وارتضوا أن يكون مصير الجميع واحداً ، مع العلم إن كل نصير ترك له الخيار بين تسليم العائلة ولكن بعد العفو أو التصرف بغير ذلك وعلى مسؤوليته الشخصية ..

وفي كل الأحوال لابد من تبيان حقائق أخرى أيضا :
الأولى : إننا طيلة فترة الحصار أرسلنا المفارز الكثيرة في مختلف الاتجاهات من اجل الكشف عن أي طريق أو منفذ يمكن أن نسلكه للوصول للحدود الإيرانية أو التركية ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل . إذ فقدنا اثر بعض المفارز ، وبعض أفراد مفارز أخرى فقدوا اثر بعضهم البعض بعد تعرضهم إلى كمائن القوات الحكومية واستشهد على أثرها البعض منهم .
الثانية : إننا كنا محاصرين ومعنا آلاف العوائل في ( جبل كارا ) كما أشار الأخ ناظم ختاري ، وكان الحصار محكماً وفي العديد من الأحوال كنا نغامر ونذهب إلى الينابيع وعيون المياه من اجل ملأ ما يتيسر لنا من الأواني للعوائل والأطفال بشكل خاص ، إذ كانت القوات الحكومية هي التي تسيطر على تلك الينابيع ، وكانت تلك القوات تعلم جيدا بوجود ذلك الكم الهائل من البيشمه ركة و العوائل ، ولهذا أيضا كنا نتوقع في كل لحظة أن يصار إلى شن الهجوم الكاسح علينا أو قصفنا بالمدافع والراجمات أو قصفنا بالطائرات الحربية والسمتية إذ كانت دائمة التحليق فوقنا .
الثالثة : كان الاعتقاد سائداً آنذاك وبشكل خاص بعد العفو ( 6/ ايلول ) ، بأن أقصى ما يمكن أن يتخذه النظام من إجراءات ضد العوائل التي تسلم نفسها بعد العفو ، هو انه سيعمد إلى إسكانها في مجمعات في وسط وجنوب العراق ، أو ربما في كوردستان أيضا ولكن كاحتمال ضعيف .. وهذا ما جرى فعلاً ، باستثناء عوائلنا وعوائل أخرى من قرى المنطقة ، ولكن الأغلبية الساحقة أسكنت في مجمعات قسرية في كوردستان . وفي الانتفاضة عادت كل تلك العوائل إلى المدن أولا ومن ثم قراها وأماكن سكنها السابقة بعد أعمارها طبعاً .
توفيق ( خيري درمان) الذي فقد عائلته هو الآخر والمتكونة من 6 أفراد إضافة إلى أكثر من 25 فردا من أقاربه ضمن هذه الحملة و كان حينذاك في موقع المسئول العسكري الأول ضمن التشكيلة الجديدة بعد دمج الأنصار والتنظيم المحلي وأجاب عن هذين السؤالين قائلا في الحقيقية جاء التفكير بضرورة معالجة وضع العوائل بعد هجوم السلطة على مناطقنا في 5-1-1987 على محورين الأول محور كانيكا والثاني محور سوارى وسبيندارة ، استطاعت خلالها قوات النظام عبر محور كانيكا احتلال مقراتنا وحرقها إضافة إلى حرق بعض البيوت العائدة لأفراد قوات الأنصار والبيشمه ركه في القرى التي كانوا يسكنون فيها بعد أن اضطرت هذه العوائل الانسحاب معنا في هذا الشتاء القاسي إلى منطقة كافيا حيث كان يوجد فيها مقر قاطع أربيل لأنصارنا ، علما هذه المرة لم تتعرض هذه القوات لسكان المنطقة وقراهم ، عندها شعرنا بمدى تأثير وجود العوائل في مناطق قد تصبح مناطق قتال دائمة على نشاط الأنصار فكان لابد لنا البحث عن حل بالاتفاق مع قيادة الحزب وخصوصا إنها أصبحت تتعرض إلى مخاطر جدية وأن سكان القرى التي تسكنها هذه العوائل أصبحوا يشعرون بعواقب تتهددهم في حالة استمرار بقاءها ضمن قراهم ولكننا تأخرنا في إيجاد حل والبحث بشأن ذلك ولم تطرح المسألة على قيادة الحزب بشكل مباشر إلا عند سفري إلى إيران لغرض العلاج في الشهر الرابع من عام 1988 ، حينها كلفت من قبل قيادة الفوج لمفاتحة قيادة الحزب حول هذه المسألة وضرورة إيجاد حل لها وفعلا حصل هذا اللقاء مع كل من الرفيقين أبو سعود ( عزيز محمد ) كان وقتها سكرتير اللجنة المركزية للحزب والرفيق أبو عامل كان عضوا في المكتب السياسي للحزب ومسئول المكتب العسكري المركزي لقوات أنصارنا و تبين أن الرفيقين كانا يتفهمان القضية وتركا صلاحية اتخاذ قرار بشأن العوائل على عاتقنا مع إبداء ملاحظة حول ضرورة عدم تأثير ذلك على نشاط الأنصار أصحاب العوائل .
بعد عودتي من إيران ووصولي إلى مه رانى والقول لتوفيق كان قد أتخذ قرار من قبل قيادة الحزب بشأن دمج الأنصار والتنظيم المحلي ، وتطلب ذلك وقتا ليس بقصير لتحقيق هيئات جديدة ، وفي أول اجتماع للهيئة الجديدة طرحت موقف قيادة الحزب بشأن العوائل ودفعت باتجاه اتخاذ قرار حول العوائل ولكن نتائج مناقشاتنا أوصلتنا إلى الاختلاف حول الأمر وخصوصا ما يتعلق بالأنصار أصحاب العوائل ومن يرافق العوائل فأكد بعض الرفاق العراقيل التي تعترض تنفيذ قرار ما بهذا الشأن والبعض الآخر حرص على ضرورة تنظيم تواجد هؤلاء الأنصار مع عوائلهم من خلال تنظيم أجازاتهم ، وأدى هذا الاختلاف في الرأي إلى تأجيل دراسة هذا الأمر إلى ما بعد معالجة كل ما يرتبط بعملية الدمج والانتهاء من تشكيل هيئاتنا العسكرية والحزبية ، وثم إشراك العوائل في عملية المناقشة للوصول إلى قرار ملائم . و كان هذا السبب الأول الذي حال دون معالجة وضع العوائل في وقت مبكر ، وأما السبب الثاني فله قدر كبير من الأهمية أيضا ، حيث لم نكن نحن ولا محلية الشيخان لحدك ولا قياداتنا نتوقع حجم الهجوم القادم ونوايا السلطة ، كانت تصوراتنا لا تخرج من إطار كون أي هجوم قادم لا يتعدى أهدافا محددة ولن يكون شاملا أو يكون بمقدوره إزاحة قواتنا من المنطقة بشكل نهائي مما أدى ذلك إلى إهمال اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لهذا الهجوم الشامل . وواصل الرفيق حديثه وكما تعلم كنا نتصدى للهجمات السابقة بإمكانيات كبيرة ونواصل المقاومة لأيام كثيرة كما حصل أثناء هجوم كانيكا وهكذا كان الاعتقاد السائد أن الهجوم القادم سيكون بهذا الحجم وعند ذلك لدينا من الإمكانيات لمقاومته والتصدي له من حيث السلاح وعدد المقاتلين لحزبينا علاوة على قوات المقاومة الشعبية.
ولكنه هذه المرة وردتنا معلومات من تنظيماتنا في الداخل تؤكد أن قوات النظام تنوي شن هجوم واسع على مختلف مناطق كوردستان كان هذا قبل أسبوعين من الحدث وأبلغنا قيادة القاطع بهذه المعلومات ووجه الرفاق بضرورة التحري عن المزيد من المعلومات ونوايا السلطة و قبل أسبوع واحد من الهجوم وصلتنا المزيد من المعلومات حول تحشيدات عسكرية لقوات النظام في مختلف المناطق ، وخلال هذه الفترة طلبنا من قيادة لجنة الشيخان لحدك عقد اجتماع لتدارس الأوضاع على ضوء المعلومات التي تردنا والتحشيدات العسكرية الهائلة وكنت من بين الذين حضروا الاجتماع من جانبنا والسيد على خنسي من جانب حدك وتداولنا الأمر كثيرا وأكد الرفاق في حدك على استعدادهم للمقاومة وأشاروا إلى إمكانية ذلك ووجود أسلحة جيدة وأعداد كبيرة من المقاتلين والبيشمه ركه والمقاومة الشعبية واستشهدوا بمقاومة قواتنا في خواكورك والتي استمرت لما يقارب الشهرين من المعارك الضارية ، وقالوا على الأقل نستطيع مقاومة العدو لشهر واحد وهكذا جرى الاتفاق في هذا الاجتماع على المسائل التالية .
- تشكيل مفرزة مشتركة وإرسالها إلى قرى المنطقة وذلك لحث الناس على المقاومة وجمع المزيد من المعلومات والتصدي للحرب النفسية للعدو التي بدأ يشنها عملاءه بشكل نشط جدا في المنطقة وهي كانت تثير الهلع في صفوف الجماهير.
- أن تكون هنالك اتصالات مستمرة بين الطرفين للمزيد من التنسيق حول المستجدات في الوضع العسكري .
- الاستعداد للمقاومة وإعداد القوات و تهيأة مستلزماتها .
وبعد عودتنا إلى المقر اجتمعت اللجنة القيادية الجديدة لدراسة الوضع من كل الجوانب والقرارات التي توصلنا إليها في لجنة جك .واتخذنا الإجراءات التالية - أعددنا الأنصار للمشاركة في المفرزة المشتركة - واتخذنا قرارا بشأن معالجة الأسلحة والمؤن الزائدة عن الحاجة وإخفاءها للضرورة - ودرسنا وضع العوائل ، فطرح السؤال التالي بشأنهم . هل يتم اتخاذ قرار تتوجه العوائل بموجبه إلى المناطق الحدودية ..؟ علما كان الوضع لازال هادئا في مناطقنا على الأقل مع تأكيدنا على ضرورة إنقاذ العوائل توقفنا عند نقطتين أثارهما أبو سالار ( المسئول الأول للجنة ) ، 1- كيف سيكون موقف الجماهير لو انسحبت عوائلنا نحو الحدود.. ألا يثير ذلك الكثير من القلق لديها ويحدث بلبلة بين صفوفها وخصوصا أن الناس تعتمد كثيرا على مواقفنا ..؟؟ 2- من يرافق العوائل في انسحابهم وخصوصا أن الغالبية من أصحابها من الأنصار الذين يجري الاعتماد عليهم في مثل هذه الحالات الحرجة بحكم معرفتهم الجيدة بطبيعة المنطقة..؟ .
فإذا كانت هنالك إمكانية معالجة النقطة الثانية من خلال الاستعاضة بالأنصار كبار السن والغير فاعلين منهم لمرافقة العوائل فإننا لم نجد مخرجا نبرر به موقفنا أمام الجماهير، في حالة الانسحاب في ظل هذه الظروف. ولهذا جرى اتخاذ قرار بضرورة التريث وما ستؤول إليه الأحداث.
وفي الواقع كانت هنالك ضرورة لدراسة قضيتين أساسيتين ترتبطان بمسألة العوائل ووضعنا بشكل عام .
المسألة الأولى – كانت رؤيتنا في الاجتماع المنعقد بيننا وبين رفاق حدك وفي اجتماعاتنا الأخرى قاصرة وكانت مقارنة مناطقنا بمنطقة خواكورك مقارنة غير موفقة أوقعتنا في ورطة حقيقية للأسباب التالية 1- كانت هذه المناطق أي خواكورك تقع مباشرة على الحدود مع إيران ، وهذا جعل من الصعوبة بمكان على قوات النظام تطويقها ومحاصرتها وكذلك كان يسهل على قواتنا الدخول إلى الأراضي الإيرانية متى ما شعروا بعدم القدرة على مواصلة القتال 2- لم تكن قوات الأنصار والبيشمه ركه هناك في خواكورك مقيدة بوجود عوائل لمقاتليها ، وهذا ما وفر لها حرية الحركة والخفة اللازمة وسهولة مناورة العدو 3- والجانب الأكثر أهمية هنا هو مشاركة القيادات في العمليات الحربية المباشرة من خلال التصدي للهجمات وهذا ما أدى إلى تعزيز معنويات المقاتلين وقدرتهم على مقاومة العدو مثل هذه الفترة الطويلة والتي قاربت الشهرين.
المسألة الثانية - أرى كان لزاما علينا كقيادة محلية نينوى وقيادات الأنصار الأخرى وعلى أعلى المستويات أن نلجأ لاتخاذ قرار بشأن العوائل وخصوصا بعد ورود المعلومات الدقيقة من منظماتنا حول استعدادات العدو وتحشيداته العسكرية لشن هجوم واسع على مختلف مناطق كوردستان يهدف من وراءه تصفية الوجود المسلح هناك بعد أن تستطيع إزاحة سكان الريف من قراهم . ففي الواقع إن المعلومات التي كانت تصلنا كانت تفصيلية وتؤكد على حجم قوات النظام وتحشدا ته في كل منطقة ونواياه الحقيقية وهذا كان يعني أن النظام كان جادا وعبر كل إمكانياته من أجل تحقيق أهدافه المرسومة . وإلى جانب هذا كان من الضروري أن نأخذ وجودنا في العمق بنظر الاعتبار فكانت إمكانية تطويق ومحاصرة مناطقنا ممكنة بعكس خواكورك بحكم كونها مقطوعة ووجود مناطق واسعة ومدن عديدة تفصل بيننا وبين الحدود مع تركيا تسيطر عليها قوات النظام العسكرية وتديرها مؤسساته الحكومية وكانت تتوفر فيها شبكة من الطرق والمواصلات تساهم إلى حد كبير على تسهيل حركة العدو بينما قواتنا كانت دائما معرضة للوقوع في الحصار .
وهذا ما استغلته قوات النظام في الوقت الذي كان ذلك غائبا عن بالنا ولهذا فإنها بادرت منذ البداية على تشديد حصارها لمناطقنا عبر السيطرة على المنافذ الحدودية وثم التوجه لتضيق الحصار على مقراتنا والقرى القريبة منها ، وهكذا بدا عملاء النظام بحربهم النفسية من خلال إشاعة معلومات كان الهدف منها انهيار معنويات الجماهير و إحباط أية محاولة للمقاومة إلى جانب قوات الأنصار والبيشمه ركه ودفعها للاستسلام .
وفي الحقيقة أدى هذا النشاط من قبل عملاء النظام إلى خلق حالة من الرعب بين جماهير المنطقة ودفع قسم منها إلى ترك قراها متوجهة نحو الحدود وهي الوحيدة التي تخلصت من كماشة العدو ، واثر هذا وصلتنا أخبارا بواسطة مفرزتنا عن بدء نزوح الجماهير وترك قراهم ، فأرسلنا وفدا إلى سى ده را للاستفسار عن الموقف وهم أكدوا بدورهم على إنهم سيقومون بإرسال مفرزة للانضمام إلى رفاقنا بغية إشاعة الهدوء بين الناس ، ولكنه سرعان ما تواردت أنباء وإخبار مخيفة عن حجم القوات المتقدمة ونواياها ما أدى إلى عدم السيطرة على الوضع وبدأت الجماهير بالنزوح الجماعي واشتدت وتيرته في 23- 8- 1988 ولذا عادت مفرزتنا إلى المقر ، وعندها فقط بدأنا بشكل جدي الاستعداد للرحيل وكان ذلك متأخرا ، فأعطيت الأوامر إلى العوائل للتوجه إلى الحدود التركية عبر آشه وا فورا ولكنهم عادوا في صبيحة اليوم التالي دون أن يستطيعوا العبور بسبب الأعداد الكبيرة من القوات الموجودة على هذا المنفذ . ولم يبقى أمامنا إلا التوجه إلى كافيا وهناك وجدنا هذا المنفذ هو الآخر محتلا من قبل قوات النظام .
كفاح ( ماجد جمعة كنجي ) غيبت عائلته ضمن هذه الحملة أيضا وكانت ضمنها والدته وجدته وثلاثة من إخوته إضافة إلى عائلة عمه حسين حجي كنجي المتكونة من تسعة أشخاص . إذ قال في الحقيقة هناك عدة أسباب أدت إلى هذا التأخر والذي ساهم بدوره في فقدان هذه العوائل ضمن هذه الحملة .
1- خطأ تقديرات الحزب الشيوعي العراقي بشأن الحرب العراقية – الإيرانية التي شارفت على نهايتها دون أن يعمل على اتخاذ الإجراءات الضرورية بصدد مستقبل الحركة الأنصارية وما يرتبط بها وخصوصا العوائل التي أهملت معالجة وجودها وبقاءها ضمن مناطق تعرضت لاحقا بسهولة إلى مخاطر ثمنها كان حياة أفراد هذه العوائل . هناك من يقول أن الشيوعيين يشمون رائحة الخطر من بعيد أو يتوقعون حدوثه قبل سنوات عديدة من وقوعه ، وفي الواقع هذا لم ينطبق على قيادات الأنصار ولا على قيادة الحزب ، فلم تكن هناك قراءة مسبقة لتطورات الأحداث على مستوى العمليات العسكرية بين العراق وإيران حيث أن الانسحابات الإيرانية المتوالية من منطقة الفاو والقاطع الشمالي والوسط خلال فترة قصيرة والتي بدت وكأنها انتصارات عراقية والحقيقية كان ذلك دليلا على أن الحكومة الإيرانية ستقبل بوقف إطلاق النار بعد العودة إلى الحدود الدولية وبالتالي إنهاء الحرب ولو جرت متابعة هذه المجريات بشكل جدي لأستطاع الحزب التوصل إلى استنتاجات أفضل وبالتالي اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن مجمل ما سيواجه الحزب ارتباطا بهذه التطورات العسكرية في جبهات القتال ، ومن خلال هذه المسألة كان يمكن توقع نهاية هذه الحرب وبالتالي التوقع أيضا بأن النظام سيلجأ لتنفيذ مخططاته في كوردستان والاستفراد بالحركة المسلحة فيها وجماهيرها ، في الوقت الذي بدا وكأن وقف الحرب في 8-8- 1988 كان مفاجئة بالنسبة إلى الحزب ، ومن المعروف إن المفاجآت في السياسة والميدان العسكري لها عواقب وخيمة على الأرض .
2- وعلى صعيد آخر وقريبا من الأحداث تم تشكيل هيئات قيادية جديدة للأنصار بعد دمج الجانب التنظيمي والعسكري ، كانت نتيجتها قيادات ضعيفة غير مؤهلة لقيادة العمل ضمن هذه الظروف المعقدة فعلى مستوى مناطقنا جرى تكليف أبو سالار بقيادة العمل في الجانبين في الوقت الذي كان يفتقر فيه إلى أية خبرة عسكرية بخلاف شخصيات أخرى لها تاريخ عسكري مشرف مثل المرحوم توما توماس .
3- بعد إيقاف الحرب مباشرة طالب العديد من الأنصار أصحاب العوائل إبعاد عوائلهم إلى مناطق آمنة على الحدود ولكنه لم تتم الاستجابة لهذا الطلب وهذا ما أدى إلى سهولة وقوع العوائل في الحصار أثناء تقدم القوات العسكرية للنظام على مناطقنا ضمن حملة الأنفال هذه ، وبالتالي الاضطرار لتسليم أنفسهم أثناء العفو.
4- فقدان حركة الأنصار لحيويتها ونشاطها كونها تخوض حرب بارتيزانية بعد أن تحولت إلى بناء مقرات كبيرة والتقوقع فيها وممارسة معارك جبهوية وتجميع العوائل حول هذه المقرات دون النظر إلى ضرورة إبعادها إلى المناطق الحدودية لإنقاذها من أية مخاطر تتهددهم.
يتبع

محطات من أنفال به هدينان - المحطة السابعة


محطات من أنفال به هدينان
ناظم ختاري
(المحطة السابعة)
ها نحن نلتقي مرة أخرى بأهالي قرى منطقة عملنا بعد أيام ثقيلة أهلكتنا كثيرا من غير أن نقاتل .. وكيف نقاتل ومن حولنا جيش عرمرم ومدجج بأسلحة غير تقليدية تقتل الإنسان لمجرد الاستنشاق العادي إنها تهب مع الريح ،إنها رياح صفراء عاتية ، إنها غازات سامة ، إنها الخردل والسيانيد...؟!
جيش لم يبارح المعركة مع إيران إلا منذ أيام قليلة . لازالت رائحة البارود تلف حوله وتفوح منه بقوة وتهيجه لمواصلة المزيد من القتل في كوردسان ولكن هذه المرة قتل كل شئ وبهمجية لم يسبق لها مثيل .. كيف نقاتل والقرار هو الانسحاب ..؟ وبالنسبة لنا كان هذا القرار في الواقع مفاجأة غير محسوبة لأنه لم يكن قرارنا نحن بالرغم من إنه كان ضروريا لتفويت الفرصة على هذه القوات المتقدمة وإنما فرض علينا وأصبح أمرا واقعا بسبب بدء النزوح الجماعي لسكان المنطقة والتي أصبحت على حين غرة خالية تماما من غير أن ندري . وهنا لابد من التـأكيد أن مفاجأة القرار كانت تكمن في وقت اتخاذه والذي جاء متأخرا وقتما أحكمت قوات النظام سيطرتها على أغلبية المنافذ الحدودية ووقتما كانت هناك توجيهات تدعو إلى المقاومة.. ودون أن تكون هناك دراسة للإمكانيات القادمة أو استعدادات معينة حول تغيير وجهة العمل البارتيزاني أو الانسحاب المؤقت مثلا وضرورة معالجة وضع العوائل بشكل يحافظ على حياتها ويساهم في تحرير أعداد ا من الأنصار أصحاب العوائل لمواصلة الكفاح ، أو نقل القضية إلى الخارج لكسب دعم دولي .. وغيرها من الإجراءات التي كان من شأنها أن تساهم في التخفيف من وطأة هذه الحملة العنيفة وخسائرها . فكانت حربنا قد أصبحت حرب مواجهة خرجت من نطاق كونها حرب بارتيزانية حيث كانت تشارك أعداد كبيرة من القوات في معارك جبهوية كانت تستمر لعدة أيام وعلى أراضي واسعة عندما كانت القوات العسكرية للنظام منشغلة في الحرب مع إيران و تحولت إلى حرب شبه شعبية شاركت فيها الجماهير عبر تشكيلات المقاومة الشعبية ، ولكنها كانت تنقصها المزيد من المستلزمات وقبل كل شئ عدم التوصل إلى حقيقة نوايا السلطة بعد أن تتوقف الحرب ، ولذلك لم يجر إتخاذ أي إجراء ضد هذه النوايا .
التقينا الناس وهم في حالة شديدة من الانكسار أمرهم شبيه بأمر جيش مهزوم من المعركة وهو يتقهقر أمام اندفاع عدو شرس باغتهم وفاجأهم بعديده وعدته ولكنه يفضل الموت على الاستسلام ، التقينا هم بعد أن كانوا يعتقدون بأنهم سيصلون بسهولة إلى الحدود التركية وبذلك يتخلصون من قبضة عساكر النظام و إجراءات أجهزته القمعية ولكن شاء القدر أن يرغم هذا العدد الكبير والبقاء معلقين في قمم كارة لكي تكون شاهدا على معانات إنسانية قل مثيلها . فلم يكن هناك ما هو طبيعي في هذه البقعة من كارة الذي قاوم المعتدين في أحلك الظروف . شعرنا إنه (كارة) يستعد هذه المرة لمعركة أخرى تختلف عن المعارك السابقة والتقليدية لا خيار فيها للمقاتلين غير خيار هذه القوات المتقدمة وهو الإجهاز على التواجد البشري في ريف كوردستان .
فمنذ ليلة أمس أصبحت هذه آلاف تتدفق من كل مكان وواد باتجاهه يتسلقون قممه الشاهقة ليخوضوا معركتهم مع الجوع والعطش والبرد وهم في حصار يفرضه ذلك الجيش متربصا لهم بالقتل كيماويا حينما يأتمر بأمر أحد قادتهم . كنت تجد في سيانى وهي منفذ صعودنا باتجاه القمة كل شئ يدمى له القلب ، امرأة لها من الأطفال عدد لا أتذكره كانت تصيح فيهم باكية لللحاق بها نحو قمة الجبل الذي لم يبلغوه قبلا غير بضعة خطوات صعودا عندما كانوا يلعبون في طرف قريتهم ما قبل زمن القصف والقتل بالكيماوي وقبل أن يسمعوا باسم سيد هذه الأسلحة القاتل المتوحش علي كيماوي ، امرأة أخرى تركت التنور مشتعلا دون أن تستطيع صنع رغيف واحد يساعدها وعائلتها على مقاومة الجوع القادم ، شيخ ينادي (فه رمانه ..هاوار.. فه رمانه )* ( داي وه له د هافيت) * ولم يكن يعني هذا الشيخ إلا الحقيقة بعينها عندما تركت امرأة أخرى مولود ها في (كه لي كافيا ) وهو في ساعاته الأولى . من يحكم هذا العالم يا ترى .. ولماذا لا يتحرك ضميره ويرفض هذا الظلم ..؟ تمتم أحد الأنصار بذلك وهو يراقب المشاهد بهدوء ويغسل جورا به بعد ليلة متعبة من السير بماء يتدفق من نبع صافي يقع في أعلى كه لى سياني وينحدر نزولا يلف القرية إلى نصفها ثم يتجه نحو باب الوادي حيث بساتين القرية التي تسقى منه لتشكل مصدر معيشة سكان القرية الأساس .. صاح رفيقنا المسئول العسكري استعدوا أيها الرفاق للصعود دون تأخير ، حملنا معنا ذلك العجين الذي تركته امرأة من هذه القرية وسرنا في الإتجاه الذي يسير فيه بقية الناس كان صعودا حادا يثقل من تعبنا كثيرا ولكن المشاهد المأساوية والكثيرة حولنا حالت دون نشعر إلا بها ، صرنا نساعد الأطفال على الصعود و نحملهم على ظهورنا المحملة بالعتاد والسلاح الشخصيان وكمية من الأغذية وما إلى ذلك ، كانت هذه المرأة والدة عدد من الأطفال تحمل فوق ظهرها ثقلا يعيقها من الحركة وكانت أبنتها ذات السنوات الستة تحمل شقيقها الرضيع على ظهرها و خلفها أطفال آخرون و بقية أخواتها وإخوانها كلهم كانوا بعمر الورود وكان مشهدهم يثير الكثير من الألم وخصوصا عندما كانت تلك الطفلة الصغيرة بين كل عدة خطوات تتدحرج نحو الأسفل مع ذلك الرضيع مما اضطررت رغم كل مإ كنت أحمله أن أحمل الرضيع على ظهري أيضا وعندما بلغت القمة جلست على طرف من الطريق منتظرا وصول والدة الطفل وجدت شابا يحمل الكثير من القلق يبحث هنا وهناك وينتظر قوافل الناس الصاعدة إلى قمة الجبل ولما وقعت عيناه علينا أنا والطفل أقترب وتفحص الطفل فسرعان ما قال أن هذا الطفل لي وأنا أبحث عنه فقلت له أن بقية عائلته ستصل بعد قليل .
بعد خطوات من وصولنا إلى القمة التقينا بالعديد من المعارف من أهالي هذه القرى وكان أولهم محمد رشيد سواري وهو أحد أقرباء رفيقنا أبو فيلمير سألته عن رفاقنا فأشار إلى مكان تواجدهم ، ومن هنا كنت تجد تدفق الناس إلى هذا المكان على شكل مجموعات متعددة تظهر من كل اتجاه متجمعة في هذا المكان الذي يمكنه أن يستوعب الكثير من البشر مع كل همومهم . مجموعة هنا وصلت للتو سرعان ما التصق اجساد أفرادها بالأرض بسبب التعب والإرهاق الشديدين والخوف وأخرى تغرق في نوم عميق وثالثة تحاول أن ترتب مكانا لها وقطيع غنم يسرح بين هذه المجاميع لا يعرف أحدا لمن يعود ، ولا أحدا يأبه بعائديته له وما أكثر هذه القطعان التي تحولت لحساب رؤساء ومستشاري الأفواج الخفيفة عندما تركها أهلها في مراعيها ضمن قراهم .. وهكذا كان العشرات من المحاصرين يسألون عن آباءهم وأمهاتهم وأطفالهم وأقرباءهم وأهالي قراهم الذين تاهوا بعضهم بعضا ، صرخات الأطفال ترتفع خوفا فإنهم لم يدركوا تماما ما الذي يجري وما تخبئه لهم الأيام القادمة وهم في يومهم الأول ويحصلون على الخبز بطريقة مقننة فكيف ستكون الأيام التالية ، بكاء النساء يتصاعد وهن يشعرن قبل غيرهن بحجم كارثة كل واحدة منهن حتى وإن لم تكن تفكر بأنها نفسها ستكون الضحية مثلها مثل الرجل المسلح والمقاوم . لا فرق في هذه المعركة الغير متكافئة بين رجل تحدى الجيوش ببندقيته البرنو وخلف صخرة في أحد جبال كوردستان وبين امرأة لم تخلف بعد مقاتلا من وطن هذه الجبال أو فتاة تتأمل الاقتران بمقاتل أو طفل لم يحارب أو لم يتعلم الحرب بعد أو شيخ عجزته كهولته عن الحرب والمقاومة ... مناداة الرجال لمفقود يهم تعلو وتملأ الوديان القريبة من هذه المنطقة حقا إنه( فه رمان ) لا يعرف أحدا كم من الدماء ستكون ثمنا لهذه الجريمة الوحشية .
كان هؤلاء الناس في المعارك السابقة أقوياء يشاركون بشجاعة في التصدي لغالبية هجمات قوات الجيش العراقي والمرتزقة ، بل يشاركون في توجيه ضربات موجعة لمواقع هذه القوات وكان التصدي المشترك للكثير من هذه الهجمات يتحول بالنسبة إلى الشبيبة الريفية إلى مناسبات لإظهار قدراتهم القتالية وفرص جيدة لتوثيق العلاقة بين أطراف عشائرية متنافرة وإزالة أسبابها ولكن اليوم ليست بيدهم حيلة.. فالعوائل تعيقهم والأسلحة الكيماوية تتهددهم . وأسباب تواجدهم هنا في هذا الحصار تستعصي على الفهم للكثير منهم ربما كان كل فرد منهم يفضل الموت بعد قتال في أطراف قريته أو أن يجري اقتياده من قبل هذه القوات المتقدمة من أطراف قريته بعد أن يستسلم لها عندما تنتهي كل وسائل المقاومة ولا يهم كيف سيكون مصيرهم فقدرهم كان دائما أن يدفعوا الضريبة جراء رفض ظلم الحكومات الشوفينية حتى ولو كانت هذه الضريبة حياتهم ، إذ كانوا مستعدين لها كما فعل الآخرون من قبلهم وضمن هذه الحملة نفسها التي بلغت ضحاياها البشرية وفق الوثائق الرسمية 182 ألف كوردي و4500 قرية مع كل ثرواتها الطبيعية والحيوانية .
وعندما تجد الإصرار لدى الناس حتى في حالات ضعفهم الشديدة والاستعداد للتضحية.. نعم الاستعداد للموت وهم يدركون تماما أن عدوهم لا يأبه بضعفهم فيحسبون أن قدرهم هو هكذا وأن هذا الضعف ليس إلا استعدادا للموت من اجل قضيتهم وليس استسلاما أو تسليم راية.. فهنا يطرح السؤال نفسه لماذا تم زجهم في هكذا موقف ضعيف وهذا الشكل من التضحية أو الموت ..؟ ألم تكن مقاومة هذه القوات المتقدمة في أول قرية تقع على طريق تقدمها خيارا أفضل من أن يدفن هذا العدد المذكور أعلاه في الرمال وفي مقابر جماعية انتشرت في كل مكان من العراق بعد أن واجهوا المزيد من إهانة كرامتهم الإنسانية ..؟!! ولحد الآن لم يتم العثور على مقابر الآلاف منهم ولا يستطيع ذويهم زيارة مقابرهم ووضع أكليل ورد عليها في المناسبات .. أم كان لابد من بروفة ثمنها هذا العدد من الضحايا لنقل القضية إلى الساحة الدولية بعد أن استنفذت كل الوسائل الأخرى من أجل تحقيق ذلك ..!! وكان للسياسة حساباتها الخاصة ...!!!! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- (فه رمانه ..هاوار.. فه رمانه )* جملة كوردية تعني " إنها الإبادة.. النجدة.. إنها الإبادة"
- ( داي وه له د هافيت) * جملة كوردية تعني " الأم تتخلى عن ولدها "