الاثنين، 28 أبريل 2008


لماذا يخشى الإيزيديون
المطالبة بحقوقهم ضمن خصوصيتهم ؟

ناظم ختاري


من المعروف أن المجتمع الإيزيدي مـن دون غيره تعـرض ويتعـرض إلى هزات عنيفة عندما تمسك و دافع عن بعض حقوقه المشروعة والطبيعية ، كحق الوجود وممارسة الطقوس الدينية ، أما المساواة والمواطنة فقد كانت خارج لائحة الحقوق والحديث أو الدفاع عنها لم يكن جائزا البتة ، لأنهم لحد هذه اللحظة يفتقدونها في مختلف المجالات حتى وإن سمح لهم بممارسة هذا الوجود باعـتبارهم بشرا و بالتالي ممارسة تلك الطقوس الدينية باعـتبارها من أبسط الحقوق التي يستطيع ممارستها كل فرد مهما صغر حجم ديانته، فلن تكون ممارسة هذه الحقوق لوحدها هي ما تتوقف عندها المجتمعات دون غيرها من الحقوق ، وخصوصا في دولة جرى فيها إسقاط أكثرالدكتاتوريات جرما في التاريخ ، ويصار العمل فيها إلى تشييد أو تأسيس نظام عـصري ديمقراطي حـر وعادل يرتكز على القانون ويتعامل مع الجميع سواسية بغض النظر عن الانتماء الديني والطائفي والقومي والفكري والسياسي
و بالرغم من البطء الشديد بسبب البدايات المشوهة التي رافقته ، هذا وإن جرى تجاوز مرحلة المحاصصة الحالية و القائمة على الأسس الطائفية والقومية والتي تنذر بأكبر المخاطر في مقبل الأيام على حياة العراقيين كافة كتهلكة المزيد من الأرواح في طاحونة صراع لاطائل له في محاولة لجر الشعب العراقي إلى الحرب الأهلية التي لايتمناها كل عراقي غيور ، وذلك بسبب تعنت وإصرار القوى الطائفيـة الإسلامية في شقيها السني والشيعي لفرض أجندتها في الحياة السياسية التي لاتنسجم مع التطور والتقدم الحاصلين في المجتمعات العالمية في جوانب العلوم المختلفة وتكريس المزيد من الديمقراطية والترابط والتداخل الشديدين فيما بينها وبين محيطها من المجتمعات الأخرى كمجتمعنا العراقي الذي لايستطيع الاستمرار بمنأى عن هذه التطورات ،
ولا كذلك تنسجم مع الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي للشعب العراقي القائم على التعددية ولا كذلك مع ضرورات التقدم و التطورالمطلوبين في مختلف المجالات ، وهي تنطلق أي هذه القوى في هذا المسعى من أولا ، الجانب الشيعي باعتباره الفائز في الإنتخابات فوزا ساحقا على حد تعبير السيد الحكيم رئيس قائمة الإئتلاف ، الذي بدأ بالرد متخبطا ومصاحبا بدموية مماثلة لدموية الإرهاب المعشعش في مناطق السنة دفاعا عن انجازاتهم الانتخابية ومابعدها وتمسكا بمكسب السلطة المطلقة في أغلبية مناطق العراق وسلب المزيد من الحريات العامة والخاصة للجماهير عبر فرض سلطة شبيهة بسلطة ملالي إيران، وثانيا، الجانب السني ، والذي يعتبر نفسه الوريث الشرعي للحكومات التي كانت تسيطر عليها الطائفة السنية .
وأن ما أفرزته الأوضاع الشاذة والحكومات الدكتاتورية التي كانت تقود البلاد من تشويه في كل المجالات و لعقود من الزمن أصبح الوهابيون والسلفيون والقوميون الشوفينيون المتحالفون مع قوى البعث التي أعدت ونظمت نفسها جيدا إلى جانب الإرهاب القادم من الخارج، يطالبون وبكل شراسة وعبر اتباع أقبح السياسات بما فيها خطوة هيئة علماء التخفيف والتفجير الأخيرة والتفاوض مع ممثلي الحكومة الاسرائيلية في دولة قطر لاقناع الإدارة الأمريكية بإعادتهم إلى السلطة ، والاستمرار بنفس منهجية البعث السابقة في القتل الجماعي بهذه التركة .
وإلى جانب هذا الأمر لم يقوي بديل آخر يستطيع التأثير في الوضع الراهن وتوجيهه لصالح الشعب العراقي برمته وقيادة سفينة العراق نحو بر الأمان . فالقوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية أصبحت محدودة التأثير في العملية السياسية الجارية في البلاد وهي تعاني التشتت والتشرذم و تفتقر في الوقت نفسه إلى التعاون والتحالف المطلوبين فيما بينها وبين القوى الكوردستانية التي تهمها ومن مصلحتها أي الأخيرة كما في حالة الأولى أن يصان مستقبل العراق الديمقراطي من خلال الدفاع عن المنجزات التي تحققت رغم الشوائب الكثيرة والمتمثلة بنجاح الانتخابات البرلمانية وما أعقبها من عقد جلسات الجمعية الوطنية وانتخاب مجلس الرئاسة وتشكيل الحكومة , وأن يصار إلى تكريس المزيد من الديمقراطية والحريات لمجموع مكونات المجتمع العراقي وتحقيق مطاليبهم وإشراكهم بشكل فعال في صياغة مستقبلهم .
و لنعود إلى موضوعنا ، وأقول هنا أنا لست بصدد الحديث عن الأسباب التي كانت تقف عبر التاريخ خلف تردد الإيزيدية الدفاع عن كامل حقوقهم غير تلك التي دافعوا عنها كوجودهم الحي باعتبارهم بشرا وممارسة طقوسهم الدينية، بشكل مستميت مسطرين من خلالها أروع البطولات في الفداء والتضحية ، ولهذا فانهم في الواقع كانوا يصطدمون في كل الأحوال بحملة تؤدي إلى إراقة المزيد من دماء شبيبتهم ، وما من شك إن أثر هذا التعامل العنيف والدموي لازال يسيطر على عقول الكثيرين ممن لايريدون مساوات أبناء الديانة الإيزيدية بغيرههم من أبناء الديانات الأخرى والمتعددة الموجودة على الأرض العراقية الطيبة، فالاستعلاء والتعامل الدوني ووفق درجات وتسلسلات رقمية لازال هو السائد في التعامل مع الإيزيدية ، علاوة على ان هذا الأثر لازال عالقا في ذهن المواطن الإيزيدي الذي يدفع به على الاعتقاد باعتباره أما مواطن من درجات دون الآخرين وبالتالي الرضوخ لهذه الفكرة أو لهذا التوجه، وأما القناعة بأن الآخرين ,هنا أقصد الأقوى هم القادرين على انتزاع حقوقنا وتقديمها لنا وبالتالي علينا أن نتبعهم ونرضخ لمبدأ الحصول على الحقوق هي مكارم هذه الجهة السياسية أوتلك .
في ظل الظروف الحالية يعتمد العراق قانون إدارة الدولة الانتقالي والذي يكفل لكل مكونات الشعب العراقي حقوقها وفي مختلف المجالات ( بالرغم من الكثير من النواقص التي تتخلله ) المهم فالمواد التي تظمنه القانون أبتداءا من المادة العاشرة وانتهاءا بالمادة الثالثة والعشرون تؤكد هذه الحقوق بكل تفاصيلها في اغلب الفقرات الواردة فيها. ومن بين أبرز هذه الحقوق واكثرها أهمية ما ورد في الفقرة (أ) من المادة الحادية عشرة من القانون والتي تشير إلى ( كل من يحمل الجنسية العراقية يعد مواطنا عراقيا وتعطيه مواطنته كافة الحقوق والواجبات التي ينص عليها هذا القانون وتكون مواطنته أساسا لعلاقته بالوطن والدولة ) ، وما أريد قوله هو انني لست بصدد مناقشة القانون ولذا أكتفي بإيراد هذا النص لوحده الذي يشكل الأساس العام للنصوص الأخرى الواردة في جملة هذه المواد التي تخص حقوق وواجبات الفرد العراقي ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن كافة أبناء المجتمع الإيزيدي يحملون الجنسية العراقية منذ أن تشكلت الدولة العراقية ولاشك انهم من الشعوب الأصيلة والموغلة في القدم على هذه الأرض، وهذا يعني أن القانون الأعلى للدولة يتيح لنا كايزيديون كل الحقوق التي يتمتع بها أي عراقي آخر على الأقل في الجانب النظري.
بين هذا الواقع الذي يعيشه المجتمع الإيزيدي من التهميش وإلى الحرمان من أغلب الحقوق إلى جانب البؤس والفقر والذي تحدثت عنه بشئ من التفصيل في مقالات سابقة إلى جانب الكثير من اخوتي الكتاب الإيزيديين وغيرهم و ما يوفره لهم قانون إدارة الدولة من حقوق وأرضية خصبة للدفاع عنها ، نجد هنالك تردد واضحا من لدن أوساط عديدة من أبناء المجتمع الإيزيدي إن لم أقل الغالبية منهم في مطالبة حقوقهم ، فما هي أسباب هذه الظاهرة السلبية في المجتمع الإيزيدي.؟
ساحاول وفق معرفتي البسيطة إلى ما أرى من الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة الخطيرة :
1- العامل التاريخي ، والذي أشرت إليه في أعلاه ، والذي اعتمد على حد السيف بوجه الإيزيدي والذي لازالت آثاره تتفاعل في حياتهم بكل تفاصيلها .
2- ضعف القيادات الدينية في الدفاع عن مصالح ابناء المجتمع الإيزيدي والاندفاع نحو المصالح الخاصة التي كانت تتحقق على حساب فقراءه ومظلوميه وكادحيه، علاوة على أن الإيزيديون لم يكونوا بمنأى عن الاصطفاف الطبقي والذين تعرضوا جراءه لويلات واضطهاد شديدين .
3- الغالبية العظمى من الكوادر العاملة في الأحزاب الكوردستانية والأحزاب العراقية الأخرى من أبناء المجتمع الإيزيدي ، لم تتعامل مع خصوصية هذا المجتمع بالشكل الذي يساهم ويشجع على تطوير الشخصية الإيزيدية المستقلة وصاحبة الخصوصيةعلى نطاق المجتمع العراقي . فأعضاء الأحزاب القومية الكوردية منهم لم يتجاوزوا النهج القومي وتوقفوا عند الانتماء القومي الكوردي للإيزيدية وبالتالي كرسوا وفرضوا هذا النهج في المجتمع الإيزيدي متجاهلين تلكم الخصوصية التي نتحدث أو نبحث عنها بشكل جماعي في ظل الظروف الحالية التي تبحث في ظلها كل مجموعة اجتماعية لها خصوصيات ،عن ذاتها . علاوة على أن هؤلاء نصبوا على الإيزيدية كسيف مسلط على رقابهم ، عبر مصادرة المزيد من حرياتهم ، التي لم يتمتعوا بها قط .
ولا كذلك أستطاع أعضاء الحزب الشيوعي العراقي من أبناء هذا المجتمع صياغة هذه الخصوصية التي اصطدمت بالجانب الطبقي والنضال من أجل الديمقراطية والتقدم الإجتماعي ، فبالرغم من أن مصلحة الأقليات إلى جانب مجموع الشعب العراقي تكمن كثيرا في ترسيخ هذا الجانب النضالي وحيث أنخرط العديد من أبناءه في هذا النضال، ولكنه تجاهل هذه الخصوصية وكان ضروريا بالنسبة إلى الحزب الشيوعي التعامل مع هذه الخصوصية بشكل موضوعي وعلمي وبريادية كما ريادته بخصوص الموقف من القضية الكوردية التي من خلالها يشعر الكوردي وغير الكوردي أن الحزب الشيوعي حمل منذ البداية ويحمل الآن لواء القضية الكوردية بكل موضوعية وبكل حرص وامانة باعتبارها أحدى قضاياه الأساسية في نضاله المستمر ، وهكذا بالنسبة إلى موقف الحزب من قضايا الكلدوآشوريين وبناء تنظيماته الحزبية انسجاما مع خصوصياتهم .
وارتباطا بالمأسات التاريخية و بموقف هذا الحزب الكوردي أوذاك أو موقف الحزب الشيوعي العراقي أو المواقف الأخرى التي كانت تؤثر في نفس وسلوك المواطن الإيزيدي ، مثلا موقف الحكومة العراقية في عهد النظام البائد إضافة إلى المواقف المترددة والضعيفة والمصلحية للمرجعيات الإيزيدية ، كان الخلاف يشتد ويخفت بين أبناء المجتمع الإيزيدي على ضوء الصراعات التي تدور حوله إلى جانب مواقف الأحزاب من بعضها البعض ، كما هو واضح اليوم بخصوص مجمل القضايا التي تواجههم والتي ظهرت على السطح في هذه الأيام والإيزيديون يقدمون مذكرتهم بخصوص مطاليبهم إلى البرلمان والحكومة الكوردستانية والتي يمتنع أعضاء وجماهير الحزب الديمقراطي الكوردستاني من أبناء المجتمع الإيزيدي التوقيع عليها للأسف الشديد .
عليه وأزاء هذا الوضع أي وجودالمجتمع الإيزيدي في محيط ألحق به أفدح الأضرار تاريخيا وانتماءاته المتعددة مثل الدين وخصوصيته، والقومية وخصوصيتها ، والطبقة ، والوطن ، إلى جانب الأوضاع الشاذة في البلاد على امتداد المراحل المتعددة وعدم وجودعوامل تدفعه إلى المشاركة في النضالات المطلبية اليومية كما هو الحال لدى مجموع الشرائح الإجتماعية العراقية التي جعلت منه ومنذ زمن بعيد غائبا عن المشاركة في النضالات اليومية وبالتالي عن تقرير مصيره والركون حانبا واعتماد السلبية فيما تؤول إليه الأحداث وخصوصا في أيامنا هذه التي تحقق فيها قوى الإرهاب نجاحات لتأجيج نار الحرب الأهلية في البلاد .
فالملاحظ أن الفرد الإيزيدي كان يحاول دائما اخفاء شعوره نحو خصوصيته الإيزيدية وتغليب الجوانب الأخرى وخصوصا الشعور القومي عليها إلى فترات متأخرة قبيل انهيار النظام الدكتاتوري البائد، ومن الجدير بالذكر ان هذا الشعور ازداد بعد الانهيار وبدء العملية السياسية التي جاءت مشاركتهم فيها لاتتناسب ووجودهم وعددهم واسهاماتهم النضالية في التصدي للدكتاتورية وتضحياتهم الجسيمة والكفاءات العلمية الموجودة لديهم ، علاوة على أن مناطقهم لم تحضى إلا على جزء يسير من الخدمات مع بقاءها محرومة من كل الجوانب الأساسية للتنمية التي تشهدها مناطق كوردستان ، وبالرغم من هذا كله يحجم الكثير منهم المطالبة بهذه الحقوق المشروعة والطبيعية التي تحجبها عنهم الإدارة المركزية وكذلك إدارتي الأقليم .
لاشك أن جملة العوامل التي كانت تقف في طريق المواطن الإيزيدي للتعبير عن همومه والدفاع عن خصوصيته وما جرى من ممارسة المزيد من الاقصاء تجاه أبناء مجتمعه وحرمانه المتواصل وخصوصا في فترة ما بعد سقوط النظام البائد وابعادهم عن العملية السياسية أصبحت تفعل فعلها في نمو وانتشار الوعي والشعور بالمسؤولية المتزايدة اتجاه الغبن الذي يلحق بهم و خصوصياتهم، فتحركوا في اتجاهات عديدة وشاركوا في الكثير من المحافل لإيصال صوتهم والمطالبة بتثبيت حقوقهم . وكان لتبني الفئات المثقفة بين الإيزيدية قضايا مجتمعهم وخصوصياته الدور الكبير لتنوير المجتمع وخلق حالة جديدة و صحية لديه ودفعه نحو المطالبة بحقوقه دون تردد ، هذا التوجه الذي ينسجم تماما مع الوضع الجديد في عراق اليوم والذي ينبغي أن يتحول بفعل النضالات الجماهيرية المطلبية إلى مرتكز لنشوء الديمقراطية الحقة في البلاد ، وعدم التردد في مسائلة أية جهة تحاول هضم حقوق الآخرين فلا يوجد في الأنظمة الديمقراطية من هو فوق القانون وبتطبيقه أي القانون تتعلم الأحزاب نفسها كيف تتعامل مع الجماهير بعيدا عن روح التسلط واستخدام العنف الذي ولى زمنه وإلى الأبد وأن الأحزاب التي لاتجيد ممارسة هذه العملية أولا في حياتها الداخلية وثانيا في التعامل مع الجماهير ومطاليبها وثالثا، كيفية ممارسة السلطة السياسية عن طريق التداول السلمي لها، سوف لن يعفو عنها الزمن.
ومن الجدير بالذكر في هذا المجال انها المرة الأولى التي يقف فيها كبار وجهاء الإيزيدية أمثال أمير الإيزيدية في العراق والعالم الأمير تحسين سعيد ونائبه الأمير فاروق سعيد ورئيس المجلس الروحاني سماحة بابا شيخ ورئيس القوالين سماحة قوال سليمان والعديد من القيادات الدينية الأخرى و السياسية الإيزيدية من بينهم أعضاء في الجمعية الوطنية العراقية وكوادر متقدمة في الإتحاد الوطني الكوردستاني بينهم وزيرا في حكومة السليمانية والحزبان الشيوعيان العراقي والكوردستاني بينهم عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني ، يقفون فيها وبشكل موحد إلى جانب مطاليب تهم عامة الناس تظمنتها مذكرة أعدتها عدد من منظمات المجتمع المدني وباقة من المثقفين والساسة الأيزيديون في بلاد الغربة.

ليست هناك تعليقات: