الاثنين، 28 أبريل 2008


الإيزيديون والذكرى الثانية
لسقوط الصنم

ناظم ختاري
بعد عملية الإطاحة بالنظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان عام 2003 اثرحرب خاضتها جيوش التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، توفرت للشعوب العراقية فرصة المشاركة في العميلية السياسية التي أطلقت أثر هذا السقوط والتي استهدفت بناء عراق جديد يوفر حقوق كل المواطنين في مختلف مجالاتها وبغض النظر عن انتماءاتهم . وهنا وبعد أن جرى اجهاض عملية عقد مؤتمر وطني تنبثق منه حكومة وطنية تقود البلاد إلى وضع قانوني ، وذلك اثر صدور قرار مجلس الأمن المرقم 1483 الذي تحولت بموجبه قوات التحالف، إلى قوات إحتلال التي أطاحت بالنظام القمعي والأكثر همجية والذي حول العراق خلال أربعة عقود من حكمه الشائن، من بلد كان يمكن له أن يكون في مصافي الدول المتقدمة من على هذه الأرض الجميلة إلى خربة لامثيل لها، وجعل أبناءه يعيشون أفضع المآسي والتي لايمكن نسيانها إلى الأبد مثل مجزرة حلبجة الرهيبة والمقابر الجماعية المنتشرة في كل مكان، إضافة إلى أهوال الحروب التي خاضها وضحاياها التي لاتقدربسهولة ، وإرتباطا بهذا القرار جرت مشاورات مكثفة من قبل الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر مع القوى السياسية التي وجدها هي الأفعل على الساحة العراقية لغرض تشكيل مجلس الحكم والذي أنجز في نهاية المطاف على أية حال ، ولما كانت المشاورات تستهدف إشراك كافة مكونات الطيف العراقي من خلال هؤلاء الفاعلين، كانت النتائج مخيبة للآمال بالنسبة إلى أبناء الديانة الإيزيدية الذين حرموا من المشاركة في تكوينة المجلس، إلى جانب كافة المؤسسات المنبثقة منه ، وبموازات هذا، أصبحت مناطقنا تعاني المزيد في كل جوانب حياة أبناءها إبتداءا من الماء والكهرباء والمحروقات ومرورا بالمواد الغذائية ووصولا إلى الحريات العامة والخاصة ، هؤلاء الذين تحركوا منذ البداية على أمل اقناع القوى السياسية العراقية وخصوصا الكوردية بضرورة اشراك أبناء هذا الطيف العراقي الأصيل في العملية السياسية الجارية ، نظرا لما تتطلبها مستحقات المرحلة و ارتباطا بالتضحيات الجسيمة التي قدموها في طريق النضال من أجل الحرية والمساهمة الفاعلة في الكفاح ضمن صفوف الحركة الوطنية العراقية والحركة التحررية الكوردية وخصوصا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ,ولكنه يبدو إن الأمر هذا لم يكن يعني شيئا بالنسبة إلى مجموع القوى السياسية العراقية التي تعمدت إسقاط هؤلاء من المشاركة في العملية السياسية، والجري نحو انتزاع المزيد من المكتسبات على أسس طائفية وقومية وعشائرية وعلى أساس توازن القوى بين أقوى هذه الاتجاهات في الحياة السياسية الجديدة . ومما لاشك فيه إن هذا الأمر ترك آثاره السلبية على مجمل العملية السياسية في البلاد وعلى مجمل مسارات حياة الجماهير العراقية المتعطشة للحرية والديمقراطية والحياة الحرة الكريمة ومن بينها أبنا ء مناطقنا الذين أصبحوا يعانون أوضاعا صعبة بعد أن تعرضوا إلى الكثير من العمليات الإرهابية التي انتشرت على كامل الأرض العراقية ، حيث فقد هؤلاء أرواح المزيد من أبناءهم على يد ارهاب البعث الذي استطاع تنظيم نفسه بشكل جيد وعقد تحالفاته مع قوى الظلام السلفية والجماعات الإرهابية العراقية الأخرى و المحيط العربي المتخم بالإرهاب وجماعات القاعدة التي وجدت لنفسها أخصب أرضية لممارسة بشاعاتها ضد الشعوب العراقية ، الأمر الذي أجبر شبابنا المكوث في بيوتهم دون عمل ودون مورد وعدم فتح أبواب العمل أمامهم إلا بشكل محدود في مناطق كوردستان التي تحررت من الدكتاتورية قبلا . ومما يؤسف له جدا إن العاملين في مناطق كوردستان من شبابنا يتعرضون إلى صنوف كثيرة من سلب حقوقهم وذلك من خلال التنكر لأجورهم أو غير ذلك ، قبل أيام قليلة كنت أتحدث إلى صديق عزيز علي عمل لمدة شهر في احد مكاتب تأجير الحراس لحماية الشاحنات التركية المتوجهة إلى بغداد ، قال خلالها بمرارة ، إنهم امتنعوا عن دفع اجورنا كاملة وكما جرى الاتفاق عليه وحصلنا على أقل من نصف راتبنا . فبادرته بسؤال لماذا لاتقدمون شكواكم إلى السلطاتَ،؟ فقال تتصور أين أكون أنا ..! وقال أنا في العراق وهولايزال.... نعم قال لاجدوى من ذلك لأن هذه المكاتب تعود لهم ، فعلاوة على التنكر لرواتبنا قاموا بتهديدنا بالسجن إن تكررطلبنا لحقنا . ، ولابد أن أورد هنا مثالا آخرا خرق بشكل صارخ حقوق الإنسان الإيزيدي وهو مثال الصحفي عدي حسن دون أن أعلق عليه لأنه من يرجع إلى بحزانى نت ويتمعن في وجه عدي المهشم والمسحوق ، سيجد ما يريد قوله بهذا الشأن إن حالفته بعض الأشياء....!.
لاشك إن واقعا سياسيا واجتماعيا غير صحي كهذا سيكون كفيلا بأن يؤجل حماس أبناء مناطقنا للعملية السياسية وسيكون سببا قويا لإحباطهم لما آلت إليه الأمور بغير ما كانوا يتوقعونه من تغيير فيما بعد الدكتاتور الأكثر إجراما صدام حسين ، لأن ما حمل الأحزاب العراقية عامة في فترة مجلس الحكم ،على ذلك الشكل من التعامل مع أبناء الديانة الإيزيدية لم يتغير حتى بعد تشكيل الحكومة برئاسة علاوي التي جاءت على أعقاب إنهاء الاحتلال وتشكيل هيئة الرئاسة بقيادة السيد الياور، والتي عملت بمجموعها على ضرورة إجراء الانتحابات العامة بإملاء من السيد السيستاني و التي حرم منها الأغلبية الساحقة من مناطق تواجد الإيزيدية إلى جانب اخوتهم من المسيحيين والشبك ، الأمر الذي لم يحرك أي شيئ في مجموع القوى السياسية العراقية بما فيها الأحزاب الكردية بالرغم من الحملات الإعلامية المتكررة التي ناصرت مطاليب أبناء هذه المناطق التي أطلقوها في مظاهراتهم وغيرها من الأنشطة التي كانت تدعو إلى إنصاف هؤلاء المحرومين من العملية الانتخابية. وإن السكوت المطبق و المروع من قبل الجميع والذي صاحب الجريمة كان دليلا قاطعا على ضلوع القوى المتنفذة على مستوى كل العراق فيها.
من هنا أتحمس للقول ونحن نودع السنة الثانية لسقوط امبراطورية الرعب .
1- إن مناطقنا لازالت تعاني مثلما كانت تعاني في السابق وفي الجوانب الأساسية من حياة أبناءها ، وليس صادقا من يقول إن هذه المناطق تحصل على إستحقاقاتها .

- فالفقر لايزال ضيفا ثقيلا ودائما على قطاعات واسعة من شرائح أبناء هذه المناطق ، وهي لاتحصل على غير الحصة التموينية التي تفتقر إلى الكثير من المواد الغذائية الأساسية، ولاشك إن هذه القطاعات كان يمكن لها أن تكون أوسع كثيرا لولا المساهمات والمساعدات المالية التي تتلقاها من أبناءها في دول اللجوء ومن الجدير بالقول إنها ربما تتوقف بسبب التهديدات المستمرة بتسفير هؤلاء إلى العراق من لدن سلطات دول اللجوء .
- والبطالة لازالت تنتشر بشكل واسع في القرى والبلدات الإيزيدية وذلك لأسباب عديدة ومنها الإرهاب الذي يستهدف مصادر رزق أوساط واسعة منهم وهو مجال التعامل بتجارة الكحول ومرة أخرى كونهم إيزيديون، بالإضافة إلى عدم فتح أبواب العمل لشبيبة هذه المناطق في كوردستان التي تزدهر فيها مختلف الأنشطة التجارية والعمرانية وما إلى ذلك والتي بمقدورها استيعاب المزيد من الأيدي العاملة من أبناء هذه المناطق الباحثين عن العمل .
- لازالت هذه المناطق تفتقد بصورة شبه كاملة إلى أبسط المستلزمات الخدمية كالماء والكهرباء والهاتف والطرق والجسور ، ناهيك عن عدم التفكيرمن قبل السلطات في رسم سياسة اقتصادية أو قيام بعض المشاريع الإنتاجية لكي تكون سبيلا عمليا لتنمية المنطقة في الجانب الإقتصادي والإجتماعي . وفي هذا المجال كنت قد طرحت ما يشبه برنامجا متكاملا نشرته صحيفة بحزانى نت في العام الماضي تحت عنوان (سبل النهوض بالواقع الإجتماعي والاقتصادي في مناطق الأيزيدية ) لازلت مقتنعا بأنه يشكل أساسا صالحا لمعالجة مجموع القضايا التي تواجه الإيزيدية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
2- وفي جانب آخر أجد من الضروري الإشارة إلى الآلية السياسية في التعامل مع أبناء الإيزيدية والتي أتخذت الإتجاهات التالية .
- حرمان أبناء مناطقنا من المشاركة في العملية الانتخابية كان له أثره السلبي جدا على شكل علاقتهم بالعملية السياسية على مستوى كل العراق ، والذي استهدف ضمن ما استهدفه هو استثناءهم من المشاركة في الحياة السياسية والإدارية على مستوى محافظة نينوى الأمر الذي أشار بوضوح تعصب وتطرف القوى التي ساهمت في هذه العملية ، هذا من جانب ومن الجانب الآخر لم يجد أبناء هذه الديانة الفرصة لأختيار ممثليهم وترشيحهم للانتخابات ، ولكنهم وجدوا أ نفسهم أمام خيارواحد فقط وهو قبول مرشحي الأحزاب الكوردية وبالتالي فإن عملية تمثيلهم في الجمعية الوطنية العراقية لم تأتي ضمن استقلالية قرارهم ، ولذا فأن الدفاع عن حقوقهم التي ينبغي التأكيد عليها في الدستور العراقي الدائم سيكون ضعيفا لآنه مرهون بالمواقف السياسية للأحزاب ، وسرعان ما تتغير المواقف وفقا للمصالح الضيقة في أغلب الأحيان للأسف الشديد .
- التضييق على الحريات المدنية والسياسية ومحاصرة رياح الديمقراطية التي هبت بزوال الدكتاتورية وتحجيم ممارستها إلا بالحدود التي تخضع لمصالح الأحزاب التي تمسك بزمام الأمور في مناطقنا، فهي تلجأ بشكل مطلق إلى شراء الذمم والاستفادة من الذين قدموا خدماتهم إلى أجهزة الأمن والمخابرات في عهد النظام البائد ، واعطاء الأولوية إلى الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الأحزاب في التعيينات والتعويضات وإيجاد فرص العمل وغيرها .وممارسة القمع والتعسف في الكثير من الأحيان ضد أبناء هذه المناطق.
3- العلاقات البينية في المجتمع الإيزيدي وهي تتميز بما يلي وفق وجهة نظري.
- في الكثير من الأحيان تخضع هذه العلاقات لشكل الصراع الدائر بين الحزبين فتجد إنقساما واضحا بين كل شرائح المجتمع الإيزيدي تصل بهم إلى حد القطيعة في أغلب الأحيان.
- لا توجد في طليعة المجتمع الإيزيدي قيادة تحمل رؤية واضحة بشأن مستقبله فقيادة الإمارة و القيادات الدينية أصبحت تنحاز إلى الأحزاب وتنخرط في صفوفها وهي لاتدرك في الواقع خطورة السير واللهاث وراء مصالح آنية . وإلى جانب هذه المسألة لم تستطع أية قيادة أخرى من الإيزيدية وكل الذين ينتمون إلى الأحزاب الكوردستانية أن يثبتوا الجدارة في نيل ثقة أبناء هذه الديانة لنفس الأسباب والأنانية المفرطة والثراء الغير مشروع على حساب المعدومين منهم .
- شريحة واسعة من الشبيبة الإيزيدية المثقفة أصبحت تدرك مصلحة أبناء هذه الديانة ، وهي تتحرك بشأنها ، والآن يجري جدل أخذ مسارا صحيحا بشأن الكثير من المسائل العقدية ، مثل حقوقهم التي ينبغي أن يعتمدها الدستور العراقي القادم والدائم إلى جانب ما يتعرضون له من ممارسات سياسية مجحفة وهضم لحقوقهم في المجالات المختلفة ، مع الإشارة إلى قضية مهمة جدا وهو النقاش الساخن والدائر بشكل سليم أزاء ضرورة أوعدم ضرورة قيام حزب خاص بالإيزيدية وشكل هذا الحزب وأهدافه و الذي سأشترك فيه وأقصد في النقاش بمقال آخر في الأيام القادمة

ليست هناك تعليقات: